التاريخ
يعود تاريخ الاستيطان البشري في بيت لحم إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث كانت عبارة عن قرية كنعانية صغيرة. وقد ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد باسم “بيث لاهاما”. في العهد القديم، كانت بيت لحم مسقط رأس الملك داود، وتعتبر المدينة المقدسة الثانية بعد القدس في الديانة اليهودية.
خلال فترة الحكم الروماني، شهدت بيت لحم ازدهارًا كبيرًا، خاصة بعد ميلاد السيد المسيح فيها. وقد قامت الإمبراطورة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، ببناء كنيسة المهد في القرن الرابع الميلادي، والتي أصبحت مركزًا دينيًا هامًا للمسيحيين.
في القرن السابع الميلادي، فتح المسلمون بيت لحم، وحافظوا على مكانتها الدينية والتاريخية. وقد تعايش المسلمون والمسيحيون في المدينة بسلام لقرون عديدة. خلال فترة الحروب الصليبية، سيطر الصليبيون على بيت لحم لفترة وجيزة، قبل أن يستعيدها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي.
في العصر الحديث، خضعت بيت لحم للحكم العثماني ثم للانتداب البريطاني. بعد حرب 1948، أصبحت المدينة جزءًا من الضفة الغربية التي كانت تحت الإدارة الأردنية. وفي عام 1967، احتلت إسرائيل بيت لحم، وتخضع المدينة حاليًا للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو.
الجغرافيا والمناخ
تقع بيت لحم على سلسلة جبال الضفة الغربية، وترتفع حوالي 765 مترًا فوق سطح البحر. تتميز المدينة بمناخ معتدل، حيث يكون الطقس حارًا وجافًا في الصيف، وباردًا ورطبًا في الشتاء. يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي حوالي 600 ملم.
تحيط ببيت لحم العديد من القرى والبلدات الفلسطينية، مثل بيت ساحور وبيت جالا والدوحة. كما تقع بالقرب من مستوطنات إسرائيلية، مما يؤثر على التوسع العمراني للمدينة وحركة السكان.
السكان
يتكون سكان بيت لحم من خليط من المسيحيين والمسلمين، حيث يشكل المسيحيون حوالي 20% من السكان. يتحدث السكان اللغة العربية الفلسطينية، ويتأثرون بالثقافة والعادات الفلسطينية التقليدية. وقد شهدت المدينة هجرة العديد من المسيحيين في العقود الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
الاقتصاد
يعتمد اقتصاد بيت لحم بشكل كبير على السياحة، حيث تجذب المدينة ملايين السياح والحجاج سنويًا. تعتبر كنيسة المهد والعديد من المواقع الدينية والتاريخية الأخرى من أهم مناطق الجذب السياحي. كما يعتمد الاقتصاد على الصناعات الحرفية، مثل صناعة التحف الخشبية والتطريز والأعمال الفنية.
تواجه بيت لحم تحديات اقتصادية كبيرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي والقيود المفروضة على حركة السكان والبضائع. وقد أثر بناء جدار الفصل العنصري على الاقتصاد المحلي وقطع المدينة عن القدس والمدن الفلسطينية الأخرى.
الأماكن الدينية والتاريخية
- كنيسة المهد: تعتبر من أقدم الكنائس في العالم، وتقع في موقع ميلاد السيد المسيح.
- مغارة الحليب: يعتقد المسيحيون أن مريم العذراء اختبأت فيها أثناء رحلتها إلى مصر.
- برك سليمان: عبارة عن ثلاث برك مائية قديمة يعود تاريخها إلى العصر الروماني.
- دير مار سابا: دير أرثوذكسي يقع في وادي قدرون، ويعتبر من أقدم الأديرة في العالم.
- متحف بيت لحم: يعرض تاريخ وثقافة المدينة.
الثقافة
تتميز بيت لحم بثقافة غنية ومتنوعة، حيث تتأثر بالتقاليد الفلسطينية والعربية، بالإضافة إلى التأثيرات المسيحية. تشتهر المدينة بالموسيقى والفنون والحرف اليدوية. تقام في بيت لحم العديد من المهرجانات والاحتفالات الدينية والثقافية على مدار العام، مثل احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية وعيد الفصح.
تلعب المؤسسات الثقافية دورًا هامًا في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة وتعزيزه. من بين هذه المؤسسات: مركز السلام، ومركز بيت لحم للإعلام، ومركز الفن الشعبي.
التحديات
تواجه بيت لحم العديد من التحديات، بما في ذلك:
- الاحتلال الإسرائيلي: يؤثر الاحتلال على جميع جوانب الحياة في المدينة، بما في ذلك الاقتصاد وحركة السكان والتوسع العمراني.
- جدار الفصل العنصري: يقطع الجدار المدينة عن القدس والمدن الفلسطينية الأخرى، ويعيق التنمية الاقتصادية.
- هجرة المسيحيين: شهدت المدينة هجرة العديد من المسيحيين في العقود الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
- البطالة والفقر: تعاني المدينة من ارتفاع معدلات البطالة والفقر بسبب القيود المفروضة على الاقتصاد.
خاتمة
بيت لحم مدينة ذات تاريخ عريق ومكانة دينية هامة، تواجه تحديات كبيرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي والظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، تظل المدينة رمزًا للأمل والصمود، وتسعى للحفاظ على هويتها الثقافية والدينية وتعزيز السلام والعدالة في المنطقة.