مقدمة
لقاح BCG، أو عصيات كالميت غيران (Bacillus Calmette–Guérin)، هو لقاح يستخدم بشكل أساسي للوقاية من مرض السل (TB). سُمي اللقاح نسبة إلى مكتشفيه، ألبرت كالميت وكاميل غيران، وهما عالمان فرنسيان طوّراه في معهد باستور في بداية القرن العشرين. يُعتبر لقاح BCG من بين أكثر اللقاحات استخدامًا على مستوى العالم، خاصة في البلدان التي تشهد معدلات إصابة عالية بمرض السل.
تاريخ لقاح BCG
بدأ تطوير لقاح BCG في عام 1908 من قبل ألبرت كالميت وكاميل غيران، اللذين كانا يعملان في معهد باستور في باريس. استخدما سلالة موهنة من بكتيريا السل البقري (Mycobacterium bovis) وحاولا إضعافها عن طريق زراعتها بشكل متكرر في وسط يحتوي على الجليسرين والصفراء. استمرت هذه العملية لمدة 13 عامًا، مما أدى إلى الحصول على سلالة غير قادرة على التسبب في مرض السل ولكنها قادرة على تحفيز استجابة مناعية واقية. تم استخدام اللقاح لأول مرة على البشر في عام 1921، وسرعان ما انتشر استخدامه في جميع أنحاء العالم.
آلية عمل لقاح BCG
يعمل لقاح BCG عن طريق تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج استجابة مناعية ضد بكتيريا السل. يحتوي اللقاح على سلالة حية موهنة من بكتيريا السل البقري، والتي تحاكي الإصابة الطبيعية بالسل دون التسبب في المرض. عندما يتم حقن اللقاح، يتعرف الجهاز المناعي على البكتيريا ويقوم بتنشيط الخلايا المناعية، مثل الخلايا التائية والخلايا البائية، لإنتاج أجسام مضادة وخلايا ذاكرة مناعية. في حالة التعرض اللاحق لبكتيريا السل الحقيقية، يكون الجهاز المناعي مستعدًا للاستجابة بسرعة وفعالية، مما يمنع أو يقلل من خطر الإصابة بالمرض.
فعالية لقاح BCG
تختلف فعالية لقاح BCG بشكل كبير حسب العمر والجغرافيا والسلالة البكتيرية السائدة. يعتبر اللقاح فعالًا بشكل خاص في حماية الأطفال من الأشكال الحادة من مرض السل، مثل التهاب السحايا السلي والسل الدخني. ومع ذلك، فإن فعاليته في الوقاية من مرض السل الرئوي لدى البالغين أقل، حيث تتراوح بين 0٪ و 80٪. يعتقد أن هذا الاختلاف في الفعالية يرجع إلى عوامل مثل التعرض السابق لبكتيريا السل البيئية، والاختلافات الجينية في السكان، والاختلافات في سلالات لقاح BCG المستخدمة.
استخدامات لقاح BCG
يستخدم لقاح BCG بشكل أساسي للوقاية من مرض السل، وخاصة في البلدان التي تشهد معدلات إصابة عالية بالمرض. توصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم جميع الأطفال حديثي الولادة في هذه البلدان. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم لقاح BCG أحيانًا لعلاج سرطان المثانة. آلية عمله في هذه الحالة غير مفهومة تمامًا، ولكن يعتقد أنه يحفز استجابة مناعية مضادة للورم.
- الوقاية من مرض السل: يعتبر الاستخدام الرئيسي للقاح BCG هو الوقاية من مرض السل، وخاصة الأشكال الحادة لدى الأطفال.
- علاج سرطان المثانة: يستخدم لقاح BCG كعلاج مناعي لسرطان المثانة السطحي بعد استئصال الورم.
- دراسات بحثية: يستخدم لقاح BCG في العديد من الدراسات البحثية لفهم الاستجابة المناعية لمرض السل وتطوير لقاحات وعلاجات جديدة.
طريقة إعطاء لقاح BCG
يتم إعطاء لقاح BCG عن طريق الحقن داخل الأدمة، عادة في الجزء العلوي من الذراع. يجب أن يتم الحقن بواسطة متخصص مدرب لضمان إعطاء اللقاح بشكل صحيح وتقليل خطر حدوث مضاعفات. بعد الحقن، تتكون حطاطة صغيرة في موقع الحقن، والتي تتحول لاحقًا إلى تقرح صغير يلتئم خلال بضعة أشهر، تاركًا ندبة صغيرة.
الآثار الجانبية للقاح BCG
يعتبر لقاح BCG آمنًا بشكل عام، ولكن قد تحدث بعض الآثار الجانبية الخفيفة، مثل:
- تفاعل موضعي: احمرار وتورم وألم في موقع الحقن.
- تقرح: قد يتكون تقرح صغير في موقع الحقن، والذي يلتئم خلال بضعة أشهر.
- تضخم الغدد الليمفاوية: في حالات نادرة، قد يحدث تضخم في الغدد الليمفاوية القريبة من موقع الحقن.
في حالات نادرة جدًا، قد تحدث آثار جانبية أكثر خطورة، مثل:
- عدوى BCG منتشرة: قد تحدث هذه الحالة لدى الأفراد الذين يعانون من نقص المناعة.
- التهاب العظم والنقي: التهاب في العظام.
يجب على الأفراد الذين يعانون من نقص المناعة أو لديهم تاريخ من ردود الفعل التحسسية الشديدة تجاه لقاحات أخرى استشارة الطبيب قبل تلقي لقاح BCG.
موانع استخدام لقاح BCG
هناك بعض الحالات التي يمنع فيها استخدام لقاح BCG، بما في ذلك:
- نقص المناعة: لا ينبغي إعطاء لقاح BCG للأفراد الذين يعانون من نقص المناعة، مثل المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أو الذين يتلقون علاجًا مثبطًا للمناعة.
- الحمل: لا ينبغي إعطاء لقاح BCG للنساء الحوامل.
- الأمراض الجلدية الشديدة: يجب تأجيل إعطاء لقاح BCG للأفراد الذين يعانون من أمراض جلدية شديدة في موقع الحقن.
- ردود فعل تحسسية شديدة: يجب عدم إعطاء لقاح BCG للأفراد الذين لديهم تاريخ من ردود الفعل التحسسية الشديدة تجاه اللقاح.
لقاح BCG في برامج التطعيم الوطنية
يُدرج لقاح BCG في برامج التطعيم الوطنية في العديد من البلدان حول العالم، خاصة في البلدان التي تشهد معدلات إصابة عالية بمرض السل. توصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم جميع الأطفال حديثي الولادة في هذه البلدان. يهدف إدراج لقاح BCG في برامج التطعيم الوطنية إلى حماية الأطفال من الأشكال الحادة من مرض السل وتقليل انتشار المرض في المجتمع.
تحديات استخدام لقاح BCG
على الرغم من أن لقاح BCG يعتبر من بين أكثر اللقاحات استخدامًا على مستوى العالم، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه استخدامه، بما في ذلك:
- تفاوت الفعالية: تختلف فعالية لقاح BCG بشكل كبير حسب العمر والجغرافيا والسلالة البكتيرية السائدة.
- الآثار الجانبية: قد تحدث بعض الآثار الجانبية الخفيفة بعد تلقي لقاح BCG.
- التحديات اللوجستية: يتطلب تخزين ونقل لقاح BCG ظروفًا خاصة للحفاظ على فعاليته.
- وصمة العار المرتبطة بمرض السل: قد تمنع وصمة العار المرتبطة بمرض السل بعض الأفراد من تلقي اللقاح.
البحث والتطوير في مجال لقاحات السل
نظرًا لتفاوت فعالية لقاح BCG في الوقاية من مرض السل الرئوي لدى البالغين، هناك جهود بحثية مكثفة لتطوير لقاحات جديدة وأكثر فعالية ضد مرض السل. تشمل هذه الجهود تطوير لقاحات فرعية، ولقاحات ناقلة بالفيروسات، ولقاحات معززة بـ BCG. تهدف هذه اللقاحات الجديدة إلى تحسين الاستجابة المناعية ضد بكتيريا السل وتوفير حماية أفضل ضد المرض.
دور لقاح BCG في مكافحة مرض السل عالميًا
يلعب لقاح BCG دورًا هامًا في مكافحة مرض السل عالميًا، خاصة في البلدان التي تشهد معدلات إصابة عالية بالمرض. على الرغم من أن فعاليته في الوقاية من مرض السل الرئوي لدى البالغين محدودة، إلا أنه يعتبر فعالًا في حماية الأطفال من الأشكال الحادة من المرض. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم لقاح BCG كأداة مهمة في الدراسات البحثية لفهم الاستجابة المناعية لمرض السل وتطوير لقاحات وعلاجات جديدة.
مستقبل لقاح BCG
على الرغم من مرور أكثر من قرن على اكتشافه، لا يزال لقاح BCG يلعب دورًا حيويًا في الوقاية من مرض السل، خاصة بين الأطفال. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى لقاحات أكثر فعالية للبالغين دفعت إلى إجراء أبحاث مكثفة لتطوير لقاحات جديدة. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، مما قد يؤدي إلى تغيير استراتيجيات مكافحة مرض السل على مستوى العالم.
خاتمة
لقاح BCG هو لقاح حي موهن يستخدم للوقاية من مرض السل، وخاصة عند الأطفال. على الرغم من أنه ليس فعالًا تمامًا في الوقاية من مرض السل الرئوي عند البالغين، إلا أنه لا يزال أداة مهمة في مكافحة هذا المرض، خاصة في البلدان ذات معدلات الإصابة المرتفعة. يستمر البحث والتطوير في مجال لقاحات السل بهدف إيجاد لقاحات أكثر فعالية يمكن أن توفر حماية أفضل ضد هذا المرض الفتاك.