نشأته وبداياته
ولد جلال الدين حقاني في عام 1939 في منطقة زرغون شهر بولاية بكتيا في أفغانستان. تلقى تعليمه الديني في مدارس تقليدية في أفغانستان وباكستان، وتأثر بالفكر الإسلامي المتشدد. انضم حقاني إلى الحركات الجهادية في شبابه، وأصبح شخصية بارزة في المقاومة الأفغانية ضد الوجود السوفيتي. اكتسب سمعة طيبة كقائد عسكري شجاع ومحنك، وتميز بقدرته على التخطيط والتنفيذ للعمليات العسكرية المعقدة.
الحرب السوفيتية في أفغانستان
لعب جلال الدين حقاني دورًا محوريًا في الحرب السوفيتية في أفغانستان (1979-1989). قاد آلاف المقاتلين في معارك ضد القوات السوفيتية، وحقق انتصارات كبيرة. كان يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة وباكستان والمملكة العربية السعودية، الذين قدموا له الأسلحة والتدريب والتمويل في إطار عملية “الإعصار” التي أدارتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA). استفاد حقاني من هذا الدعم لتوسيع نفوذه وتقوية شبكته.
تميزت شبكة حقاني خلال هذه الفترة بالانضباط والتنظيم العسكري الجيد، والقدرة على استخدام التكتيكات العسكرية الحديثة. كان حقاني بارعًا في التخطيط للعمليات المعقدة، مثل الكمائن والعمليات الانتحارية، والتي ألحقت خسائر فادحة بالقوات السوفيتية. أدت هذه العمليات إلى إضعاف الروح المعنوية للقوات السوفيتية، وساهمت في النهاية في انسحابهم من أفغانستان.
علاقاته مع الولايات المتحدة والمخابرات الأمريكية
خلال الحرب السوفيتية، أقامت الولايات المتحدة علاقات وثيقة مع جلال الدين حقاني وشبكته. قدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا لحقاني، بما في ذلك الأسلحة المتطورة والتدريب. اعتبرت الولايات المتحدة حقاني حليفًا مهمًا في حربها ضد الاتحاد السوفيتي، ورأت فيه قائدًا فعالًا للمجاهدين الأفغان.
بعد انتهاء الحرب السوفيتية، تغيرت العلاقات بين الولايات المتحدة وحقاني بشكل كبير. تحولت شبكة حقاني إلى جماعة إرهابية، ووجهت اتهامات لها بارتكاب أعمال عنف ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان بعد عام 2001. على الرغم من ذلك، استمرت بعض الشخصيات في الولايات المتحدة في الحفاظ على اتصالات مع شبكة حقاني، على أمل التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان.
تأسيس شبكة حقاني
بعد انتهاء الحرب السوفيتية، أسس جلال الدين حقاني شبكة حقاني، التي أصبحت فيما بعد واحدة من أقوى الجماعات المسلحة في أفغانستان. تميزت الشبكة بالتنظيم العسكري الجيد، والقدرة على شن هجمات معقدة ضد القوات الحكومية وقوات التحالف. اعتمدت الشبكة على التمويل من مصادر مختلفة، بما في ذلك التبرعات الخاصة والاتجار بالمخدرات والاختطاف للحصول على فدية.
اتخذت شبكة حقاني من باكستان مقرًا لها، واستفادت من الدعم الذي قدمته لها المخابرات الباكستانية (ISI). لعبت الشبكة دورًا رئيسيًا في العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان بعد عام 2001. اشتهرت الشبكة باستخدام العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية، واستهداف المدنيين والمسؤولين الحكوميين.
هجمات شبكة حقاني
شاركت شبكة حقاني في عدد كبير من الهجمات الدامية في أفغانستان، مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص. من أبرز هذه الهجمات:
- هجوم عام 2008 على فندق سيرينا في كابول: استهدف الهجوم فندقًا كان يرتاده العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين.
- هجوم عام 2011 على السفارة الأمريكية في كابول: استهدف الهجوم السفارة الأمريكية، وأسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص.
- هجوم عام 2012 على قاعدة عسكرية أمريكية في ولاية بكتيا: أسفر الهجوم عن مقتل وإصابة عدد كبير من الجنود الأمريكيين.
بالإضافة إلى هذه الهجمات، شاركت شبكة حقاني في عدد كبير من الهجمات الأخرى ضد القوات الحكومية وقوات التحالف والمدنيين. تعتبر شبكة حقاني مسؤولة عن مقتل وإصابة الآلاف من الأشخاص، وتسببت في معاناة كبيرة للشعب الأفغاني.
وفاته وخلافته
توفي جلال الدين حقاني في 3 سبتمبر 2018، عن عمر يناهز 79 عامًا. على الرغم من وفاته، استمرت شبكة حقاني في العمل تحت قيادة نجله سراج الدين حقاني. يعتبر سراج الدين حقاني حاليًا أحد أبرز قادة طالبان، ويشغل منصب وزير الداخلية في حكومة طالبان الحالية. خلف سراج الدين حقاني والده في قيادة الشبكة، وأشرف على عدد كبير من الهجمات ضد القوات الحكومية وقوات التحالف.
إرث جلال الدين حقاني
ترك جلال الدين حقاني إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل. يعتبره البعض بطلًا قوميًا أفغانيًا، لأنه قاد المجاهدين في حربهم ضد السوفييت. بينما يراه آخرون إرهابيًا مسؤولًا عن مقتل آلاف الأشخاص. لا شك في أن جلال الدين حقاني كان شخصية محورية في تاريخ أفغانستان الحديث، وأثرت أعماله بشكل كبير على مسار الأحداث في المنطقة.
الخلافات حول دوره
أثار دور جلال الدين حقاني جدلاً واسعًا. يرى البعض أنه كان مقاتلًا من أجل الحرية، وقاد الشعب الأفغاني في مواجهة الاحتلال السوفيتي. بينما يتهمه آخرون بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتعريض المدنيين للخطر. بالإضافة إلى ذلك، هناك جدل حول علاقاته مع المخابرات الأمريكية، والدعم الذي تلقاه منها خلال الحرب السوفيتية.
تعتبر شبكة حقاني منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن الشبكة لا تزال نشطة في أفغانستان، وتواصل شن الهجمات ضد القوات الحكومية والقوات الأجنبية.
الوضع الحالي لشبكة حقاني
بعد سيطرة طالبان على أفغانستان في عام 2021، أصبحت شبكة حقاني جزءًا لا يتجزأ من الحكومة الجديدة. يشغل سراج الدين حقاني منصب وزير الداخلية، ويتولى العديد من قادة الشبكة مناصب مهمة في الحكومة. هذا الوضع أثار قلقًا دوليًا، حيث تخشى العديد من الدول من أن تستخدم طالبان أفغانستان كقاعدة لشن هجمات إرهابية.
لا يزال مستقبل شبكة حقاني غير مؤكد. على الرغم من مشاركتها في الحكومة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك العقوبات الدولية والضغوط السياسية. بالإضافة إلى ذلك، هناك انقسامات داخلية داخل الشبكة، قد تؤثر على قدرتها على العمل في المستقبل.
خاتمة
كان جلال الدين حقاني شخصية مثيرة للجدل، لعب دورًا محوريًا في تاريخ أفغانستان. قاد المجاهدين في حربهم ضد السوفييت، وأسس شبكة حقاني التي تحولت إلى جماعة إرهابية بعد ذلك. ترك حقاني إرثًا معقدًا، ولا يزال تأثيره محسوسًا في أفغانستان والمنطقة حتى اليوم.
المراجع
- Council on Foreign Relations: The Haqqani Network
- U.S. Department of State: Afghanistan
- Al Jazeera: Afghan Taliban leader Jalaluddin Haqqani dies
- BBC News: Who are the Haqqani network?
“`