خلفية تاريخية
شهد الاتحاد السوفيتي، خاصة في عهد ستالين، تدخلًا كبيرًا من قبل الدولة في المجال الثقافي. تم فرض قيود صارمة على التعبير الفني، مع تفضيل الواقعية الاشتراكية، وهي أسلوب فني يهدف إلى تمجيد الاشتراكية وتقديم صورة إيجابية عن الحياة السوفيتية. أي انحراف عن هذه القاعدة، بما في ذلك التجريبية في الموسيقى، كان يُنظر إليه بعين الريبة وغالبًا ما يتم قمعه. كان الحزب الشيوعي السوفيتي يعتبر الموسيقى أداة أيديولوجية، واستخدمها للتأثير على الرأي العام وتعزيز قيمه.
بعد وفاة ستالين في عام 1953، شهد الاتحاد السوفيتي فترة من “إزالة الستالينية”، والتي شهدت بعض التحرير في المجال الثقافي. ومع ذلك، احتفظت الدولة بسيطرتها على الفنون، وظلت القيود قائمة، خاصة فيما يتعلق بالأعمال التي اعتبرت “غير لائقة” أو “رسمية”. خلال فترة السبعينيات، استمرت الصراعات بين الدولة والفنانين، ولا سيما في مجال الموسيقى.
المشاركون الرئيسيون
السبعة الذين تم انتقادهم في عام 1979 هم: أندري إيشباي (Андрей Эшпай)، إدوارد لازاريف (Эдуард Лазарев)، أليكسي نيكولاييف (Алексей Николаев)، فلاديسلاف كازينين (Владислав Казенин)، فيكتور كوكولين (Виктор Куценко)، فياتشيسلاف أوفكين (Вячеслав Овчинников)، وفاليري غافريلين (Валерий Гаврилин). كان هؤلاء الملحنون يمثلون تيارات موسيقية مختلفة، ولكنهم جميعًا كانوا متهمين بـ”الفورمالية” و”التحريف”، وهي مصطلحات تستخدمها السلطات لوصف الموسيقى التي اعتبروها معقدة للغاية، أو غير مفهومة لعامة الناس، أو التي لا تتوافق مع المبادئ الأيديولوجية السوفيتية.
تهم وادعاءات
تم توجيه اتهامات إلى الملحنين السبعة بأنهم يمارسون “الفورمالية”، وهي كلمة ازدراء في العالم السوفيتي للفنون. كان يُعتقد أن أعمالهم تركز على الشكل الموسيقي على حساب المحتوى، وأنهم يعطون الأولوية للتجريب على حساب الوصول إلى الجمهور. اتُهموا أيضًا بأنهم يتبعون “الأساليب الغربية”، مما يشير إلى أنهم تأثروا بالموسيقى الغربية التي لم تكن تحظى بشعبية في الاتحاد السوفيتي. تم اعتبار هذه الأعمال على أنها معادية للشعب، وتعبر عن أفكار غريبة عن الأيديولوجية السوفيتية.
علاوة على ذلك، اتُهم الملحنون السبعة بـ”التحريف”. اتُهموا بعدم فهم احتياجات الشعب، وأنهم يكتبون موسيقى معقدة وغير مفهومة للأذن العادية. تم اعتبار هذا النوع من الموسيقى نخبوياً، وأنه يعزل الفنانين عن الجماهير. واتهمت أعمالهم بأنها لا تعكس الروح الاشتراكية ولا تساهم في بناء مجتمع شيوعي.
عواقب ونتائج
كان لانتقاد السبعة الكرينكوفية عواقب وخيمة على حياتهم المهنية وشخصيتهم. تعرضوا للنقد العام في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، كما تم حظر بعض أعمالهم أو تقليل عرضها. عانى بعض الملحنين من صعوبات في الحصول على وظائف أو في نشر موسيقاهم. تعرضوا لعزلة اجتماعية، وخسروا الدعم من زملائهم الفنانين. كان هذا الحدث بمثابة تحذير لجميع الملحنين الآخرين، وأظهر قوة الدولة في السيطرة على الفن.
على الرغم من أن بعض الملحنين تراجعوا علنًا عن أعمالهم، أو تبنوا أسلوبًا أكثر توافقًا مع مطالب الدولة، إلا أن آخرين تمسكوا بموقفهم. استمر بعضهم في الكتابة والتدريس، على الرغم من القيود التي واجهوها. على المدى الطويل، أظهرت قضية السبعة الكرينكوفية الطبيعة المعقدة للعلاقة بين الفن والسلطة السياسية في الاتحاد السوفيتي، وأبرزت تحديات الفنانين الذين سعوا للحفاظ على استقلالهم الفني في ظل نظام استبدادي.
الأهمية التاريخية
يمثل حدث السبعة الكرينكوفية لحظة حاسمة في تاريخ الموسيقى السوفيتية. إنه مثال على كيفية استخدام الدولة للسيطرة على الفن، وكيف يمكن أن يكون للسياسة تأثير كبير على التعبير الإبداعي. يمثل هذا الحدث أيضًا صراعًا بين الفنانين الذين سعوا إلى الحفاظ على استقلالهم الفني، والدولة التي أرادت استخدام الفن لأغراض أيديولوجية. بالإضافة إلى ذلك، يظهر هذا الحدث التوتر بين التقاليد الموسيقية الروسية، والتأثيرات الغربية التي بدأت في الانتشار في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
علاوة على ذلك، يوضح هذا الحدث كيف يمكن أن يؤدي الخوف من الرقابة السياسية إلى الرقابة الذاتية، حيث يختار الفنانون عدم كتابة أعمال قد تعتبر غير لائقة أو غير سياسية. هذا يؤدي إلى تقييد التنوع الإبداعي، ويحد من قدرة الفنانين على استكشاف أفكار جديدة وتعبيرات فنية جديدة. من خلال دراسة حالة السبعة الكرينكوفية، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول تعقيدات الحياة الفنية في الاتحاد السوفيتي، والعلاقة بين الفن والمجتمع في ظل الأنظمة الاستبدادية.
الأثر على الملحنين أنفسهم
لقد كان لانتقاد السبعة الكرينكوفية تأثير عميق على الملحنين أنفسهم. واجه العديد منهم صعوبات في حياتهم المهنية، وتأثرت سمعتهم بشكل كبير. اضطر بعضهم إلى تغيير أسلوبهم الموسيقي لتلبية متطلبات الدولة، في حين اختار آخرون مواصلة الكتابة بأسلوبهم الخاص، على الرغم من العواقب. عانى العديد من الملحنين من الاكتئاب واليأس نتيجة للضغوط التي تعرضوا لها. لقد أثر هذا الحدث على أعمالهم الفنية، حيث بدأت بعض أعمالهم تتناول قضايا سياسية واجتماعية. على الرغم من هذه الصعوبات، استمر الملحنون السبعة في المساهمة في عالم الموسيقى، وتركت أعمالهم إرثًا دائمًا.
الخلافات المستمرة
لا تزال قضية السبعة الكرينكوفية تثير الجدل والنقاش. يرى البعض أن الملحنين السبعة كانوا ضحايا للرقابة السياسية، وأن أعمالهم لم يتم تقييمها بشكل عادل. يعتقد آخرون أن الملحنين كانوا يكتبون موسيقى غير متوافقة مع التقاليد الموسيقية الروسية، وأن انتقادهم كان مبررًا. لا تزال هناك أسئلة حول دور تيخون خيرينيكوف نفسه في هذه القضية، وما إذا كان قد تصرف بدافع الإيمان الأيديولوجي أو بسبب دوافع شخصية. هذا الجدل يعكس الطبيعة المعقدة للتاريخ السوفيتي، والعلاقات الصعبة بين الفن والسياسة.
الميراث
على الرغم من العواقب السلبية التي تعرض لها الملحنون السبعة، فقد تركوا إرثًا دائمًا في عالم الموسيقى. فقد أنتجوا أعمالًا فنية متنوعة ومثيرة للاهتمام، والتي لا تزال تُعزف وتُدرس حتى اليوم. أدت قضيتهم إلى زيادة الوعي بأهمية حرية التعبير، وألهمت الفنانين في جميع أنحاء العالم لمقاومة الرقابة السياسية. أظهرت قضيتهم أيضًا أهمية الحفاظ على التقاليد الموسيقية الروسية، وأهمية استكشاف أساليب موسيقية جديدة. تعتبر أعمالهم شهادة على قوة الإبداع الإنساني، وقدرة الفن على البقاء في وجه الصعاب.
خاتمة
كانت قضية السبعة الكرينكوفية بمثابة منعطف في تاريخ الموسيقى السوفيتية، حيث سلطت الضوء على العلاقة المعقدة بين الفن والسلطة في ظل النظام السوفيتي. لقد أظهرت كيف يمكن أن تؤثر السياسة على الإبداع الفني، وكيف يمكن أن تؤدي الرقابة إلى قمع الأصوات الفنية المختلفة. على الرغم من العقبات التي واجهوها، ترك الملحنون السبعة إرثًا دائمًا، وأعمالهم بمثابة شهادة على قوة الإبداع الإنساني وقدرة الفن على البقاء. تذكرنا قضية السبعة الكرينكوفية بأهمية حرية التعبير، وحماية الفن من التدخل السياسي.
المراجع
- Soviet Composers and the Congresses of the Composers’ Union
- The Oxford Handbook of Soviet Music
- Soviet music – Britannica
- The Khrennikov Seven – The 1979 Meeting of the Composers’ Union
“`