أصل الكلمة ومعناها
كلمة “القنوت” في اللغة العربية تعني في الأصل “الخشوع” و “الطاعة” و “الاستقامة”. وتأتي بمعنى الدوام على الطاعة والعبادة. وفي الاصطلاح الشرعي، يشير القنوت إلى الدعاء الذي يُدعى به في الصلاة في موضع مخصوص.
القنوت في القرآن والسنة
وردت كلمة “قانتين” في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها قوله تعالى: “وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ” (البقرة: 238)، وقوله تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (الأحزاب: 35). هذه الآيات تدل على فضل القنوت وأهميته في الدين الإسلامي.
أما في السنة النبوية، فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية القنوت في الصلاة، منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه. وفي رواية أخرى، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا.
أنواع القنوت ومواضعه
للقنوت أنواع ومواضع مختلفة في الصلاة، منها:
- القنوت في صلاة الفجر: وهو المشهور عند الشافعية، حيث يرون أن القنوت سنة مؤكدة في الركعة الثانية من صلاة الفجر بعد الرفع من الركوع.
- القنوت في صلاة الوتر: وهو المشهور عند الحنفية، حيث يرون أن القنوت سنة في الركعة الثالثة من صلاة الوتر بعد القراءة وقبل الركوع.
- القنوت في النوازل: وهو القنوت الذي يكون عند نزول مصيبة بالمسلمين، كالحرب أو القحط أو الوباء. يجوز القنوت في هذه الحالة في جميع الصلوات المفروضة، ويدعو الإمام للمسلمين بالنجاة والعافية.
صيغة القنوت
لا توجد صيغة محددة للقنوت، بل يجوز للمصلي أن يدعو بما شاء من الدعاء، ولكن وردت بعض الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، منها:
- دعاء القنوت المشهور: “اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت”.
- دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق”.
يجوز للمصلي أن يزيد على هذه الأدعية ما شاء من الدعاء، وأن يدعو لنفسه ولوالديه وأهله وللمسلمين أجمعين.
فضل القنوت وأهميته
للقنوت فضل عظيم وأهمية كبيرة في الإسلام، فهو:
- عبادة عظيمة: القنوت عبادة من أجلّ العبادات، وقربة من أعظم القربات إلى الله تعالى.
- وسيلة للدعاء والتضرع: القنوت فرصة للدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وسؤاله الحاجات وقضاء الديون وتفريج الكربات.
- سبب لنزول الرحمة: القنوت سبب لنزول الرحمة من الله تعالى، واستجابة الدعاء، وتفريج الهموم والغموم.
- علامة على الإيمان: القنوت علامة على الإيمان بالله تعالى، والخشوع له، والتوكل عليه، والاعتراف بفضله ونعمته.
- تطهير للقلب: القنوت يطهر القلب من الذنوب والآثام، ويقوي الصلة بالله تعالى، ويزيد الإيمان واليقين.
- حصن للمسلم: القنوت حصن للمسلم من الشرور والفتن، وسبب لحفظه ورعايته في الدنيا والآخرة.
أحكام القنوت
يستحب للمصلي أن يرفع يديه عند الدعاء في القنوت، وأن يمسح بهما وجهه بعد الانتهاء من الدعاء. ويستحب أن يكون الصوت بالدعاء خاشعًا متضرعًا، وأن يكون القلب حاضرًا متوجهًا إلى الله تعالى.
إذا كان المصلي يصلي خلف الإمام، فإنه يؤمن على دعاء الإمام، ولا يرفع صوته بالدعاء. وإذا كان المصلي يصلي منفردًا، فإنه يدعو بصوت يسمعه هو فقط.
يجوز القنوت باللغة العربية أو بأي لغة أخرى يفهمها المصلي، ولكن الأفضل أن يكون القنوت باللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية.
إذا نسي المصلي القنوت في صلاة الفجر أو الوتر، فإنه يسجد للسهو. وإذا تذكر المصلي القنوت بعد الركوع، فإنه يعود إلى القيام ويقنت، ثم يركع ويسجد للسهو.
القنوت في المذاهب الأربعة
تختلف المذاهب الأربعة في حكم القنوت وموضعه، فذهب الشافعية إلى أن القنوت سنة مؤكدة في صلاة الفجر بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وذهب الحنفية إلى أن القنوت سنة في صلاة الوتر بعد القراءة وقبل الركوع في الركعة الثالثة. وذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا يشرع القنوت في صلاة الفجر ولا في صلاة الوتر إلا عند نزول نازلة بالمسلمين.
خاتمة
القنوت هو دعاء عظيم وفضيلة جليلة، وهو سنة مؤكدة في بعض الصلوات، وله فضل عظيم في التقرب إلى الله تعالى والتضرع إليه. ينبغي للمسلم أن يحرص على القنوت في صلاته، وأن يدعو الله تعالى بما شاء من الدعاء، وأن يسأله الحاجات وقضاء الديون وتفريج الكربات. فالدعاء هو سلاح المؤمن، وبه يستجلب رحمة الله تعالى وعونه وتوفيقه.