خلفية تاريخية
في أعقاب الثورة الروسية، ضعفت السيطرة الروسية على منطقة القوقاز. استغلت الدولة العثمانية هذا الضعف وبدأت في التحرك لاستعادة المناطق التي كانت تحت سيطرتها في السابق، بما في ذلك أرمينيا الشرقية. كانت الأهداف العثمانية تشمل السيطرة على الممرات المؤدية إلى أذربيجان والوصول إلى حقول النفط في باكو، بالإضافة إلى تحقيق حلم الوحدة التركية عبر ربط تركيا الشرقية بآسيا الوسطى.
في مايو 1918، بدأت القوات العثمانية في شن هجوم واسع النطاق على أرمينيا. كان الأرمن يفتقرون إلى الدعم العسكري الكافي والتدريب والموارد، لكنهم أصروا على الدفاع عن أراضيهم. كان من المتوقع أن يسفر الهجوم العثماني عن إبادة الأرمن، حيث كان الأتراك قد نفذوا بالفعل إبادة جماعية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى.
القوات المتحاربة
القوات العثمانية: كانت القوات العثمانية المشاركة في المعركة تتكون من وحدات نظامية من الجيش العثماني، بالإضافة إلى قوات غير نظامية. كانت هذه القوات مدربة ومجهزة تجهيزًا جيدًا، وكانت مدعومة بالمدفعية والأسلحة الثقيلة. كان قوام القوات العثمانية أكبر بكثير من القوات الأرمنية.
القوات الأرمينية: كانت القوات الأرمينية تتكون من وحدات متطوعة، بما في ذلك وحدات الدفاع الذاتي التي تشكلت من السكان المحليين. على الرغم من افتقارهم إلى التدريب والأسلحة الكافية، أظهر الأرمن شجاعة وبسالة كبيرتين في القتال. كان لديهم أيضًا بعض الدعم من القوات الروسية المتبقية في المنطقة.
مسرح العمليات
وقعت المعركة في منطقة باش أباران، وهي منطقة جبلية في أرمينيا. كان التضاريس الوعرة تمثل تحديًا للطرفين، حيث أعاقت حركة القوات والآليات. ومع ذلك، استخدم الأرمن التضاريس لصالحهم، وحفروا الخنادق وأقاموا التحصينات للدفاع عن مواقعهم.
سير المعركة
بدأت المعركة في 21 مايو 1918، بهجوم عثماني على المواقع الأرمينية. شن العثمانيون هجمات متكررة على المواقع الأرمينية، لكن الأرمن تمكنوا من صد الهجمات، مستغلين التضاريس الصعبة والروح المعنوية العالية. استخدم الأرمن تكتيكات حرب العصابات، وشنوا هجمات مضادة ضد القوات العثمانية.
في الأيام التالية، استمر القتال العنيف. تعرضت القوات الأرمينية لضغوط شديدة، ولكنهم تمكنوا من الصمود. في 25 مايو، شن الأرمن هجومًا مضادًا، مما أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة بالقوات العثمانية. بحلول 29 مايو، تراجعت القوات العثمانية، تاركة وراءها عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى.
أهمية المعركة
كانت معركة باش أباران معركة حاسمة. فقد تمكن الأرمن من صد الهجوم العثماني، ومنعوا الأتراك من تحقيق أهدافهم في أرمينيا. شكلت المعركة نقطة تحول في حملة القوقاز، وأدت إلى تعزيز الروح المعنوية للأرمن. أثبتت المعركة أن الأرمن قادرون على الدفاع عن أراضيهم، وألهمت المقاومة في مناطق أخرى من أرمينيا.
- الانتصار الأرمني: كانت المعركة انتصارًا حاسمًا للأرمن، الذين تمكنوا من صد هجوم الجيش العثماني المتفوق.
- الحفاظ على الاستقلال: ساعد الانتصار في باش أباران في الحفاظ على استقلال أرمينيا الوليدة، ومنع الاستيلاء العثماني عليها.
- إلهام المقاومة: ألهمت المعركة الأرمن في جميع أنحاء المنطقة، وشجعتهم على المقاومة ضد القوات العثمانية.
- نقطة تحول: مثلت المعركة نقطة تحول في حملة القوقاز، حيث غيرت مسار الحرب لصالح الأرمن.
الخسائر
الخسائر الأرمينية: على الرغم من الانتصار، تكبد الأرمن خسائر فادحة في معركة باش أباران. فقد قُتل وجُرح عدد كبير من الجنود الأرمن والمدنيين. ومع ذلك، كان الأرمن مستعدين للتضحية بأرواحهم للدفاع عن أراضيهم.
الخسائر العثمانية: تكبدت القوات العثمانية خسائر فادحة في المعركة. قُتل وجُرح عدد كبير من الجنود العثمانيين، بالإضافة إلى تدمير المعدات والأسلحة. أدى الفشل في باش أباران إلى إضعاف الروح المعنوية للقوات العثمانية.
تأثير المعركة
كان لمعركة باش أباران تأثير كبير على مسار الحرب العالمية الأولى في منطقة القوقاز. فقد ساهمت في:
- إضعاف القوات العثمانية: أدت الخسائر التي تكبدتها القوات العثمانية في باش أباران إلى إضعافها وتقليل قدرتها على شن هجمات أخرى.
- تعزيز الروح المعنوية الأرمنية: عزز الانتصار الأرمني الروح المعنوية للشعب الأرميني، وأعطى الأمل في المستقبل.
- تأخير تقدم القوات العثمانية: أدى الانتصار الأرمني إلى تأخير تقدم القوات العثمانية في أرمينيا، مما سمح للأرمن بتعزيز دفاعاتهم.
- دعم استقلال أرمينيا: ساعد الانتصار في باش أباران في دعم استقلال أرمينيا، ومهد الطريق لإنشاء جمهورية أرمينيا الأولى.
تخليد الذكرى
يُحتفل بمعركة باش أباران في أرمينيا كرمز للبطولة والشجاعة. هناك العديد من النصب التذكارية والنقوش التي تخلد ذكرى المعركة والجنود الأرمن الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم. يعتبر يوم 28 مايو، وهو يوم إعلان جمهورية أرمينيا الأولى، عطلة رسمية في أرمينيا.
النتائج السياسية
أدت معركة باش أباران إلى نتائج سياسية مهمة:
- قيام جمهورية أرمينيا الأولى: ساعد الانتصار في باش أباران على إنشاء جمهورية أرمينيا الأولى في 28 مايو 1918.
- اعتراف المجتمع الدولي: أدى استقلال أرمينيا إلى اعتراف المجتمع الدولي بها كدولة ذات سيادة.
- محاولات السلام: بعد الهزيمة في باش أباران، بدأت الدولة العثمانية في البحث عن طرق للسلام وإنهاء الحرب في القوقاز.
- التوتر الإقليمي: على الرغم من انتصار الأرمن، استمر التوتر في المنطقة، مما أدى إلى صراعات إضافية في المستقبل.
خاتمة
معركة باش أباران كانت معركة حاسمة في تاريخ أرمينيا. لقد أظهر الأرمن شجاعة وبسالة استثنائيتين في الدفاع عن أراضيهم ضد القوات العثمانية المتفوقة. أدى الانتصار الأرمني في باش أباران إلى تعزيز الروح المعنوية للشعب الأرميني، ومنع الأتراك من تحقيق أهدافهم في أرمينيا، ومهد الطريق لإنشاء جمهورية أرمينيا الأولى. لا يزال هذا النصر يُحتفل به في أرمينيا كرمز للبطولة والشجاعة الوطنية.