مقدمة
ديفيد جوزيف هيرليهي (8 مايو 1930 – 21 فبراير 1991) كان مؤرخًا أمريكيًا بارزًا، اشتهر بدراساته الرائدة حول التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لأوروبا في العصور الوسطى وعصر النهضة. شغل منصب رئيس الجمعية التاريخية الأمريكية، وهو دليل على المكانة الرفيعة التي تبوأها في الأوساط الأكاديمية. تميز هيرليهي بمنهجه متعدد التخصصات الذي جمع بين التاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع لفهم الديناميكيات المعقدة التي شكلت المجتمعات الأوروبية في الماضي.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد ديفيد هيرليهي في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس. تلقى تعليمه في مدارس كامبريدج العامة، ثم التحق بكلية هارفارد المرموقة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في عام 1951. بعد تخرجه، خدم في جيش الولايات المتحدة لمدة عامين. ثم عاد إلى هارفارد لمواصلة دراساته العليا في التاريخ، وحصل على درجة الدكتوراه في عام 1956. كانت أطروحته للدكتوراه بعنوان “إقطاعية منطقة بيستويا، 930-1130”.
مسيرته الأكاديمية
بدأ هيرليهي مسيرته الأكاديمية في جامعة ييل، حيث عمل أستاذاً مساعداً للتاريخ من عام 1956 إلى عام 1960. ثم انتقل إلى جامعة ويسكونسن ماديسون، حيث أمضى معظم حياته المهنية. في ويسكونسن، ارتقى في الرتب الأكاديمية ليصبح أستاذاً كاملاً للتاريخ في عام 1965. تميزت فترة عمله في ويسكونسن بالإنتاجية الغزيرة والابتكار في البحث والتدريس. انضم هيرليهي إلى جامعة هارفارد في عام 1988 كأستاذ لتاريخ العصور الوسطى وليارمان.
أعماله وإسهاماته
يعتبر ديفيد هيرليهي أحد أبرز المؤرخين المتخصصين في تاريخ العصور الوسطى وعصر النهضة. تميزت أعماله بالدقة والعمق والابتكار، وقد تركت بصمة واضحة على فهمنا لهذه الفترات التاريخية. من أبرز إسهاماته:
- التحليل الديموغرافي: كان هيرليهي من أوائل المؤرخين الذين استخدموا الأساليب الديموغرافية لتحليل البيانات التاريخية. وقد ساعدت دراساته حول السكان في العصور الوسطى على فهم أفضل للعوامل التي أثرت في النمو السكاني والتركيبة السكانية والتغيرات الاجتماعية.
- تاريخ الأسرة: اهتم هيرليهي بتاريخ الأسرة في العصور الوسطى وعصر النهضة، وقدم تحليلات مبتكرة حول بنية الأسرة والعلاقات الأسرية ودور المرأة في المجتمع.
- التاريخ الاقتصادي: درس هيرليهي التطورات الاقتصادية في العصور الوسطى، بما في ذلك التجارة والزراعة والصناعة. وقد ساهمت أعماله في فهم أفضل للعوامل التي أدت إلى النمو الاقتصادي والتحولات الاجتماعية.
- تاريخ المرأة: كان هيرليهي من المؤيدين لدراسة تاريخ المرأة، وقدم إسهامات قيمة في فهم دور المرأة في مجتمعات العصور الوسطى وعصر النهضة.
من بين أشهر أعماله:
- Pistoia in the Middle Ages (1964)
- Medieval and Renaissance Pistoia: The Social History of an Italian Town, 1200-1430 (1967)
- Women, Family, and Society in Medieval Europe: Historical Essays, 1978
- Tuscans and Their Families: A Study of the Florentine Catasto of 1427 (1985) بالاشتراك مع كريستين كليبر
- Opera Muliebria: Women and Work in Medieval Europe (1990)
- ودراسته الكلاسيكية “تاريخ موجز عن المرأة في الغرب” (A Brief History of Women in the West) بالاشتراك مع سوزان ليوتار.
المنهجية والأسلوب
تميز هيرليهي بمنهجه الدقيق والتحليلي في البحث التاريخي. كان يعتمد على مصادر أولية متنوعة، بما في ذلك الوثائق الأرشيفية والسجلات الرسمية والمخطوطات. كان يولي اهتماماً خاصاً بالتفاصيل، ويسعى إلى فهم السياق التاريخي الكامل للأحداث والظواهر التي يدرسها. كما تميز بأسلوبه الكتابي الواضح والجذاب، مما جعل أعماله في متناول جمهور واسع من القراء.
الجوائز والتكريمات
حصل ديفيد هيرليهي على العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته المهنية، تقديراً لإسهاماته البارزة في مجال التاريخ. من بين هذه الجوائز:
- زمالة غوغنهايم
- زمالة المركز الوطني للعلوم الإنسانية
- انتخابه رئيساً للجمعية التاريخية الأمريكية
تأثيره وإرثه
ترك ديفيد هيرليهي إرثاً دائماً في مجال التاريخ. ألهمت أعماله جيلاً كاملاً من المؤرخين، وساهمت في تغيير الطريقة التي نفهم بها العصور الوسطى وعصر النهضة. لا تزال كتبه ومقالاته تُقرأ وتُدرس على نطاق واسع، ولا يزال تأثيره محسوساً في الأبحاث التاريخية المعاصرة. يُذكر هيرليهي بصفته مؤرخاً رائداً ومبتكراً ومؤثراً، وسيظل اسمه مرتبطاً دائماً بأعلى معايير التميز في البحث التاريخي.
الحياة الشخصية
تزوج هيرليهي من باتريشيا في عام 1957، وأنجبا خمسة أطفال.
وفاته
توفي ديفيد هيرليهي في 21 فبراير 1991، عن عمر يناهز الستين عامًا.
خاتمة
كان ديفيد هيرليهي مؤرخًا أمريكيًا متميزًا، ترك بصمة واضحة في دراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لأوروبا في العصور الوسطى وعصر النهضة. من خلال منهجه المبتكر وأعماله الدقيقة، ساهم هيرليهي في فهم أعمق للديناميكيات المعقدة التي شكلت المجتمعات الأوروبية في الماضي. سيظل إرثه قائماً كمصدر إلهام للأجيال القادمة من المؤرخين.