متى 14:28 (Matthew 14:28)

السياق الكتابي

لكي نفهم متى 14:28 بشكل كامل، من الضروري أن نضعها في سياقها الكتابي. يروي إنجيل متى هذه القصة كجزء من مجموعة أحداث تقع بعد إطعام يسوع للجموع. بعد هذه المعجزة، أمر يسوع تلاميذه بالصعود إلى القارب والإبحار إلى الجانب الآخر من البحيرة، بينما ذهب هو للصلاة بمفرده. وفي الليل، بينما كان التلاميذ في عرض البحر، اشتدت الريح، وبدأت الأمواج تضرب القارب.

في هذه اللحظة، رأى التلاميذ يسوع يسير على الماء متجهاً نحوهم. خافوا في البداية، معتقدين أنه شبح. حينئذٍ، قال لهم يسوع: “تشجعوا! أنا هو. لا تخافوا“.

متى 14:28 – النص والتحليل

الآية 28 من متى 14 هي: “فأجاب بطرس وقال له: يا رب، إن كنت أنت هو، فمرني أن آتي إليك على الماء“.

هذه الآية تحمل أهمية كبيرة في سياق القصة، فهي تبرز إيمان بطرس، بالإضافة إلى اندفاعه. بطرس، الذي غالباً ما يظهر كشخصية متسرعة ومندفعة في الأناجيل، يطلب هنا دليلاً على هوية يسوع. من خلال هذا الطلب، يُظهر بطرس إيمانه ليسوع ورغبته في أن يكون قريباً منه، حتى لو كان ذلك يعني القيام بشيء غير معتاد وغير طبيعي.

تحليل مفصل:

“فأجاب بطرس وقال له:” – هذه العبارة تشير إلى أن بطرس كان يستجيب لشيء قاله يسوع. في الآيات السابقة، كان يسوع قد طمأن التلاميذ وأخبرهم أنه هو.
“يا رب، إن كنت أنت هو” – هنا، يقر بطرس بشكل غير مباشر بإمكانية أن يكون يسوع هو الشخص الذي يرونه. يستخدم بطرس كلمة “رب” في إشارة إلى الاحترام والسلطة. يعبر هذا القول عن التشكيك، لكنه في الوقت نفسه يعكس إيماناً كامناً.
“فمرني أن آتي إليك على الماء” – هذا هو طلب بطرس الجريء. إنه يطلب من يسوع أن يأمره بفعل شيء مستحيل في الظروف الطبيعية. هذا الطلب يُظهر إيمانه بألوهية يسوع وقدرته على فعل المعجزات. كما يُظهر رغبة بطرس في أن يكون مع يسوع، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة الخطر.

أهمية الآية

متى 14:28 له أهمية كبيرة لعدة أسباب:

إبراز الإيمان: يعرض هذا النص إيمان بطرس بيسوع. على الرغم من أنه يشك بعض الشيء، إلا أنه على استعداد للمخاطرة واتخاذ خطوة إيمانية.
إظهار طبيعة يسوع: يُظهر هذا النص قدرة يسوع على فعل المعجزات وسلطته على الطبيعة.
دعوة للمتابعة: يشجع هذا النص القراء على أن يطلبوا من يسوع أن يقودهم في مسيرتهم الإيمانية، حتى في الأوقات الصعبة.
إلهام للثقة: يعلم هذا النص المؤمنين أن يثقوا بيسوع، حتى عندما تبدو الأمور مستحيلة.

الدروس المستفادة من متى 14:28

يمكن استخلاص العديد من الدروس من هذه الآية:

أهمية الإيمان: يوضح هذا النص أن الإيمان هو المفتاح لتحقيق المستحيل.
أهمية الطاعة: يجب علينا أن نطيع أوامر يسوع وأن نتبعه حتى في الأوقات الصعبة.
مواجهة الخوف: يشجعنا هذا النص على عدم الخوف من مواجهة التحديات، بل على أن نثق في يسوع.
الرغبة في القرب من يسوع: يجب أن نسعى دائماً إلى أن نكون قريبين من يسوع ونرغب في معرفته بشكل أفضل.

متى 14:29 – الاستجابة

بعد أن قال بطرس “فمرني أن آتي إليك على الماء”، استجاب يسوع على الفور. الآية التالية، متى 14:29، تقول: “فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع“.

هذه الاستجابة تُظهر أن يسوع مستعد دائماً لدعم الإيمان. بمجرد أن طلب بطرس، منحه يسوع الفرصة ليختبر قوة إيمانه. هذه الآية تبرز أيضاً أهمية طاعة أوامر يسوع، حتى لو بدت صعبة أو مستحيلة.

السقوط

لسوء الحظ، لم يستطع بطرس الحفاظ على إيمانه. الآيات التالية تذكر كيف بدأ بطرس يغرق عندما بدأ ينظر إلى الريح القوية. عندئذٍ صرخ بطرس قائلاً: “يا رب، نجني!” (متى 14:30).

هذا الجزء من القصة بمثابة تذكير بأنه حتى المؤمنين يمكن أن يمروا بأوقات ضعف. عندما نركز على الظروف المحيطة بنا بدلاً من التركيز على يسوع، يمكن أن يتزعزع إيماننا. ومع ذلك، تظهر هذه القصة أيضاً أن يسوع موجود دائماً لمساعدتنا، حتى عندما نفشل.

متى 14:31 – الخلاص

الآية الأخيرة في هذه القصة، متى 14:31، تقول: “وللوقت مدّ يسوع يده وأمسك به، وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟“.

هذه الآية تعطينا درساً مهماً عن رحمة يسوع. على الرغم من أن بطرس فقد إيمانه وبدأ يغرق، إلا أن يسوع مد يده وأنقذه. في هذه اللحظة، لم يوبخ يسوع بطرس فحسب، بل أظهره أنه يهتم به ويحبه. هذه الآية تذكّرنا بأن يسوع موجود دائماً لإنقاذنا، حتى عندما نكون في أضعف حالاتنا.

المعنى الرمزي

تحمل هذه القصة معنى رمزياً عميقاً. إنها لا تتحدث فقط عن مشي يسوع على الماء، بل عن العلاقة بين يسوع وتلاميذه، وبين يسوع والمؤمنين بشكل عام.

السفينة: ترمز السفينة إلى العالم أو الحياة اليومية.
البحر المضطرب: يمثل البحر المضطرب التجارب والصعوبات التي نواجهها في الحياة.
الريح: ترمز الريح إلى الشدائد والمعاناة التي قد تواجهنا.
يسوع: يمثل يسوع الأمل والخلاص.
بطرس: يمثل بطرس المؤمن الذي يسعى إلى الاقتراب من يسوع ولكنه يمر بلحظات ضعف.
المشي على الماء: يمثل المشي على الماء الثقة والإيمان بيسوع، حتى في مواجهة المستحيل.

باختصار، القصة تذكرنا بأنه عندما نثق بيسوع ونركز عليه، يمكننا أن نتجاوز تحديات الحياة. ولكن، عندما نفقد تركيزنا، نفقد إيماننا ونبدأ في الغرق.

المقارنة مع الأناجيل الأخرى

تُروى قصة مشي يسوع على الماء في ثلاث من الأناجيل الأربعة: متى ومرقس ويوحنا. على الرغم من وجود بعض الاختلافات الطفيفة في التفاصيل، فإن القصة الأساسية تظل كما هي. على سبيل المثال، يذكر إنجيل يوحنا أن التلاميذ كانوا قد وصلوا بالفعل إلى الشاطئ عندما ظهر يسوع لهم. يقدم كل إنجيل وجهة نظر فريدة للقصة، مما يساعدنا على فهمها بشكل أفضل.

تطبيق القصة على حياتنا

يمكننا أن نطبق هذه القصة على حياتنا بطرق عديدة:

بناء الإيمان: يجب أن نعمل على بناء إيمان قوي بيسوع، وذلك من خلال الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والتواصل مع المؤمنين الآخرين.
مواجهة المخاوف: يجب أن نكون مستعدين لمواجهة مخاوفنا ووضع ثقتنا في يسوع.
التركيز على يسوع: يجب أن نركز على يسوع، وليس على الظروف المحيطة بنا.
طلب المساعدة: يجب أن نطلب المساعدة من يسوع عندما نمر بأوقات صعبة.
قبول الرحمة: يجب أن نقبل رحمة يسوع، حتى عندما نفشل.

خاتمة

متى 14:28 هي آية قوية تعلمنا عن الإيمان، والثقة، والرحمة. من خلال طلب بطرس من يسوع أن يمرّه بالمشي على الماء، نرى مثالاً على الجرأة والإيمان. القصة بأكملها تذكرنا بأنه يجب علينا أن نضع ثقتنا في يسوع ونطلب منه أن يقودنا في مسيرتنا الإيمانية. يجب أن لا ننسى أننا، مثل بطرس، قد نمر بلحظات ضعف، لكن يسوع موجود دائماً ليمد يده وينقذنا.

المراجع

“`