السياق العام
لفهم متى 12:20، من الضروري فهم السياق الذي وردت فيه. يقع هذا المقطع في سياق سلسلة من المواجهات بين يسوع والفريسيين. بعد شفاء يسوع لرجل به يد يابسة في يوم السبت (متى 12: 9-14)، أصبح الفريسيون أكثر عداءً له. يوضح هذا الحدث، وآخرون مثله، كيف أظهر يسوع سلطته على كل من المرض والقانون، مما أثار جدلاً حول تفسير الشريعة والسبت.
يستمر هذا الفصل باقتباس من إشعيا 42: 1-4، وهو جزء من نبوءة عن “عبد الرب”. في هذا السياق، يرى المسيحيون أن يسوع هو تحقيق لهذه النبوءة. تصف الآية طبيعة يسوع المتواضعة والرحيمة، وتؤكد أن مهمته ستكون في النهاية عالمية.
نص الآية وتفسيرها
نص متى 12:20 هو:
“قصبةً مرضوضةً لا تقصف، وفتيلاً مدخنًا لا يطفئ، حتى يخرج الحق إلى النصرة.”
هذه العبارة هي اقتباس من إشعيا 42: 3. يقدم لنا هذا النص وصفًا رمزيًا لطبيعة يسوع. دعونا نحلل كل جزء:
- “قصبةً مرضوضةً لا تقصف”: تشير “القصبة المرضوضة” إلى النباتات المكسورة أو الضعيفة. يشير هذا إلى الأشخاص الذين يعانون، والذين يعانون من اليأس، والذين يشعرون بالضيق بسبب الحياة. يؤكد يسوع أنه لن يكسر هؤلاء. بل على العكس، سيقدم لهم العناية والشفاء.
- “فتيلاً مدخنًا لا يطفئ”: “الفتيل المدخن” هو شمعة أو مصباح يوشك أن ينطفئ، ويدخن بالكاد. يمثل هذا الأشخاص الذين بدأت إيمانهم أو رجائهم في التلاشي. بدلاً من إخماد هذا الأمل، يعد يسوع بتغذيته والحفاظ عليه.
- “حتى يخرج الحق إلى النصرة”: يؤكد هذا الجزء أن هدف يسوع النهائي هو تحقيق العدالة والحق في جميع أنحاء العالم. لن يتخلى يسوع عن مهمته حتى يتم تأسيس العدالة بشكل كامل.
بشكل عام، تقدم الآية صورة ليسوع كشخص رحيم وصبور، مهتم بالضعفاء والمهمشين. إنه لا يسعى إلى تدمير أو إدانة، بل إلى الشفاء والترميم. إنه يمثل رحمة الله وحبه للعالم.
الأهمية اللاهوتية
تحمل متى 12:20 أهمية كبيرة في اللاهوت المسيحي لأسباب عديدة:
- طبيعة المسيح: تؤكد الآية على طبيعة يسوع اللطيفة والرحيمة. يظهر أنه ليس دكتاتورًا قاسيًا، بل هو الراعي الصالح الذي يهتم بأضعف أعضائه.
- مهمة المسيح: يوضح المقطع أن مهمة يسوع تتجاوز مجرد تقديم المبادئ الأخلاقية. يتعلق الأمر أيضًا بإحضار الشفاء والرجاء والعدالة للعالم.
- العلاقة بالإنجيل: يربط الاقتباس من إشعيا بين العهد القديم والعهد الجديد، مما يؤكد أن يسوع هو تحقيق للنبوءات. هذا يوضح أن رسالة يسوع ليست جديدة، بل هي تتويج لمشيئة الله المعلنة على مر العصور.
- الرجاء والخلاص: تقدم الآية رسالة رجاء للجميع، وخاصة أولئك الذين يشعرون بالضياع أو اليأس. يظهر يسوع كشخص مستعد لقبولهم وشفائهم.
المقارنات مع الآيات الأخرى
يمكن مقارنة متى 12:20 بآيات أخرى في الكتاب المقدس لتعزيز فهمنا لرسالة يسوع:
- متى 11:28-30: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. احملوا نيري، وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف.” يعكس هذا المقطع شعورًا مشابهًا بالرحمة والراحة التي يقدمها يسوع.
- يوحنا 3:16: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.” هذه الآية توضح حب الله للعالم وإرساله لابنه لتقديم الخلاص، وهو ما يتماشى مع الرسالة التي تظهر في متى 12:20.
- إشعيا 53:3: “مُحْتَقَرٌ وَمَرْفُوضٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمَنْ يُسْتَرُ عَنْهُ الْوُجُوهُ. مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.” يقدم هذا المقطع وصفًا لعبد الرب الذي يعاني، والذي يتماشى مع صورة يسوع في متى 12:20.
الرسالة العملية
بالإضافة إلى أهميتها اللاهوتية، تقدم متى 12:20 رسالة عملية للمؤمنين. تشجعنا الآية على:
- الرحمة: أن نكون رحماء ومتفهمين تجاه الآخرين، وخاصة أولئك الذين يعانون.
- الصبر: أن نكون صبورين مع أولئك الذين يعانون من الصعوبات، وأن نقدم لهم الدعم الذي يحتاجونه.
- الرجاء: أن نحافظ على الأمل في مواجهة الشدائد، وأن نؤمن بأن الله يعمل في جميع الظروف.
- الخدمة: أن نتبع مثال يسوع في خدمة الآخرين، ومساعدة أولئك الذين يحتاجون إلى الشفاء والترميم.
التأثير الثقافي والفني
أثرت متى 12:20 على الفن والأدب والموسيقى عبر التاريخ. لقد ألهمت هذه الآية العديد من الفنانين والكتاب والملحنين لإنشاء أعمال فنية تعبر عن رحمة المسيح ورجائه. على سبيل المثال، غالبًا ما تصور اللوحات يسوع وهو يعتني بالمرضى والضعفاء. ألهمت الآية أيضًا كتابة الترانيم والأغاني التي تعبر عن حب الله ورعايته.
الخلافات والتفسيرات
على الرغم من أن متى 12:20 هي آية واضحة نسبيًا، إلا أن هناك بعض النقاط التي يمكن أن تثير النقاش:
- من هم “القصبة المرضوضة” و”الفتيل المدخن”؟ على الرغم من أن التفسير الأساسي هو أنهم يمثلون الأشخاص الذين يعانون والضعفاء، إلا أن هناك بعض الجدل حول تطبيق هذا على مجموعات أو أفراد معينين.
- ما هو “الحق” الذي يخرج إلى النصرة؟ يرى البعض أن هذا يشير إلى العدالة الاجتماعية، بينما يرى آخرون أنه يشير إلى الحق الإلهي.
بشكل عام، يظل المعنى الأساسي للآية واضحًا: يسوع هو شخص رحيم ومهتم بالجميع.
الخاتمة
متى 12:20 هي آية قوية تقدم لنا صورة ليسوع كشخص رحيم وصبور ومهمته هي جلب الشفاء والرجاء والعدالة للعالم. إنه يقدم رسالة رجاء للجميع، ويذكرنا بأهمية الرحمة والصبر والإيمان. لقد أثرت هذه الآية على الثقافة والفن، وتواصل إلهام المؤمنين في جميع أنحاء العالم.
المراجع
- Bible Gateway – Matthew 12:20
- Encyclopaedia Britannica – Gospel According to Matthew
- Christianity Today – Matthew Bible Study
- Perseus Digital Library – Matthew 12
“`