مقدمة
كان الحزب الوطني المتحد (Herenigde Nasionale Party)، ويعني “الحزب الوطني المُوَحَّد” باللغة الأفريكانية، حزبًا سياسيًا في جنوب إفريقيا خلال الأربعينيات من القرن الماضي. تأسس الحزب نتيجة للاندماج بين الحزب الوطني (National Party) وحزب جنوب إفريقيا (South African Party) في عام 1934، ولكنه شهد انقسامًا كبيرًا في عام 1939 بسبب مسألة مشاركة جنوب إفريقيا في الحرب العالمية الثانية. يهدف هذا المقال إلى استكشاف تاريخ الحزب الوطني المتحد، وتشكيله، وأيديولوجيته، والانقسامات التي أدت إلى زواله، وتأثيره على السياسة في جنوب إفريقيا.
التأسيس والاندماج
في عام 1934، شهدت جنوب إفريقيا حدثًا سياسيًا هامًا تمثل في اندماج الحزب الوطني، الذي كان يمثل مصالح الأفريكانيين، وحزب جنوب إفريقيا، الذي كان يمثل بشكل رئيسي الناطقين باللغة الإنجليزية. عُرف هذا الاندماج باسم “حزب الوحدة” (United Party). كان الهدف من هذا الاندماج هو تحقيق الوحدة بين المجموعتين العرقيتين الرئيسيتين في البلاد وتشكيل جبهة موحدة ضد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه جنوب إفريقيا في ذلك الوقت.
على الرغم من النجاح الأولي لحزب الوحدة في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلا أن التوترات والخلافات الكامنة بين الفصيلين لم تختفِ تمامًا. كان لدى الحزب الوطني وحزب جنوب إفريقيا رؤى مختلفة حول العديد من القضايا الهامة، بما في ذلك السياسة العرقية والعلاقات مع بريطانيا.
الانقسام حول الحرب العالمية الثانية
في عام 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى أزمة سياسية كبيرة في جنوب إفريقيا. كان رئيس الوزراء آنذاك، الجنرال جان سماتس، يؤيد بشدة مشاركة جنوب إفريقيا إلى جانب بريطانيا والحلفاء ضد ألمانيا النازية. ومع ذلك، كان هناك معارضة قوية داخل حزب الوحدة، وخاصة من قبل فصيل الحزب الوطني بقيادة الدكتور دانيال فرانسوا مالان، الذي كان يعارض بشدة مشاركة جنوب إفريقيا في الحرب.
أدت هذه الخلافات إلى انقسام حاد داخل حزب الوحدة. في عام 1939، انفصل فصيل الحزب الوطني بقيادة مالان عن حزب الوحدة وشكلوا حزبًا جديدًا أطلقوا عليه اسم “الحزب الوطني المتحد” (Herenigde Nasionale Party). كان هذا الانقسام نقطة تحول حاسمة في تاريخ جنوب إفريقيا، حيث مهد الطريق لصعود الحزب الوطني المتحد إلى السلطة في عام 1948 وبدء حقبة الفصل العنصري.
الأيديولوجيا والسياسات
كان الحزب الوطني المتحد حزبًا محافظًا يؤمن بقوة بالهوية الأفريقانية وبالحفاظ على التفوق الأبيض في جنوب إفريقيا. كانت أيديولوجية الحزب متجذرة في القومية الأفريقانية، التي تشدد على أهمية اللغة والثقافة والتاريخ الأفريقاني. كان الحزب يعارض بشدة المساواة العرقية ويدعو إلى الفصل العنصري بين البيض والسود والملونين والآسيويين.
بعد وصوله إلى السلطة في عام 1948، بدأ الحزب الوطني المتحد في تنفيذ سياسات الفصل العنصري بشكل منهجي. صدرت سلسلة من القوانين العنصرية التي تهدف إلى فصل المجموعات العرقية المختلفة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك السكن والتعليم والعمل والرعاية الصحية. تم حرمان السود من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعرضوا للتمييز والقمع الشديدين.
من بين أبرز القوانين التي أصدرها الحزب الوطني المتحد خلال فترة حكمه:
- قانون تسجيل السكان (Population Registration Act) لعام 1950: الذي صنف جميع سكان جنوب إفريقيا حسب العرق.
- قانون مناطق الجماعات (Group Areas Act) لعام 1950: الذي قسم البلاد إلى مناطق عرقية منفصلة، مما أدى إلى تهجير قسري لملايين الأشخاص.
- قانون قمع الشيوعية (Suppression of Communism Act) لعام 1950: الذي استخدم لقمع المعارضة السياسية، بما في ذلك حركة التحرير الوطني.
- قانون التعليم البانتو (Bantu Education Act) لعام 1953: الذي أنشأ نظام تعليم منفصل للسود، يهدف إلى إعدادهم لأدوار دنيا في المجتمع.
القادة والشخصيات البارزة
كان الدكتور دانيال فرانسوا مالان الزعيم الأبرز للحزب الوطني المتحد. لعب دورًا حاسمًا في تأسيس الحزب وفي قيادته إلى السلطة في عام 1948. شغل مالان منصب رئيس الوزراء من عام 1948 إلى عام 1954، وخلال فترة ولايته، بدأ تنفيذ سياسات الفصل العنصري على نطاق واسع. كان مالان شخصية مثيرة للجدل، حيث يعتبره البعض بطلاً أفريكانياً دافع عن مصالح شعبه، بينما يرى فيه آخرون مهندس نظام الفصل العنصري.
شخصيات بارزة أخرى في الحزب الوطني المتحد تشمل:
- جيرهاردوس فيلهلمس نيكولاس (جيه. جي.) ستريدوم: الذي خلف مالان في منصب رئيس الوزراء في عام 1954.
- هندريك فيرويرد: الذي يعتبر مهندس الفصل العنصري وكان رئيسًا للوزراء من عام 1958 إلى عام 1966.
- بالثازار يوهانس فورستر: الذي خلف فيرويرد في منصب رئيس الوزراء في عام 1966.
تأثير الحزب الوطني المتحد على السياسة في جنوب إفريقيا
كان للحزب الوطني المتحد تأثير عميق ودائم على السياسة في جنوب إفريقيا. حكم الحزب البلاد لمدة 46 عامًا، من عام 1948 إلى عام 1994، وخلال هذه الفترة، حول جنوب إفريقيا إلى دولة فصل عنصري. تسببت سياسات الحزب في معاناة هائلة لملايين السود والملونين والآسيويين، وأدت إلى عزلة جنوب إفريقيا دوليًا.
على الرغم من أن الحزب الوطني المتحد قد تفكك في عام 1997، إلا أن إرثه لا يزال محسوسًا في جنوب إفريقيا حتى اليوم. لا تزال البلاد تعاني من آثار الفصل العنصري، بما في ذلك التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية العميقة بين المجموعات العرقية المختلفة. كما أن المصالحة بين البيض والسود لا تزال عملية مستمرة.
نهاية الحزب الوطني المتحد
في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، بدأ نظام الفصل العنصري في الانهيار تحت ضغط المقاومة الداخلية والعقوبات الدولية. في عام 1990، أطلق الرئيس فريدريك ويليم دي كليرك سراح نيلسون مانديلا من السجن، ورفع الحظر عن المؤتمر الوطني الأفريقي، وبدأ مفاوضات مع قادة حركة التحرير الوطني لإنهاء الفصل العنصري.
في عام 1994، أجريت أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا، وفاز المؤتمر الوطني الأفريقي بأغلبية ساحقة. انتهى حكم الحزب الوطني المتحد، وبدأت حقبة جديدة في تاريخ جنوب إفريقيا.
بعد خسارته السلطة، أعاد الحزب الوطني المتحد تسمية نفسه باسم “الحزب الوطني الجديد” (New National Party)، وحاول أن يلعب دورًا في السياسة الجنوب أفريقية الجديدة. ومع ذلك، فقد الحزب شعبيته تدريجيًا، وفي عام 2005، تم حله رسميًا.
خاتمة
كان الحزب الوطني المتحد قوة مهيمنة في السياسة في جنوب إفريقيا خلال القرن العشرين. لعب الحزب دورًا حاسمًا في تشكيل تاريخ البلاد، ولكن إرثه لا يزال مثيرًا للجدل. بينما يعتبره البعض مدافعًا عن مصالح الأفريكانيين، يرى فيه آخرون مهندس نظام الفصل العنصري، الذي تسبب في معاناة هائلة لملايين الأشخاص. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن الحزب الوطني المتحد ترك بصمة لا تمحى على جنوب إفريقيا.