السياق العام
يبدأ إنجيل متى بتسجيل ولادة يسوع وحياته وتعليمه، ثم يتناول معجزاته وأعماله. في الإصحاح 12، يركز على تصرفات يسوع التي أثارت الجدل، خاصة بين القادة الدينيين في ذلك الوقت، وهم الفريسيون والكتبة. كان الفريسيون يشككون في سلطة يسوع، ويتهمونه بأنه يطرد الشياطين بقوة رئيس الشياطين، بعلزبول. كان هذا الاتهام خطيرًا، لأنه يعني أن يسوع كان في تحالف مع قوى الشر.
قبل الوصول إلى الآية 12:27، يروي متى كيف قام يسوع بالعديد من المعجزات، بما في ذلك شفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة. هذه الأعمال أثارت إعجاب الحشود، لكنها أثارت أيضًا معارضة الفريسيين. في الآية 22، على سبيل المثال، جلبوا إلى يسوع رجلاً أعمى وأخرس مسكونًا بالشيطان. فشفى يسوع الرجل، مما أذهل الحشود. ومع ذلك، اتهم الفريسيون يسوع بأنه يطرد الشياطين بقوة بعلزبول.
تحليل الآية 12:27
تنص الآية 12:27 على ما يلي: “فإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين، فابنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لذلك هم يكونون قضاتكم”. في هذه الآية، يرد يسوع على اتهامات الفريسيين بأنه يستخدم قوة بعلزبول لطرد الشياطين. إنه يستخدم منطقًا ليثبت أن ادعاءاتهم غير صحيحة.
النقاط الرئيسية في الآية:
- الاعتراف الضمني: يبدأ يسوع بـ “فإن كنت أنا…”، وهو ما يشير إلى أنه يفترض مؤقتًا أن ادعاءاتهم صحيحة.
- السؤال البلاغي: يسأل يسوع، “فابنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟” وهذا سؤال بلاغي مصمم لجذب انتباه سامعيه.
- الحجة المنطقية: إذا كان يسوع يطرد الشياطين بقوة بعلزبول، فمن الواضح أن الفريسيين أنفسهم لديهم أتباع أو تلاميذ يقومون بنفس العمل.
- الاستنتاج: “لذلك هم يكونون قضاتكم”. يشير يسوع إلى أن أتباع الفريسيين، الذين يطردون الشياطين أيضًا، سيدينون الفريسيين بسبب اتهامهم ليسوع.
المنطق الكامن وراء الآية
تعتمد حجة يسوع على منطق بسيط ولكنه فعال. إذا كان يطرد الشياطين بقوة بعلزبول، فإن ذلك يعني أن لديه نفس القوة التي يتمتع بها الفريسيون أو تلاميذهم الذين يزعمون أنهم يطردون الشياطين. وبالتالي، فإن الفريسيين مدانون بسبب اتهامهم ليسوع. يظهر هذا المنطق أن الفريسيين كانوا يحاولون تشويه سمعة يسوع دون دليل، وأن دوافعهم كانت في الغالب شخصية أو سياسية.
أبعاد إضافية:
- السلطة الروحية: يؤكد يسوع على سلطته الروحية على قوى الشر.
- التمييز بين الخير والشر: يوضح يسوع أن هناك فرقًا بين عمله وطرد الشياطين بقوة بعلزبول.
- العواقب الأخلاقية: يسلط الضوء على أهمية الحكم الصحيح وتجنب الأحكام المسبقة.
أهمية الآية في سياق الكتاب المقدس
تعتبر آية متى 12:27 جزءًا أساسيًا من حوار يسوع مع الفريسيين. إنها تبرز طبيعة صراعه مع القادة الدينيين، وكيف كان يدافع عن نفسه ضد اتهاماتهم. كما أنها تضع الأساس للعديد من التعاليم الأخرى التي قدمها يسوع حول طبيعة ملكوت الله، وأهمية الإيمان، وأهمية التمييز بين الحق والباطل.
العلاقة بالآيات الأخرى:
- متى 12:28: مباشرة بعد الآية 27، يقول يسوع: “ولكن إن كنت بروح الله أخرج الشياطين، فقد أتى إليكم ملكوت الله”.
- متى 12:29: “أو كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته، ما لم يربط القوي أولاً؟ وحينئذ ينهب بيته”.
- متى 12:30: “من ليس معي فهو علي، ومن لا يجمع معي فهو يفرق”.
ترتبط هذه الآيات ارتباطًا وثيقًا بـ 12:27، حيث توضح بشكل أكبر سلطة يسوع، وكيف أن عمله هو نتيجة قوة الروح القدس، وكيف أن الناس يجب أن يختاروا بين تبني رسالته أو رفضها.
التأثير اللاهوتي والأخلاقي
تحمل آية متى 12:27 تأثيرًا لاهوتيًا وأخلاقيًا كبيرًا. من الناحية اللاهوتية، فهي تؤكد على سلطة يسوع على قوى الشر، وتوضح أن عمله هو نتيجة قوة الله. من الناحية الأخلاقية، فإنها تحث على الفحص الذاتي، والابتعاد عن الأحكام المسبقة، والبحث عن الحقيقة.
التطبيق العملي:
- الحذر من الأحكام المسبقة: تعلمنا الآية أن نكون حذرين من إصدار الأحكام بناءً على الافتراضات أو المعلومات غير الكاملة.
- التحقق من دوافع الآخرين: تشجعنا الآية على تقييم دوافع الآخرين، والتأكد من أنهم يسعون حقًا إلى فعل الخير.
- السعي إلى التمييز: تعلمنا الآية أن نسعى إلى التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر.
أوجه التشابه والاختلاف مع الأناجيل الأخرى
تم العثور على روايات مماثلة لهذا الحوار في إنجيل مرقس (3:22-30) وإنجيل لوقا (11:14-23). على الرغم من وجود بعض الاختلافات الطفيفة في الصياغة، إلا أن الرسالة الأساسية تظل كما هي. يقدم كل إنجيل وجهة نظر فريدة، ويسلط الضوء على جوانب مختلفة من الحوار. على سبيل المثال، يركز مرقس ولوقا على طبيعة الخطية وتأثيرها على الإنسان.
مقارنة سريعة:
- مرقس: يركز على قوة يسوع وسلطته على الأرواح الشريرة.
- لوقا: يشدد على أهمية اختيار الجانب الصحيح في الصراع الروحي.
- متى: يركز على الجدال مع الفريسيين، ويقدم حججًا منطقية للدفاع عن نفسه.
التاريخ والتفسير
تمت كتابة إنجيل متى في الأصل باللغة اليونانية، ويعتقد أنه كتب في وقت ما بين عامي 70 و 90 ميلادي. يعتقد العديد من العلماء أن متى كتب لجمهور يهودي، وأنه أراد أن يظهر أن يسوع هو المسيح الذي تنبأ به العهد القديم. تفسير متى 12:27 يعتمد على سياقها التاريخي والثقافي.
المدارس الفكرية:
- التفسير الحرفي: يركز على المعنى المباشر للكلمات، ويعتبر أن يسوع كان يطرد الشياطين بقوة الروح القدس.
- التفسير الرمزي: يرى أن طرد الشياطين يمثل انتصار الخير على الشر، وأن يسوع يمثل النور في مواجهة الظلام.
- التفسير التاريخي النقدي: يضع الآية في سياقها التاريخي والثقافي، ويدرس دوافع الفريسيين ورد فعل يسوع.
الأهمية المستمرة
تظل آية متى 12:27 ذات أهمية كبيرة للمؤمنين اليوم. إنها تذكرنا بأهمية التفكير النقدي، والحذر من الأحكام المسبقة، والبحث عن الحقيقة. كما أنها تؤكد على سلطة يسوع على قوى الشر، وأهمية الإيمان به كرب ومخلص.
تطبيقات معاصرة:
- مواجهة الشر: تشجعنا الآية على مواجهة الشر في حياتنا وفي العالم من حولنا.
- الدفاع عن الحق: تعلمنا الآية أن ندافع عن الحق ونقاوم الظلم.
- التمسك بالإيمان: تشجعنا الآية على أن نتمسك بإيماننا بيسوع المسيح.
خاتمة
متى 12:27 هي آية مركزية في نقاش يسوع مع الفريسيين حول سلطته في طرد الشياطين. من خلال استخدام المنطق والسؤال البلاغي، يوضح يسوع أن اتهاماتهم له غير صحيحة، وأن لديه سلطة حقيقية من الله. تحمل هذه الآية أهمية لاهوتية وأخلاقية كبيرة، وتدعو المؤمنين إلى التفكير النقدي، والتحقق من دوافع الآخرين، والسعي إلى التمييز بين الحق والباطل. إنها تظل ذات صلة اليوم، وتشجعنا على مواجهة الشر، والدفاع عن الحق، والتمسك بالإيمان بيسوع المسيح.