<![CDATA[
نشأة الديانة البهائية
تعود جذور الديانة البهائية إلى الحركة البابية التي ظهرت في إيران في منتصف القرن التاسع عشر. أسس هذه الحركة السيد علي محمد الشيرازي، الذي لقب نفسه بـ “الباب”، أي البوابة، معلنًا أنه مبشر بقدوم مظهر إلهي جديد. لاقت الحركة البابية انتشارًا واسعًا في إيران، ولكنها قوبلت بمعارضة شديدة من قبل السلطات الدينية والسياسية، مما أدى إلى اضطهاد أتباعها وإعدام الباب نفسه في عام 1850.
بعد وفاة الباب، ظهر العديد من المدعين لخلافته، ولكن غالبية البابيين اعتبروا ميرزا حسين علي النوري، المعروف بـ “بهاء الله”، هو الخليفة الحقيقي للباب. أعلن بهاء الله في عام 1863 أنه هو المظهر الإلهي الذي بشر به الباب، وبذلك تأسست الديانة البهائية بشكل رسمي. تعرض بهاء الله للنفي والسجن طوال حياته، وقضى معظمها في الإمبراطورية العثمانية، حيث توفي في عكا عام 1892.
التعاليم الأساسية للديانة البهائية
تستند الديانة البهائية إلى مجموعة من التعاليم الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الوحدة والسلام في العالم. من أهم هذه التعاليم:
- وحدة الله: تؤمن الديانة البهائية بأن الله واحد أحد، وهو خالق الكون ومدبره. ترفض الديانة البهائية فكرة التجسيد والتثليث، وتؤكد على أن الله متعال عن إدراك البشر.
- وحدة الأديان: تعتبر الديانة البهائية أن جميع الأديان الكبرى في العالم هي تعبيرات مختلفة عن حقيقة إلهية واحدة. تؤمن الديانة البهائية بأن الله أرسل سلسلة من المظاهر الإلهية على مر التاريخ، مثل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وبوذا وكريشنا، وأن كل مظهر إلهي جاء برسالة مناسبة لعصره.
- وحدة الجنس البشري: تؤكد الديانة البهائية على أن البشرية جمعاء هي أسرة واحدة، وأن جميع الناس متساوون بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية. تدعو الديانة البهائية إلى القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز، وإلى تحقيق العدالة والمساواة بين جميع الناس.
- البحث المستقل عن الحقيقة: تشجع الديانة البهائية أتباعها على البحث المستقل عن الحقيقة، وعدم الاعتماد على التقليد الأعمى أو الخرافات. تؤمن الديانة البهائية بأن العقل والعلم هما أدوات أساسية لفهم العالم واكتشاف الحقائق.
- المساواة بين الرجل والمرأة: تعتبر الديانة البهائية أن الرجل والمرأة متساويان في الحقوق والواجبات، وأن لكل منهما دورًا هامًا في بناء المجتمع. تدعو الديانة البهائية إلى تمكين المرأة ومنحها الفرص المتساوية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.
- السلام العالمي: تعتبر الديانة البهائية أن السلام العالمي هو الهدف الأسمى للبشرية، وأنه يمكن تحقيقه من خلال الوحدة والتعاون والتفاهم المتبادل. تدعو الديانة البهائية إلى إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على العدل والمساواة والتعاون، وإلى حل النزاعات بالطرق السلمية.
- التعليم العام الإلزامي: تؤكد الديانة البهائية على أهمية التعليم للجميع، وتدعو إلى توفير التعليم العام الإلزامي لجميع الأطفال، بغض النظر عن جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية. تؤمن الديانة البهائية بأن التعليم هو أساس التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وأنه يساعد على تنمية العقول وتوسيع الآفاق.
- التوافق بين العلم والدين: تعتبر الديانة البهائية أن العلم والدين متكاملان، وأن لا تعارض بينهما. تؤمن الديانة البهائية بأن العلم يكشف عن قوانين الطبيعة، وأن الدين يكشف عن الحقائق الروحية والأخلاقية.
الممارسات الدينية في الديانة البهائية
تتضمن الممارسات الدينية في الديانة البهائية مجموعة من الواجبات والطقوس التي يلتزم بها الأفراد والمجتمعات البهائية. من أهم هذه الممارسات:
- الصلاة: يجب على البهائيين أن يصلوا يوميًا ثلاث صلوات إلزامية، يختارون من بين ثلاث صلوات محددة.
- الصوم: يصوم البهائيون لمدة تسعة عشر يومًا في شهر مارس من كل عام، ويمتنعون عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها.
- الاحتفال بالأعياد: يحتفل البهائيون بمجموعة من الأعياد الدينية التي تحيي ذكرى أحداث هامة في تاريخ الديانة البهائية.
- المساهمة في صندوق الحقوق: يساهم البهائيون طوعًا بجزء من دخلهم في صندوق الحقوق، الذي يستخدم لتمويل المشاريع الاجتماعية والإنسانية.
- زيارة الأضرحة المقدسة: يحرص البهائيون على زيارة الأضرحة المقدسة في حيفا وعكا في فلسطين، حيث يقع ضريح الباب وضريح بهاء الله.
- خدمة المجتمع: يعتبر خدمة المجتمع جزءًا أساسيًا من الحياة البهائية، ويشجع البهائيون على المشاركة في المشاريع الاجتماعية والإنسانية التي تهدف إلى تحسين حياة الآخرين.
المؤسسات البهائية
تتمتع الديانة البهائية بنظام إداري فريد من نوعه، يقوم على مبدأ الشورى والديمقراطية. تتكون المؤسسات البهائية من مجموعة من المجالس المنتخبة التي تتولى إدارة شؤون الديانة البهائية على المستويات المحلية والوطنية والدولية. من أهم هذه المؤسسات:
- المحافل الروحانية المحلية: تنتخب المحافل الروحانية المحلية سنويًا في كل مدينة أو قرية بها تجمع بهائي، وتتولى إدارة شؤون المجتمع البهائي المحلي.
- المحافل الروحانية الوطنية: تنتخب المحافل الروحانية الوطنية سنويًا في كل دولة بها عدد كبير من البهائيين، وتتولى إدارة شؤون المجتمع البهائي الوطني.
- بيت العدل الأعظم: ينتخب بيت العدل الأعظم كل خمس سنوات من قبل مندوبي المحافل الروحانية الوطنية في جميع أنحاء العالم، وهو أعلى هيئة إدارية في الديانة البهائية، ويتولى إدارة شؤون المجتمع البهائي العالمي. يقع مقر بيت العدل الأعظم في حيفا في فلسطين.
الانتشار الجغرافي للديانة البهائية
تنتشر الديانة البهائية في أكثر من 200 دولة وإقليم حول العالم، ولها أتباع من مختلف الخلفيات العرقية والدينية والثقافية. تعتبر الديانة البهائية من أسرع الديانات نموًا في العالم، ويعود ذلك إلى تعاليمها الشاملة والجاذبة، وإلى نظامها الإداري الفعال، وإلى التزام أتباعها بخدمة المجتمع.
توجد أكبر التجمعات البهائية في العالم في الهند وإيران والولايات المتحدة والبرازيل وكينيا. يوجد أيضًا عدد كبير من البهائيين في دول أخرى في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
تحديات تواجه الديانة البهائية
على الرغم من انتشارها الواسع ونموها السريع، تواجه الديانة البهائية العديد من التحديات، خاصة في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة، حيث تتعرض للاضطهاد والتمييز. في إيران، على سبيل المثال، يعتبر البهائيون أقلية دينية غير معترف بها، ويتعرضون للاعتقال والتعذيب والمصادرة والمنع من التعليم والعمل.
تواجه الديانة البهائية أيضًا تحديات أخرى، مثل التحديات المتعلقة بالحفاظ على الوحدة والتنوع في مجتمعها العالمي، والتحديات المتعلقة بالتكيف مع التغيرات الاجتماعية والثقافية في العالم الحديث.
مساهمات الديانة البهائية في المجتمع
تساهم الديانة البهائية في المجتمع من خلال مجموعة متنوعة من المشاريع الاجتماعية والإنسانية، التي تهدف إلى تحسين حياة الآخرين وتعزيز السلام والعدالة. من بين هذه المشاريع:
- المشاريع التعليمية: تقوم الديانة البهائية بإنشاء المدارس والجامعات والمراكز التعليمية في مختلف أنحاء العالم، بهدف توفير التعليم الجيد للجميع.
- المشاريع الصحية: تقوم الديانة البهائية بإنشاء المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية في مختلف أنحاء العالم، بهدف توفير الرعاية الصحية للجميع.
- المشاريع الاقتصادية: تقوم الديانة البهائية بدعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء العالم، بهدف توفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.
- المشاريع البيئية: تقوم الديانة البهائية بدعم المشاريع البيئية التي تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
- مشاريع بناء السلام: تعمل الديانة البهائية على تعزيز السلام والتفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات والأديان، من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل.
خاتمة
الديانة البهائية هي ديانة عالمية تدعو إلى الوحدة والسلام والعدالة. تؤمن الديانة البهائية بأن البشرية جمعاء هي أسرة واحدة، وأن جميع الناس متساوون بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية. تسعى الديانة البهائية إلى تحقيق السلام العالمي من خلال الوحدة والتعاون والتفاهم المتبادل، وتساهم في المجتمع من خلال مجموعة متنوعة من المشاريع الاجتماعية والإنسانية.