خلفية تاريخية
شهدت الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر فترة من التدهور والاضطرابات، وعانت الأقليات المسيحية، ومن بينها الأرمن، من التمييز والقمع. في هذا السياق، ظهرت حركات وطنية في جميع أنحاء أوروبا بهدف تحقيق الاستقلال أو الحكم الذاتي. تأثر الأرمن بهذه الحركات، وشعروا بالحاجة إلى تنظيم أنفسهم للدفاع عن حقوقهم.
كان غارابيد هاكوبيان وميكيرتيتش بورتوكيان من بين القادة الأرمن الذين أدركوا أهمية إنشاء جمعية وطنية تعمل على تحقيق أهداف الأرمن. أسس هاكوبيان وبورتوكيان الجمعية في عام 1885، وبدأوا في تنظيم جهودهم لتحقيق أهدافهم.
أهداف الجمعية
حددت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا عدة أهداف رئيسية:
- تعزيز الوعي الوطني والثقافة الأرمنية: سعت الجمعية إلى الحفاظ على اللغة الأرمنية وتعزيزها، ونشر التاريخ والأدب الأرمني، ودعم الفنون والثقافة الأرمنية.
- الدفاع عن حقوق الأرمن: عملت الجمعية على إعلام العالم بالظلم الذي يتعرض له الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، والمطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية.
- تحسين أوضاع الأرمن المعيشية والسياسية: سعت الجمعية إلى تقديم المساعدة للأرمن المحتاجين، والعمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، والمطالبة بتمثيلهم في الهيئات الحكومية.
- تنسيق الجهود مع الجمعيات الأرمنية الأخرى: عملت الجمعية على التواصل مع الجمعيات الأرمنية الأخرى في جميع أنحاء العالم، وتنسيق جهودها لتحقيق الأهداف المشتركة.
أنشطة الجمعية
قامت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا بمجموعة متنوعة من الأنشطة لتحقيق أهدافها:
- إصدار المنشورات: أصدرت الجمعية العديد من الصحف والمجلات والكتب باللغتين الأرمنية والفرنسية، لنشر الوعي الوطني والثقافة الأرمنية، وإعلام العالم بالظلم الذي يتعرض له الأرمن.
- تنظيم الفعاليات: نظمت الجمعية العديد من المؤتمرات والمهرجانات والمعارض، لعرض الثقافة الأرمنية، وجمع التبرعات لدعم الأرمن المحتاجين.
- إرسال الوفود: أرسلت الجمعية الوفود إلى الحكومات والمنظمات الدولية، للمطالبة بحقوق الأرمن، وإعلامهم بالوضع في الإمبراطورية العثمانية.
- دعم التعليم: قدمت الجمعية الدعم المالي للطلاب الأرمن، وأنشأت المدارس والمراكز الثقافية، لتعليم اللغة والتاريخ والثقافة الأرمنية.
- المساعدات الإنسانية: قدمت الجمعية المساعدات الإنسانية للأرمن المتضررين من المجاعات والكوارث الطبيعية، وكذلك للأرمن الذين تعرضوا للاضطهاد في الإمبراطورية العثمانية.
تأثير الجمعية
تركت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا تأثيرًا كبيرًا على الحركة الوطنية الأرمنية. ساهمت الجمعية في:
- رفع مستوى الوعي الوطني: ساعدت الجمعية في رفع مستوى الوعي الوطني بين الأرمن، وتعزيز هويتهم الثقافية.
- تنسيق الجهود الوطنية: ساهمت الجمعية في تنسيق الجهود بين الجمعيات الأرمنية المختلفة، وتعزيز الوحدة الوطنية.
- الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية: مارست الجمعية ضغوطًا على الحكومات والمنظمات الدولية، للدفاع عن حقوق الأرمن.
- دعم التعليم والثقافة: قدمت الجمعية دعمًا كبيرًا للتعليم والثقافة الأرمنية، مما ساهم في الحفاظ على الهوية الأرمنية.
العلاقة مع الحركات الوطنية الأخرى
تفاعلت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا مع الحركات الوطنية الأخرى في أوروبا، وتعاونت معها في بعض الأحيان. على سبيل المثال، تعاونت الجمعية مع بعض الحركات الوطنية في البلقان، التي كانت تسعى للاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية. كان هذا التعاون قائمًا على المصالح المشتركة في مواجهة القمع العثماني. ومع ذلك، اختلفت الجمعية مع بعض الحركات الأخرى حول قضايا مثل الحدود والسيادة.
كانت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا جزءًا من سياق أوسع من الحركات الوطنية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. هذه الحركات سعت إلى تحقيق الاستقلال أو الحكم الذاتي، وألهمت الأرمن للعمل من أجل حقوقهم وتقرير المصير.
التحديات والمواجهة
واجهت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا العديد من التحديات. واجهت الجمعية معارضة من السلطات العثمانية، التي كانت تعتبرها تهديدًا لوحدة الإمبراطورية. تعرض أعضاء الجمعية للاضطهاد والاعتقال. بالإضافة إلى ذلك، واجهت الجمعية صعوبات في جمع التبرعات وتنظيم الأنشطة بسبب القيود المفروضة عليها.
رغم هذه التحديات، استمرت الجمعية في عملها. استخدمت الجمعية مجموعة متنوعة من الأساليب لمواجهة التحديات. أصدرت الجمعية بيانات صحفية وبيانات عامة لإعلام العالم بوضع الأرمن. كما استخدمت الجمعية الدبلوماسية والاتصالات مع الحكومات والمنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الأرمن. حافظت الجمعية على التزامها بأهدافها، وظلت صوتًا مهمًا للأرمن في أوروبا.
التطورات اللاحقة
تطورت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا على مر السنين، وتكيفت مع التغيرات السياسية والاجتماعية. بعد الإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915، ركزت الجمعية على تقديم الدعم للمهاجرين الأرمن، والمطالبة بالعدالة لضحايا الإبادة الجماعية. حافظت الجمعية على نشاطها حتى منتصف القرن العشرين، وساهمت في الحفاظ على الذاكرة الأرمنية وتعزيزها.
بعد الحرب العالمية الثانية، انتقل العديد من الأرمن إلى دول أخرى، مما أدى إلى تغيير في تركيبة الجمعية. استمرت الجمعية في لعب دور في دعم الجالية الأرمنية في أوروبا، والمساهمة في الحفاظ على الثقافة والتقاليد الأرمنية. اليوم، لا تزال الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا تعمل كمنظمة مهمة للجالية الأرمنية، وتواصل دعم القضايا الوطنية والثقافية.
التراث والإرث
تركت الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا إرثًا هامًا في تاريخ الأرمن. ساهمت الجمعية في:
- الحفاظ على الهوية الأرمنية: ساعدت الجمعية في الحفاظ على اللغة والثقافة والتاريخ الأرمني.
- تعزيز الوعي الوطني: ساهمت الجمعية في رفع مستوى الوعي الوطني بين الأرمن، وتشجيعهم على الدفاع عن حقوقهم.
- الدفاع عن حقوق الأرمن: عملت الجمعية على إعلام العالم بالظلم الذي يتعرض له الأرمن، والمطالبة بحقوقهم.
- تقديم الدعم للمحتاجين: قدمت الجمعية المساعدات الإنسانية للأرمن المتضررين.
لا تزال الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا تُذكر كمنظمة تاريخية مهمة في تاريخ الحركة الوطنية الأرمنية. ألهمت الجمعية الأجيال المتعاقبة من الأرمن للعمل من أجل العدالة والحرية، والحفاظ على هويتهم الثقافية.
خاتمة
الجمعية الأرمنية الوطنية في أوروبا كانت منظمة حيوية في تاريخ الأرمن، تأسست في فترة حرجة من التاريخ الأرمني، وسعت إلى تعزيز الوعي الوطني، والدفاع عن حقوق الأرمن، وتحسين أوضاعهم. من خلال أنشطتها المتنوعة وجهودها الدؤوبة، تركت الجمعية بصمة واضحة في تاريخ الحركة الوطنية الأرمنية، وألهمت الأجيال اللاحقة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم. لا يزال إرث الجمعية حيًا حتى اليوم، ويذكرنا بأهمية الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات.
المراجع
- المعهد الوطني الأرمني (National Armenian Institute)
- اللجنة الوطنية الأرمنية لأمريكا (Armenian National Committee of America)
- فيديو عن تاريخ الجمعية (مثال)
- صفحة الجمعية في ويكي بيانات (مثال)
“`