خلفية تاريخية
شهدت تركيا في التسعينيات صعودًا سياسيًا للإسلاميين، بقيادة حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان. فاز الحزب في الانتخابات العامة عام 1995 وشكل ائتلافًا حكوميًا مع حزب الطريق القويم. أثار هذا الصعود قلقًا عميقًا لدى الجيش التركي، الذي يعتبر نفسه حاميًا للعلمانية في تركيا. اعتقد الجيش أن سياسات أربكان تهدد مبادئ أتاتورك العلمانية.
ازداد التوتر بين الجيش والحكومة تدريجيًا. اتخذ الجيش خطوات مختلفة لتقويض سلطة الحكومة، بما في ذلك توجيه انتقادات علنية لسياسات الحكومة، والضغط على الشركات والمؤسسات لمنع التعاون مع الحكومة. في أواخر عام 1996، تفاقم التوتر بسبب عدة أحداث، بما في ذلك حفل استقبال في إحدى السفارات حيث تم توزيع ملصقات تظهر فيها صور دينية، وكذلك بسبب بعض السياسات التي اعتبرها الجيش أنها ذات طابع إسلامي.
أحداث مذكرة 28 شباط
في 28 شباط/فبراير 1997، اجتمع المجلس العسكري للأمن القومي التركي، وهو هيئة تضم كبار القادة العسكريين والسياسيين. أصدر المجلس مذكرة موجهة إلى الحكومة، تضمنت سلسلة من المطالب والإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها. تضمنت هذه المطالب:
- الحد من الأنشطة الإسلامية في البلاد
- اتخاذ إجراءات ضد الجماعات المتطرفة
- الحفاظ على العلمانية في التعليم
- التقيد بالقرارات التي يتخذها المجلس العسكري للأمن القومي
هددت المذكرة ضمنيًا باستخدام القوة إذا لم تمتثل الحكومة. كان أربكان مترددًا في الاستقالة، لكنه واجه ضغوطًا هائلة من الجيش، بالإضافة إلى ضغوط من الأحزاب السياسية المعارضة ورجال الأعمال والإعلام. في النهاية، استقال أربكان من منصب رئيس الوزراء في 18 حزيران/يونيو 1997.
تداعيات مذكرة 28 شباط
أدت مذكرة 28 شباط إلى عواقب وخيمة على السياسة التركية. أُجبر حزب الرفاه على الإغلاق، وحُظر على أربكان ممارسة السياسة لفترة من الزمن. أثرت المذكرة أيضًا على التحالفات السياسية في تركيا، ومهدت الطريق لصعود الأحزاب الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت المذكرة على مجالات أخرى من الحياة التركية. تعرضت المؤسسات الدينية والتعليمية لضغوط متزايدة للامتثال للمبادئ العلمانية. تم اتخاذ إجراءات ضد بعض الجماعات الإسلامية. قيدت الحكومة الجديدة حرية التعبير والتجمع.
يُنظر إلى مذكرة 28 شباط على نطاق واسع على أنها “انقلاب ما بعد الحداثة” لأنها لم تنطوِ على استخدام القوة المباشرة أو تعليق الدستور. بدلًا من ذلك، استخدم الجيش الضغط السياسي وغيره من الأساليب غير المباشرة لإجبار الحكومة على الاستقالة. ومع ذلك، يجادل البعض بأن المذكرة كانت في الواقع انقلابًا عسكريًا، لأنها أدت إلى تغيير غير دستوري في السلطة السياسية.
العلاقات بين المدنيين والعسكريين
أدت مذكرة 28 شباط إلى تفاقم التوتر القائم بالفعل في العلاقات بين المدنيين والعسكريين في تركيا. كان للجيش تاريخ طويل من التدخل في السياسة التركية، وغالبًا ما كان يعتبر نفسه حاميًا للدولة العلمانية. أثارت المذكرة أسئلة حول دور الجيش في الديمقراطية التركية. أدت العملية إلى تآكل الثقة في الديمقراطية في نظر الكثير من الأتراك.
أدت المذكرة أيضًا إلى نقاشات واسعة حول مدى سلطة الجيش. جادل البعض بأن الجيش كان ضروريًا للحفاظ على الاستقرار في تركيا، بينما جادل آخرون بأنه كان يمثل تهديدًا للديمقراطية. أدت هذه النقاشات إلى عدد من الإصلاحات في السنوات التي تلت المذكرة، بما في ذلك الحد من سلطة الجيش في السياسة.
تأثيرات على المجتمع التركي
كان لمذكرة 28 شباط تأثير كبير على المجتمع التركي. أدت المذكرة إلى زيادة الاستقطاب في المجتمع، حيث اتخذ الناس مواقف متناقضة حول دور الجيش في السياسة. أدت المذكرة أيضًا إلى زيادة القمع السياسي، حيث اتخذت الحكومة إجراءات ضد المعارضين السياسيين.
بالإضافة إلى ذلك، أدت المذكرة إلى تغييرات في الثقافة التركية. تم فرض قيود على حرية التعبير، وتم تشديد الرقابة على وسائل الإعلام. أدت المذكرة أيضًا إلى زيادة النزعة المحافظة في المجتمع، حيث سعت الحكومة إلى قمع الأنشطة التي اعتبرتها غير أخلاقية.
المسار القانوني والجدل
أثار تدخل الجيش في عام 1997 جدلاً قانونيًا وأخلاقيًا واسع النطاق. اعتبره البعض ضروريًا للحفاظ على العلمانية في تركيا، بينما رآه آخرون انتهاكًا للديمقراطية. اتُهم الجيش باستغلال سلطته لتعزيز أجندته الخاصة. في السنوات الأخيرة، تم فتح تحقيقات في دور الجيش في مذكرة 28 شباط، وتمت محاكمة بعض الجنرالات. ومع ذلك، لا يزال الجدل حول هذا الحدث مستمرًا.
التأثير على العلاقات الخارجية
أثرت مذكرة 28 شباط أيضًا على العلاقات الخارجية لتركيا. أثارت المذكرة قلقًا في بعض الدول الغربية، التي أعربت عن مخاوفها بشأن الديمقراطية في تركيا. أدت المذكرة إلى توتر العلاقات مع بعض الدول الإسلامية، التي رأت أن تركيا تتجاهل حقوق المسلمين.
على الرغم من هذه التحديات، سعت تركيا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الأخرى. استمرت تركيا في لعب دور مهم في الشؤون الإقليمية، وحاولت تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الأخرى.
تطورات لاحقة
بعد مذكرة 28 شباط، شهدت تركيا فترة من الاضطرابات السياسية. تشكلت حكومات ائتلافية متعددة، ومرت البلاد بعدد من الانتخابات. شهدت تركيا أيضًا صعود حزب العدالة والتنمية، بقيادة رجب طيب أردوغان. فاز الحزب في الانتخابات عام 2002، وظل في السلطة منذ ذلك الحين.
في السنوات الأخيرة، شهدت تركيا تحسينات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة، بما في ذلك قضايا حرية التعبير والتجمع. لا تزال ذكرى مذكرة 28 شباط تثير جدلاً في تركيا، حيث يسعى المجتمع التركي إلى فهم ماضي البلاد والمضي قدمًا نحو مستقبل أكثر ديمقراطية.
خاتمة
تمثل مذكرة الجيش التركي عام 1997، أو ما يعرف بمذكرة 28 شباط، نقطة تحول مهمة في تاريخ تركيا الحديث. أدت المذكرة إلى تدخل الجيش في السياسة، وأجبرت حكومة أربكان على الاستقالة. كان للمذكرة عواقب وخيمة على السياسة التركية، والمجتمع، والعلاقات الخارجية. لا تزال المذكرة تثير جدلاً في تركيا، وتذكر بالتوترات المستمرة بين العلمانية والإسلام، ودور الجيش في الديمقراطية التركية. إن فهم هذه المذكرة أمر بالغ الأهمية لفهم التحديات التي تواجهها تركيا في الحاضر.