خلفية تاريخية
بعد وفاة أوغسطس الثاني، كان هناك مرشحان رئيسيان للعرش: ستانيسلاف ليزينسكي، الذي كان مدعومًا من قبل فرنسا، و أوغسطس الثالث، الذي كان مدعومًا من قبل روسيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. اختير ستانيسلاف ليزينسكي كملك من قبل البرلمان البولندي، ولكن سرعان ما تدخلت روسيا، التي لم تكن راضية عن هذا الاختيار. اعتبرت روسيا أن ستانيسلاف موالي لفرنسا، وهو ما يهدد مصالحها في المنطقة. أرسلت روسيا جيشًا إلى بولندا لدعم أوغسطس الثالث.
بدأ الصراع العسكري في أكتوبر 1733. استولى الروس على وارسو وأجبروا ستانيسلاف ليزينسكي على الفرار. لجأ ليزينسكي إلى دانزيج، التي كانت لا تزال تحت سيطرته. أصبحت دانزيج آخر معقل لليزينسكي وأنصاره، وتمثل المدينة تحديًا للروس في سعيهم لفرض أوغسطس الثالث كملك.
بداية الحصار
في فبراير 1734، حاصر الجيش الروسي بقيادة المارشال بوريس كورتشيموف مدينة دانزيج. كان الروس يتمتعون بتفوق كبير في القوة العسكرية، حيث كان لديهم جيش نظامي مدرب جيدًا، بينما كان المدافعون عن دانزيج يتكونون من مزيج من القوات البولندية الموالية لستانيسلاف، والمرتزقة الفرنسيين، والميليشيات المحلية. كان الحصار في البداية صارمًا، لكن الروس لم يتمكنوا من اقتحام المدينة على الفور.
أدرك الروس أن الاستيلاء على دانزيج يتطلب حصارًا طويل الأمد. قاموا بتطويق المدينة، وبناء التحصينات، وقطع خطوط الإمداد. كان المدافعون عن دانزيج يعانون من نقص في الغذاء والإمدادات، لكنهم صمدوا بشجاعة. قاموا بشن غارات متكررة على مواقع الروس، وألحقوا بهم خسائر كبيرة. كانت المدينة محصنة جيدًا، وأظهر المدافعون عنها تصميمًا كبيرًا على المقاومة.
العمليات العسكرية
على الرغم من التفوق الروسي، واجه الروس صعوبات كبيرة في محاولتهم الاستيلاء على دانزيج. كان المدافعون عن المدينة قد أعدوا دفاعات قوية، وقاوموا بشدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الظروف الجوية في فصل الشتاء قاسية، مما جعل من الصعب على الروس الحفاظ على إمداداتهم. كما أدى وصول تعزيزات فرنسية إلى زيادة تعقيد الوضع.
في أبريل 1734، وصلت قوة فرنسية صغيرة بقيادة الكونت دي بيل-إيل إلى دانزيج في محاولة لكسر الحصار. اشتبكت القوات الفرنسية مع الروس في عدة معارك، لكنها لم تتمكن من تحقيق تقدم كبير. حاول الفرنسيون كسر الحصار عن طريق البحر، لكن الأسطول الروسي منعهم من الوصول إلى المدينة. مع مرور الوقت، بدأ المدافعون عن دانزيج في مواجهة نقص في الغذاء والذخيرة. كما تفشى المرض بين السكان، مما أدى إلى زيادة المعاناة.
الاستسلام
بعد حصار دام عدة أشهر، أدرك ستانيسلاف ليزينسكي أن المقاومة أصبحت غير مجدية. في 27 يونيو 1734، استسلمت دانزيج للجيش الروسي. هرب ستانيسلاف ليزينسكي من المدينة متنكرًا، وتمكن من الفرار إلى كونيغسبرغ. سمح الروس للمدافعين عن دانزيج بالاستسلام بشروط مشرفة، لكنهم قاموا بسجن العديد من القادة الفرنسيين. سيطر الروس على دانزيج وأجبروا أوغسطس الثالث على أن يصبح ملك بولندا.
كان حصار دانزيج نقطة تحول في حرب الخلافة البولندية. فقد أضعف الحصار موقف ستانيسلاف ليزينسكي وأنصاره، ومهد الطريق لأوغسطس الثالث لتولي العرش. كما أظهر الحصار قوة الجيش الروسي المتزايدة وتأثيره في الشؤون الأوروبية. أدى سقوط دانزيج إلى نهاية فعالة لحرب الخلافة البولندية، على الرغم من أن بعض القتال استمر في أماكن أخرى حتى عام 1735. كانت هذه الحرب مثالًا على الصراع على السلطة في أوروبا الشرقية، والذي لعبت فيه روسيا دورًا متزايد الأهمية.
نتائج الحصار
كان لحصار دانزيج عواقب وخيمة على المدينة وسكانها. فقدت المدينة عددًا كبيرًا من سكانها بسبب القتال والمرض والمجاعة. تضررت البنية التحتية للمدينة بشدة، وأصبحت في حالة خراب. بالإضافة إلى ذلك، فقدت دانزيج استقلالها الذاتي وأُجبرت على الخضوع للحكم الروسي.
من الناحية السياسية، أدى حصار دانزيج إلى تعزيز موقف أوغسطس الثالث على العرش البولندي. كما أظهر الحصار قوة روسيا المتزايدة في المنطقة، مما أدى إلى تعزيز نفوذها في الشؤون الأوروبية. كانت حرب الخلافة البولندية، التي كان حصار دانزيج جزءًا منها، بمثابة صراع على السلطة في أوروبا الشرقية، لعبت فيه روسيا دورًا متزايد الأهمية.
أهمية تاريخية
يعتبر حصار دانزيج حدثًا تاريخيًا مهمًا لعدة أسباب. أولاً، كان يمثل انتصارًا عسكريًا كبيرًا للجيش الروسي، وأظهر قدرته على شن عمليات حصار ناجحة. ثانيًا، أدى الحصار إلى تعزيز موقف أوغسطس الثالث على العرش البولندي، مما أدى إلى استقرار سياسي مؤقت في بولندا. ثالثًا، ساعد الحصار على ترسيخ قوة روسيا المتزايدة في أوروبا الشرقية، مما أثر على ميزان القوى في المنطقة. أخيرًا، يمثل الحصار فصلًا مهمًا في تاريخ مدينة دانزيج، ويسلط الضوء على دور المدينة كمركز للتجارة والثقافة في بحر البلطيق.
التأثير الثقافي
بالإضافة إلى أهميته السياسية والعسكرية، كان لحصار دانزيج أيضًا تأثير ثقافي. ألهم الحصار العديد من الأعمال الفنية والأدبية، بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والقصائد. تصور هذه الأعمال الحصار كمأساة، وتعبر عن حزن ومعاناة سكان دانزيج. كما أنها تذكر بشجاعة المدافعين عن المدينة وتصميمهم على المقاومة.
أصبح حصار دانزيج جزءًا من الذاكرة التاريخية لغدانسك. يتم تذكره كفترة مضطربة، لكنها أيضًا فترة من الفخر الوطني. لا تزال المدينة تحتفل بذكرى الحصار من خلال المعارض والمؤتمرات والاحتفالات. يعكس الحصار تصميم المدينة على الحفاظ على هويتها وتقاليدها.
خاتمة
كان حصار دانزيج عام 1734 حدثًا حاسمًا في حرب الخلافة البولندية. أدى الحصار، الذي استمر لمدة أربعة أشهر، إلى استسلام المدينة وسقوطها في أيدي الروس. عزز الحصار موقف أوغسطس الثالث على العرش البولندي، وأظهر قوة روسيا المتزايدة في أوروبا الشرقية. كان للحصار عواقب وخيمة على مدينة دانزيج وسكانها، ولكنه أثر أيضًا على المشهد السياسي والثقافي في المنطقة. يمثل الحصار فصلًا مهمًا في تاريخ أوروبا، ويسلط الضوء على الصراع على السلطة والتأثير في القرن الثامن عشر.
المراجع
- Britannica – War of the Polish Succession
- Wikipedia – Siege of Danzig (1734)
- History.com – Russians take Danzig
- World History Encyclopedia – War of the Polish Succession
“`