الأسلوب الأول: الأسلوب الهيكلي (200 قبل الميلاد – 80 قبل الميلاد)
يُعرف الأسلوب الأول، أو الأسلوب الهيكلي (Structural Style)، أيضًا باسم الأسلوب “الجبسي” (Incrustation Style). هذا الأسلوب هو الأقدم بين الأساليب الأربعة. يتميز هذا الأسلوب بمحاكاة السطوح الرخامية الملونة، أو الكتل الحجرية، أو الألواح الجبسية. كان الفنانون يستخدمون ألوانًا زاهية وغنية، مثل الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق، لإنشاء وهم بالعمق. تهدف اللوحات إلى إضفاء مظهر فخم على الجدران، وتقليد الزخارف المعمارية الحقيقية. يمكن رؤية هذا الأسلوب بوضوح في المنازل الغنية، مثل منزل الفاون في بومبي.
من السمات المميزة لهذا الأسلوب:
- التقسيم الأفقي: غالباً ما تنقسم الجدران إلى مناطق أفقية، مع وجود قاعدة سفلية تشبه قاعدة الجدار.
- محاكاة المواد الثمينة: يهدف الفنانون إلى تقليد مظهر الرخام والأحجار الثمينة الأخرى.
- الألوان الزاهية: استخدام الألوان الزاهية، وخاصة الأحمر الداكن (الذي يسمى غالبًا “الأحمر البومبي”)، والأخضر، والأصفر.
- البساطة: بالمقارنة مع الأساليب اللاحقة، يتميز هذا الأسلوب بالبساطة والاعتماد على الزخرفة الهيكلية.
كان هذا الأسلوب يعكس ثروة وأهمية أصحاب المنازل، ويهدف إلى إظهار مكانتهم الاجتماعية.
الأسلوب الثاني: الأسلوب المعماري (80 قبل الميلاد – 15 قبل الميلاد)
يُعرف الأسلوب الثاني، أو الأسلوب المعماري (Architectural Style)، بأنه أكثر تطورًا من الأسلوب الأول. يهدف هذا الأسلوب إلى خلق وهم بالعمق الفضائي. يتميز باستخدام المناظر الطبيعية، والمناظر المعمارية التفصيلية، والشخصيات المرسومة في مناظر طبيعية واسعة. يستخدم الفنانون تقنيات لخلق وهم بالمنظور، مثل استخدام الخطوط المتقاربة. يهدف هذا الأسلوب إلى توسيع المساحة المرئية، مما يجعل الغرفة تبدو أكبر مما هي عليه بالفعل.
من السمات المميزة لهذا الأسلوب:
- المنظور: استخدام المنظور لخلق وهم بالعمق، مثل رسم الأعمدة والأقواس التي تبدو وكأنها تمتد إلى مسافة.
- المناظر الطبيعية: رسم المناظر الطبيعية، بما في ذلك الأشجار، والجبال، والمباني، لخلق جو طبيعي.
- العناصر المعمارية: استخدام العناصر المعمارية، مثل الأعمدة، والأقواس، والنوافذ، لإضافة عمق وتعقيد إلى اللوحات.
- الألوان: استخدام الألوان المتنوعة لخلق تأثيرات ضوئية وظلية.
يعكس هذا الأسلوب التأثير المتزايد للهندسة المعمارية والإبداع الفني في ذلك الوقت. يهدف إلى إظهار مهارة الفنان وقدرته على خداع العين.
الأسلوب الثالث: الأسلوب الزخرفي (15 قبل الميلاد – 62 ميلادي)
الأسلوب الثالث، أو الأسلوب الزخرفي (Ornamental Style)، يتميز بالعودة إلى الزخرفة المسطحة، مع التركيز على العناصر الزخرفية بدلاً من محاولة خلق وهم بالعمق. يظهر في هذا الأسلوب استخدام الألوان الزاهية والخطوط الدقيقة، مع وجود لوحات مركزية صغيرة داخل إطارات معمارية أو زخرفية. يتميز هذا الأسلوب بتفاصيل دقيقة وأنيقة.
من السمات المميزة لهذا الأسلوب:
- التقسيم: غالباً ما يتم تقسيم الجدران إلى أقسام مختلفة باستخدام الأعمدة والألواح الزخرفية.
- العناصر الزخرفية: التركيز على العناصر الزخرفية، مثل الزخارف النباتية، والحيوانات، والأشكال الأسطورية.
- الألوان الزاهية: استخدام الألوان الزاهية والمتناغمة، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة.
- المناظر الصغيرة: وجود لوحات مركزية صغيرة تصور مشاهد أسطورية أو مناظر طبيعية صغيرة.
يعكس هذا الأسلوب الاهتمام المتزايد بالجمال والأناقة، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة والزخارف الفاخرة.
الأسلوب الرابع: الأسلوب المختلط (62 ميلادي – 79 ميلادي)
الأسلوب الرابع، أو الأسلوب المختلط (Intricate Style)، هو مزيج من الأساليب السابقة. يجمع هذا الأسلوب بين العناصر المعمارية والزخرفية، مع إضافة عناصر جديدة. يظهر هذا الأسلوب لوحات كبيرة تصور مشاهد معقدة، ومناظر طبيعية، ومشاهد أسطورية. يتميز هذا الأسلوب بالإفراط في الزخرفة واستخدام الألوان الزاهية. كان هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعًا في بومبي في الفترة التي سبقت تدميرها.
من السمات المميزة لهذا الأسلوب:
- الجمع بين الأساليب: يجمع بين العناصر المعمارية من الأسلوب الثاني والعناصر الزخرفية من الأسلوب الثالث.
- اللوحات المعقدة: يظهر لوحات كبيرة تصور مشاهد معقدة، ومشاهد أسطورية، ومناظر طبيعية واسعة.
- الإفراط في الزخرفة: استخدام الزخارف المعقدة والتفاصيل الغنية، مع التركيز على الألوان الزاهية.
- عدم التوازن: غالبًا ما يفتقر إلى التوازن والتناغم الموجودين في الأساليب السابقة.
يعكس هذا الأسلوب فترة من الإبداع والابتكار الفني، ولكنه يعكس أيضًا فترة من التدهور في الذوق الفني.
تأثير الأساليب البومبية
كان للأساليب البومبية تأثير كبير على تاريخ الفن. لقد أثرت على الفنانين والمعماريين في العصور اللاحقة، ولا تزال دراستها توفر رؤى قيمة حول الفن الروماني القديم وحياة الناس في ذلك الوقت. ساعدت هذه الأساليب في تحديد اتجاهات الفن الروماني، وأثرت على تقنيات التصوير والرسم. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه الأساليب معلومات حول التغييرات في الذوق والتفضيلات الفنية على مر السنين.
أهمية الحفريات
كانت الحفريات في بومبي وهركولانيوم حاسمة في فهم الأساليب البومبية. سمحت الحفريات للعلماء بدراسة اللوحات الجدارية في سياقها الأصلي، وتحديد التغييرات في الأساليب على مر السنين. توفر هذه اللوحات الجدارية معلومات قيمة حول المجتمع الروماني، بما في ذلك نمط الحياة، والدين، والعلاقات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الحفريات في الحفاظ على هذه الأعمال الفنية القيمة، مما يسمح للأجيال القادمة بالاستمتاع بها.
خاتمة
الأساليب البومبية الأربعة تقدم نظرة فريدة على تطور الفن الروماني القديم. من الأسلوب الهيكلي الذي يحاكي الرخام، إلى الأسلوب المعماري الذي يخلق وهمًا بالعمق، إلى الأسلوب الزخرفي الذي يركز على التفاصيل الدقيقة، وصولًا إلى الأسلوب المختلط الذي يجمع بين العناصر المختلفة. كل أسلوب يعكس فترة زمنية معينة، ويعكس التغييرات في الذوق الفني والمجتمعي. ساعدت الحفريات في بومبي وهركولانيوم في الكشف عن هذه الأساليب، مما يوفر لنا رؤى قيمة حول الفن والحياة في العصر الروماني. تظل الأساليب البومبية موضوعًا للدراسة والتقدير، وتستمر في إلهام الفنانين والباحثين على حد سواء.