نشأته وحياته المبكرة
ولد برايون جيسين في تابوسينتش، ساسكاتشوان، كندا، في عام 1916. قضى جزءًا كبيرًا من طفولته في كندا قبل أن ينتقل إلى إنجلترا. درس في كلية داونسايد، وهي مدرسة داخلية كاثوليكية مرموقة، حيث أظهر اهتمامًا مبكرًا بالفن والأدب. في وقت لاحق، درس في جامعة السوربون في باريس، حيث انغمس في المشهد الفني والثقافي المزدهر في المدينة.
خلال الحرب العالمية الثانية، خدم جيسين في الجيش الكندي. بعد الحرب، عاد إلى باريس واستأنف مسيرته الفنية والأدبية. في هذه الفترة، بدأ في تطوير اهتمامه بالكتابة المقطوعة، وهي تقنية تتضمن قص النصوص وإعادة ترتيبها لإنشاء معان جديدة وغير متوقعة.
الكتابة المقطوعة
تعتبر الكتابة المقطوعة من أبرز إسهامات برايون جيسين في الأدب والفن. استوحى جيسين هذه التقنية من ملاحظة بسيطة: بينما كان يعمل في فندق في باريس، لاحظ أن قصاصات الصحف المتروكة على الأرض كانت تشكل تركيبات لغوية مثيرة للاهتمام. قرر استكشاف هذه الفكرة بشكل منهجي، وبدأ في قص النصوص وإعادة ترتيبها لإنشاء قصص وقصائد جديدة.
تعتمد تقنية الكتابة المقطوعة على فكرة أن اللغة ليست ثابتة أو محددة، بل هي مجموعة من الاحتمالات والتركيبات المحتملة. من خلال قص النصوص وإعادة ترتيبها، يمكن للكتاب والفنانين الكشف عن معان جديدة ومخفية في اللغة. يرى جيسين أن هذه التقنية تسمح بالوصول إلى اللاوعي واستكشاف الأفكار والمفاهيم التي لا يمكن التعبير عنها بالطرق التقليدية.
عمل جيسين بشكل وثيق مع ويليام بوروز في تطوير وتطبيق تقنية الكتابة المقطوعة. يعتبر بوروز وجيسين من رواد هذا الأسلوب الأدبي، وقد أثرت أعمالهما بشكل كبير على الأدب التجريبي والحركات الفنية اللاحقة.
علاقته بويليام بوروز
كانت علاقة برايون جيسين بويليام بوروز علاقة فنية وشخصية عميقة. التقيا في باريس في الخمسينيات من القرن الماضي، وسرعان ما أصبحا صديقين وشريكين في الإبداع. شارك جيسين بوروز اهتمامه بالكتابة المقطوعة، وقد عملا معًا على تطوير هذه التقنية واستكشاف إمكاناتها.
أثرت أفكار جيسين وتقنياته بشكل كبير على أعمال بوروز، وخاصةً ثلاثية “المدن القرمزية” و “الآلة اللينة” و “التذكرة التي انفجرت”. استخدم بوروز الكتابة المقطوعة في هذه الأعمال لإنشاء سرديات مجزأة وغير خطية، واستكشاف موضوعات مثل السيطرة الاجتماعية والإدمان والتحرر.
بالإضافة إلى الكتابة المقطوعة، تعاون جيسين وبوروز في مشاريع فنية أخرى، مثل الأفلام والتسجيلات الصوتية والعروض الأدائية. كانت علاقتهما علاقة تبادل إبداعي مستمر، وقد أثرت بشكل كبير على مسيرة كل منهما الفنية.
الوحشية الكتابية (Cut-up)
تعتبر “الوحشية الكتابية” حركة فنية وأدبية مرتبطة بشكل وثيق ببرايون جيسين وويليام بوروز. تعتمد هذه الحركة على تقنية الكتابة المقطوعة، ولكنها تتجاوز مجرد قص النصوص وإعادة ترتيبها. تسعى الوحشية الكتابية إلى تفكيك اللغة وتدمير بنيتها التقليدية، بهدف الكشف عن معان جديدة ومخفية.
يرى أنصار الوحشية الكتابية أن اللغة هي أداة للسيطرة الاجتماعية، وأن تفكيكها يمكن أن يؤدي إلى التحرر الفكري والإبداعي. من خلال قص النصوص وإعادة ترتيبها، يمكن للفنانين والكتاب تحدي القواعد اللغوية التقليدية وإنشاء أشكال جديدة من التعبير.
تأثرت الوحشية الكتابية بحركات فنية أخرى، مثل الدادائية والسريالية، التي كانت تسعى أيضًا إلى تحدي التقاليد الفنية والأدبية. ومع ذلك، تتميز الوحشية الكتابية بتركيزها على اللغة واستخدامها لتقنية الكتابة المقطوعة كأداة أساسية للتعبير.
أعماله الفنية الأخرى
بالإضافة إلى الكتابة المقطوعة، كان برايون جيسين فنانًا متعدد المواهب، وقد أنتج أعمالًا فنية متنوعة في مجالات الرسم والشعر الصوتي والعروض الأدائية. استكشف جيسين في أعماله الفنية موضوعات مثل الوعي والتحرر والروحانية.
في مجال الرسم، استخدم جيسين تقنيات مختلفة، مثل الرسم التجريدي والرسم السريالي، لإنشاء صور بصرية معقدة ومثيرة للتفكير. غالبًا ما كانت رسوماته تتضمن عناصر لغوية، مثل الكلمات والعبارات المكتوبة، مما يعكس اهتمامه العميق باللغة.
في مجال الشعر الصوتي، قام جيسين بتجربة الأصوات والإيقاعات لإنشاء قصائد صوتية فريدة من نوعها. كان يعتقد أن الصوت يمكن أن يكون وسيلة قوية للتعبير عن المشاعر والأفكار، وقد سعى إلى استكشاف إمكانات الصوت في أعماله الشعرية.
كما قام جيسين بتنظيم العديد من العروض الأدائية التي جمعت بين الأدب والفن والتكنولوجيا. كانت هذه العروض غالبًا ما تتضمن عناصر من الكتابة المقطوعة والشعر الصوتي والموسيقى، وكانت تهدف إلى خلق تجربة حسية شاملة للجمهور.
آلة الأحلام (Dreamachine)
تعتبر آلة الأحلام من أبرز اختراعات برايون جيسين. هي عبارة عن جهاز بسيط يتكون من أسطوانة دوارة بها فتحات مقطوعة. عند تشغيل الآلة، يتم توجيه ضوء قوي نحو الأسطوانة، مما يخلق تأثيرًا بصريًا متقطعًا. عندما ينظر الشخص إلى الضوء المتقطع وعيناه مغمضتان، فإنه يبدأ في رؤية أنماط وألوان معقدة، أشبه بالأحلام.
ابتكر جيسين آلة الأحلام بالتعاون مع عالم الرياضيات إيان سومرفيل، وكان يهدف إلى إنشاء جهاز يمكنه تحفيز الوعي وتوسيع الإدراك. كان يعتقد أن آلة الأحلام يمكن أن تساعد الناس على استكشاف عوالمهم الداخلية والوصول إلى مستويات أعمق من الوعي.
أصبحت آلة الأحلام تحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفنانين والمثقفين، واعتبرت أداة قوية للتجريب الحسي واستكشاف الوعي. لا تزال آلة الأحلام تستخدم حتى اليوم في الفن والعلاج والبحث العلمي.
تأثيره وإرثه
ترك برايون جيسين إرثًا فنيًا وأدبيًا غنيًا. أثرت أفكاره وتقنياته على العديد من الفنانين والكتاب والموسيقيين في القرن العشرين وما بعده. يعتبر جيسين من رواد الأدب التجريبي والفن المفاهيمي، وقد ساهم في تطوير أساليب جديدة للتعبير الإبداعي.
لا تزال أعماله الفنية والأدبية تحظى بالتقدير والدراسة حتى اليوم. يعتبر جيسين شخصية مؤثرة في المشهد الثقافي والفني العالمي، وقد ساهم في توسيع حدود الفن والأدب واستكشاف إمكانات الوعي والإدراك.
خاتمة
كان برايون جيسين فنانًا وكاتبًا ومخترعًا متعدد المواهب، اشتهر بتجاربه في مجال الكتابة المقطوعة وعلاقته الوثيقة بويليام بوروز. يعتبر جيسين شخصية مؤثرة في المشهد الثقافي والفني في القرن العشرين، حيث جمع بين الأدب والفن والتكنولوجيا بطرق مبتكرة. ترك جيسين إرثًا فنيًا وأدبيًا غنيًا، ولا تزال أعماله تحظى بالتقدير والدراسة حتى اليوم.