خلفية تاريخية
شهدت الفترة التي سبقت عام 1856 توترات متزايدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. أثار قانون كانساس-نبراسكا لعام 1854، الذي سمح لسكان الأقاليم بتحديد مسألة العبودية من خلال “السيادة الشعبية”، أعمال عنف واضطرابات في كانساس، مما أدى إلى ما أصبح يعرف باسم “كانساس النزيف”. أدت هذه الأحداث إلى تفاقم الانقسامات الإقليمية داخل الحزبين السياسيين الرئيسيين، الديمقراطيين والويغيين. انهار حزب الويغ في نهاية المطاف، مما أفسح المجال لحزب جديد، وهو الحزب الجمهوري المناهض للعبودية.
كانت الأجواء العامة في البلاد متوترة، حيث كان هناك قلق متزايد بشأن مستقبل الاتحاد. كان الديمقراطيون، الذين كانوا الحزب السياسي المهيمن في ذلك الوقت، منقسمين حول قضية العبودية. أراد بعض الديمقراطيين الشماليين التمسك بالسيادة الشعبية، بينما أيد الديمقراطيون الجنوبيون حماية العبودية في الأقاليم. أدى هذا الانقسام إلى صراع داخلي على السلطة داخل الحزب، وكان من المتوقع أن يظهر ذلك في المؤتمر الوطني لعام 1856.
المندوبون والقضايا الرئيسية
حضر المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 مندوبون من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الولايات الجنوبية والولايات الشمالية. كان هؤلاء المندوبون يمثلون مجموعة متنوعة من الآراء حول قضية العبودية. كان هناك ديمقراطيون مؤيدون للعبودية، وديمقراطيون معادون للعبودية، وديمقراطيون حاولوا إيجاد حل وسط.
كانت القضايا الرئيسية التي نوقشت في المؤتمر هي قضية العبودية والتوسع الإقليمي. كان المندوبون يناقشون ما إذا كان ينبغي السماح بالعبودية في الأقاليم الجديدة، وكيفية الحفاظ على وحدة الحزب في مواجهة الانقسامات الإقليمية. كان هناك أيضًا نقاش حول المرشح الرئاسي الذي يمكنه توحيد الحزب والفوز في الانتخابات.
مرشحو الرئاسة
كان هناك عدد قليل من المرشحين الرئيسيين في المؤتمر. كان أبرزهم:
- فرانكلين بيرس: الرئيس الحالي، كان يرغب في إعادة الترشح، لكنه كان غير شعبي بسبب سياسته المؤيدة للجنوب.
- ستيفن دوغلاس: سيناتور من إلينوي، كان مؤيدًا للسيادة الشعبية. كان يتمتع بشعبية كبيرة في الشمال، لكنه كان يفتقر إلى الدعم في الجنوب.
- جيمس بيوكانان: وزير الخارجية السابق، كان يتمتع بشعبية كبيرة في الجنوب وكان مقبولًا في الشمال. كان يُنظر إليه على أنه مرشح توفيقي يمكنه توحيد الحزب.
بالإضافة إلى هؤلاء المرشحين الرئيسيين، كان هناك أيضًا عدد من المرشحين الآخرين الذين حصلوا على بعض الدعم، بما في ذلك ويليام أ. روفوس، حاكم ولاية فرجينيا، و لويس كاس، سيناتور من ميشيغان.
عملية الترشيح
بدأت عملية الترشيح بالتصويت على القواعد. بعد ذلك، بدأ المندوبون بالتصويت على المرشحين. لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات في الجولات القليلة الأولى. كان جيمس بيوكانان وستيفن دوغلاس هما المرشحان الرئيسيان، حيث تبادلا الأصوات في كل جولة. كان واضحًا أن المرشح الذي يمكنه الحصول على دعم معظم الجنوب سيفوز بالترشيح.
بعد عدة جولات من التصويت، بدأ الدعم يتجه نحو جيمس بيوكانان. كان يُنظر إليه على أنه مرشح توفيقي يمكنه توحيد الحزب والحفاظ على الاتحاد. في الجولة السابعة عشرة من التصويت، فاز بيوكانان بأغلبية الأصوات، وحصل على ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس.
اختيار نائب الرئيس
بعد اختيار بيوكانان كمرشح للرئاسة، كان على المؤتمر اختيار مرشح لمنصب نائب الرئيس. تم اختيار جون بريكينريدج من ولاية كنتاكي كمرشح لمنصب نائب الرئيس. كان بريكينريدج شابًا نسبيًا، لكنه كان يتمتع بشعبية كبيرة في الجنوب. كان اختياره بمثابة محاولة لتوحيد الحزب وجذب الناخبين الجنوبيين.
برنامج الحزب الديمقراطي
أقر المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 برنامجًا للحزب. تضمن البرنامج ما يلي:
- دعم السيادة الشعبية في الأقاليم.
- معارضة التدخل الفيدرالي في مسألة العبودية.
- دعم التوسع الإقليمي.
- دعم حقوق الولايات.
كان البرنامج يهدف إلى إرضاء جميع أجنحة الحزب، مع التركيز على الوحدة والحلول الوسطية. ومع ذلك، لم يكن البرنامج قادرًا على معالجة القضايا الأساسية التي قسمت الحزب والأمة.
حملة الانتخابات العامة
واجه جيمس بيوكانان وجون بريكينريدج تحديًا كبيرًا في الانتخابات العامة لعام 1856. كان منافسهم الرئيسي هو جون سي. فريمونت، مرشح الحزب الجمهوري. كان الحزب الجمهوري الجديد، المناهض للعبودية، يكتسب زخمًا في الشمال. كان فريمونت شخصية شعبية، وكان لديه دعم قوي من الناخبين المناهضين للعبودية.
ركزت حملة بيوكانان على الوحدة والحلول الوسطية. حاول أن يقدم نفسه كمرشح يمكنه الحفاظ على الاتحاد. ومع ذلك، فقد تعرض لانتقادات من قبل الجمهوريين بسبب موقفه المؤيد للجنوب. ركزت حملة فريمونت على مسألة العبودية. تعهد فريمونت بمنع انتشار العبودية في الأقاليم.
أُجريت الانتخابات العامة في نوفمبر 1856. فاز بيوكانان بالانتخابات، وحصل على 174 صوتًا انتخابيًا مقابل 114 صوتًا انتخابيًا لفريمونت. كان فوز بيوكانان يرجع في الغالب إلى الدعم الذي تلقاه من الولايات الجنوبية. ومع ذلك، فقد أظهرت الانتخابات قوة الحزب الجمهوري المتنامية، حيث فاز فريمونت في العديد من الولايات الشمالية.
أهمية المؤتمر
كان المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 حدثًا مهمًا في التاريخ الأمريكي. اختار المؤتمر مرشحًا لمنصب الرئيس الذي فاز في الانتخابات. ومع ذلك، فقد أظهر المؤتمر أيضًا الانقسامات العميقة التي كانت موجودة في البلاد بسبب قضية العبودية. كان فوز بيوكانان مجرد تأجيل للحرب الأهلية التي كانت على وشك الحدوث. أدت المشاكل التي تفاقمت بعد هذا المؤتمر إلى اندلاع الحرب الأهلية بعد أربع سنوات فقط.
كان للمؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 تأثير كبير على مستقبل الحزب الديمقراطي. أدى اختيار جيمس بيوكانان كمرشح إلى إبعاد العديد من الديمقراطيين الشماليين عن الحزب. أدى فشل الحزب في معالجة قضية العبودية إلى إضعاف الحزب وجعله أقل قدرة على الفوز بالانتخابات في المستقبل.
إرث المؤتمر
ترك المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 إرثًا دائمًا. أظهر المؤتمر الانقسامات العميقة التي كانت موجودة في البلاد بسبب قضية العبودية. ساعد المؤتمر في إعداد المسرح للحرب الأهلية. كان للمؤتمر أيضًا تأثير كبير على مستقبل الحزب الديمقراطي.
كان المؤتمر بمثابة تذكير بأن الوحدة الوطنية يمكن أن تكون هشة وأن القضايا التي تبدو مستعصية على الحل يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة. لا يزال المؤتمر موضوعًا للدراسة والأهمية للمؤرخين والباحثين الذين يسعون إلى فهم التاريخ الأمريكي.
خاتمة
شكل المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1856 لحظة فاصلة في التاريخ الأمريكي. فقد أظهر الانقسامات العميقة داخل الحزب الديمقراطي والأمة ككل. كان اختيار جيمس بيوكانان كمرشح بمثابة انتصار للديمقراطيين الجنوبيين وأدى إلى إضعاف الحزب على المدى الطويل. على الرغم من فوز بيوكانان في الانتخابات، إلا أن المؤتمر ساهم في التوترات التي أدت في النهاية إلى الحرب الأهلية. يظل هذا المؤتمر مثالًا حيًا على التحديات التي تواجهها الأمة في سعيها لتحقيق الوحدة في مواجهة الانقسامات العميقة.