<![CDATA[
من هو عوبديا؟
اسم “عوبديا” يعني “عبد يهوه” أو “عابد الرب”. لا يقدم السفر نفسه معلومات تفصيلية عن حياة النبي عوبديا أو خلفيته. ونتيجة لذلك، يعتبر عوبديا شخصية غامضة إلى حد ما في الكتاب المقدس. ومع ذلك، فإن الرسالة النبوية التي يحملها سفره واضحة ومباشرة.
تاريخ كتابة السفر
تحديد التاريخ الدقيق لكتابة سفر عوبديا يمثل تحديًا للباحثين. تشير الدلائل الداخلية في السفر إلى أنه كتب بعد فترة من الغزو أو النهب الذي تعرضت له أورشليم. ومع ذلك، فإن طبيعة هذا الغزو أو النهب ليست محددة بشكل قاطع. هناك نظريتان رئيسيتان حول تاريخ الكتابة:
- النظرية الأولى: ترجع السفر إلى الفترة المبكرة، أي في حوالي عام 840 قبل الميلاد، خلال فترة حكم يهورام ملك يهوذا. تستند هذه النظرية إلى الإشارة المحتملة إلى غزو قام به الفلسطينيون والعرب (سفر أخبار الأيام الثاني 21: 16-17).
- النظرية الثانية: ترجع السفر إلى الفترة المتأخرة، أي في حوالي عام 586 قبل الميلاد، بعد تدمير أورشليم على يد البابليين. تستند هذه النظرية إلى التشابه اللغوي والموضوعي مع نبوءات أخرى تتحدث عن الدينونة على الأمم، بالإضافة إلى الإشارة المحتملة إلى دور إدوم في استغلال محنة إسرائيل.
بغض النظر عن التاريخ الدقيق، فإن رسالة السفر تظل ذات أهمية، حيث تتناول قضايا العدالة الإلهية والمسؤولية الأخلاقية للأمم.
موضوع السفر
الموضوع الرئيسي لسفر عوبديا هو دينونة إدوم بسبب كبريائها وعنفها تجاه إسرائيل في وقت ضعفها. يسلط السفر الضوء على:
- كبرياء إدوم: كانت إدوم تعيش في مناطق جبلية وعرة، مما جعلها تشعر بالأمان والمنعة. هذا الشعور بالأمان أدى إلى الكبرياء والغطرسة، وجعلها تنظر بازدراء إلى الأمم الأخرى، وخاصة إسرائيل.
- عنف إدوم: عندما تعرضت إسرائيل للهجوم والغزو، لم تساعد إدوم جارتها وشقيقتها، بل استغلت ضعفها وشاركت في النهب والسلب، وربما سلمت بعض اللاجئين الإسرائيليين إلى أعدائهم.
- دينونة الله: يعلن عوبديا أن الله سيدين إدوم بسبب كبريائها وعنفها. ستتعرض إدوم للغزو والتدمير، وستزول من الوجود.
- خلاص إسرائيل: في المقابل، يعد عوبديا بخلاص إسرائيل واستعادة مجدها في المستقبل. سيمتلك بنو إسرائيل أرضهم مرة أخرى، وسيحكمون على الأمم التي اضطهدتهم.
أهمية السفر
يحمل سفر عوبديا أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- العدالة الإلهية: يؤكد السفر على مبدأ العدالة الإلهية، حيث أن الله لا يتغاضى عن الظلم والعنف، وسيجازي كل أمة حسب أعمالها.
- المسؤولية الأخلاقية: يذكر السفر الأمم بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه بعضها البعض، وخاصة في أوقات المحن والضعف.
- الأمل في الخلاص: يقدم السفر رجاءً لإسرائيل في وقت الضيق، مؤكدًا أن الله لن يتخلى عن شعبه، وسيعيد لهم مجدهم في المستقبل.
- تحذير من الكبرياء: يحذر السفر من خطر الكبرياء والغطرسة، التي تؤدي إلى السقوط والهلاك.
ملخص السفر
يمكن تلخيص سفر عوبديا في النقاط التالية:
- الإعلان عن دينونة إدوم: يعلن عوبديا أن الله سيدين إدوم بسبب كبريائها وعنفها تجاه إسرائيل.
- تعداد خطايا إدوم: يسرد عوبديا خطايا إدوم، مثل الكبرياء والغطرسة والاستغلال والنهب.
- وصف دينونة إدوم: يصف عوبديا دينونة إدوم، التي ستشمل الغزو والتدمير والزوال.
- الوعد بخلاص إسرائيل: يعد عوبديا بخلاص إسرائيل واستعادة مجدها في المستقبل.
تفسير بعض الآيات الهامة
لفهم سفر عوبديا بشكل أفضل، من المفيد تحليل بعض الآيات الهامة:
- “كبرياء قلبك قد خدعك أيها الساكن في حفائر الصخر، رفعة مقعده، القائل في قلبه: من ينزلني إلى الأرض؟” (عوبديا 3): هذه الآية تصف كبرياء إدوم وثقتها الزائدة في حصونها الجبلية، مما جعلها تشعر بالمنعة والغطرسة.
- “في يوم وقوفك قبالته، يوم سبي الأجانب قدرته، ودخول الغرباء أبوابه، وإلقاء قرعة على أورشليم، كنت أنت أيضًا كواحد منهم.” (عوبديا 11): هذه الآية تصف دور إدوم السلبي في استغلال محنة إسرائيل، حيث لم تساعدها بل شاركت في النهب والسلب.
- “كما فعلت يُفعل بك. عملك يرتد على رأسك.” (عوبديا 15): هذه الآية تعبر عن مبدأ العدالة الإلهية، حيث أن الله سيجازي إدوم بنفس الطريقة التي عاملت بها إسرائيل.
- “ويكون بيت يعقوب نارًا، وبيت يوسف لهيبًا، وبيت عيسو قشًا، فيشعلونهم ويأكلونهم. ولا يكون باقٍ لبيت عيسو. لأن الرب تكلم.” (عوبديا 18): هذه الآية تصف الدينونة الكاملة لإدوم، حيث ستزول من الوجود بسبب غضب الله.
تأثير السفر على الفكر اللاهوتي
ترك سفر عوبديا تأثيرًا كبيرًا على الفكر اللاهوتي، حيث ساهم في فهم:
- طبيعة الله: يؤكد السفر على عدالة الله وقدسيته، وأنه لا يتغاضى عن الظلم والشر.
- علاقة الله بالأمم: يوضح السفر أن الله يهتم بجميع الأمم، وسيجازي كل أمة حسب أعمالها.
- أهمية التوبة: على الرغم من أن السفر يركز على دينونة إدوم، إلا أنه يحمل ضمنيًا دعوة إلى التوبة والرجوع إلى الله.
- رجاء الخلاص: يقدم السفر رجاءً للمؤمنين في وقت الضيق، مؤكدًا أن الله لن يتخلى عن شعبه، وسيعيد لهم مجدهم في المستقبل.
خاتمة
سفر عوبديا هو نبوءة قصيرة ولكنها قوية، تركز على دينونة إدوم بسبب كبريائها وعنفها تجاه إسرائيل. يؤكد السفر على عدالة الله ومسؤولية الأمم الأخلاقية، ويقدم رجاءً للمؤمنين في وقت الضيق. على الرغم من أن السفر كتب في سياق تاريخي محدد، إلا أن رسالته تظل ذات صلة حتى اليوم، حيث تذكرنا بأهمية العدالة والتواضع والمحبة.