السياق الكتابي
لكي نفهم متى 14:31 بشكل كامل، يجب علينا أولاً أن ننظر إلى السياق الأوسع الذي وردت فيه هذه الآية. تبدأ القصة في متى 14:22، حيث يأمر يسوع تلاميذه بالصعود إلى القارب والعبور إلى الجانب الآخر من البحيرة، بينما يصرف الجموع. ثم يذهب هو للصلاة بمفرده.
بعد حلول الليل، بينما كان التلاميذ في عرض البحر، تعرض القارب لعاصفة شديدة. يظهر يسوع لهم، وهو يسير على الماء. يخاف التلاميذ في البداية، معتقدين أنه شبح. ولكن يسوع يهدئهم، قائلاً: “تشجعوا! أنا هو. لا تخافوا.” (متى 14:27).
عندئذٍ، يتجرأ بطرس ويطلب من يسوع أن يأمره بالمجيء إليه على الماء. يجيب يسوع: “تعال.” (متى 14:29). يبدأ بطرس بالسير على الماء نحو يسوع. ومع ذلك، عندما يرى بطرس الرياح العاتية، يخاف ويبدأ في الغرق. يصرخ بطرس: “يا رب، نجني!” (متى 14:30).
متى 14:31 هي استجابة يسوع لصرخة بطرس: “ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟” (متى 14:31).
في الأصل اليوناني
لفهم المعنى الدقيق لمتى 14:31، من المفيد النظر إلى النص الأصلي باللغة اليونانية. إليك النص اليوناني للآية، مع الترجمة الحرفية للكلمات:
καὶ (kai) – و
εὐθὺς (euthus) – على الفور
ἐπέβαλεν (epebalen) – مدّ
τὴν (tēn) – يده
χεῖρα (kheira) – يده
ὁ (ho) – هو
Ἰησοῦς (Iēsous) – يسوع
καὶ (kai) – و
ἐκράτησεν (ekratēsen) – أمسك
αὐτοῦ (autou) – به
καὶ (kai) – و
λέγει (legei) – قال
αὐτῷ (autō) – له
ὀλιγόπιστε (oligopiste) – يا قليل الإيمان
εἰς (eis) – إلى
τί (ti) – لماذا
ἐδίστασας (edistasas) – شككت؟
تُظهر هذه الترجمة الحرفية كيف يمد يسوع يده على الفور لإنقاذ بطرس. كلمة “ὀλιγόπιστε” (oligopiste) تعني حرفيًا “قليل الإيمان”. يمثل هذا الوصف جوهر رسالة يسوع لبطرس. يسأله يسوع لماذا شكّ. يوضح هذا السؤال أهمية الإيمان في مواجهة الشدائد.
تحليل الآية
متى 14:31 تحمل في طياتها العديد من المعاني الهامة. دعونا نحلل بعض الجوانب الرئيسية:
- تدخل يسوع السريع: يمد يسوع يده على الفور لإنقاذ بطرس. هذا يُظهر رحمة يسوع واستعداده للمساعدة في أوقات الحاجة. إنه يؤكد على أهمية الثقة به حتى في أحلك اللحظات.
- عتاب يسوع اللطيف: وصف يسوع لبطرس بـ “قليل الإيمان” ليس هجومًا قاسيًا، بل هو دعوة للتدبر. إنه يهدف إلى توجيه بطرس إلى فهم سبب غرق.
- أهمية الإيمان: يشير سؤال يسوع إلى أهمية الإيمان. يوضح أن الشك يمكن أن يؤدي إلى الخوف والفشل. يمثل الإيمان الثقة بيسوع والثقة بقدرته على دعمنا.
- العلاقة بين الإيمان والأعمال: تشير القصة إلى أن الإيمان ضروري، ولكنه ليس كافيًا. بطرس بدأ بالسير على الماء بإيمان، ولكن عندما بدأ يشك، غرق. هذا يوضح العلاقة المعقدة بين الإيمان والأعمال، وكيف يمكن أن يتأثر أحدهما بالآخر.
دروس مستفادة
تقدم متى 14:31 العديد من الدروس القيمة التي يمكن تطبيقها على حياتنا اليومية:
- الثقة في يسوع في الشدائد: عندما نواجه صعوبات، من الضروري أن نتمسك بإيماننا بيسوع. يجب أن نثق بأنه موجود معنا وأنه قادر على مساعدتنا.
- التغلب على الشك: يجب أن ندرك تأثير الشك ونعمل على التغلب عليه. يمكن أن يؤدي الشك إلى الخوف والقلق، اللذين يمكن أن يضعفان إيماننا.
- طلب المساعدة: مثل بطرس، يجب ألا نتردد في طلب المساعدة عندما نحتاج إليها. يسوع موجود دائمًا ليساعدنا وينقذنا.
- النمو في الإيمان: يجب أن نسعى جاهدين لتقوية إيماننا من خلال الدراسة والصلاة والتواصل مع الآخرين. كلما زاد إيماننا، أصبحنا أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.
تطبيقات عملية
يمكن تطبيق دروس متى 14:31 على مجالات مختلفة من حياتنا:
- الحياة الروحية: يجب أن نركز على تقوية علاقتنا بيسوع من خلال الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والتأمل.
- العلاقات: يجب أن نبني علاقاتنا على الثقة والإيمان ببعضنا البعض.
- العمل: يجب أن نثق في قدراتنا ونواجه التحديات بإيمان.
- الصحة العقلية: يجب أن نطلب المساعدة عند الحاجة وأن نعمل على التغلب على الشك والقلق.
متى 14:31 هي تذكير قوي بأهمية الإيمان والثقة بيسوع. إنها دعوة لنا جميعًا لنتخلص من الشك ونثق به في كل جوانب حياتنا.
تفسيرات إضافية
بالإضافة إلى المعاني المذكورة أعلاه، هناك تفسيرات أخرى لمتى 14:31:
- رمزية الماء: يرمز الماء غالبًا إلى الاضطراب والشدائد. يمشي يسوع على الماء، مما يوضح سيطرته على هذه الاضطرابات.
- رمزية الرياح: يمكن أن تمثل الرياح صعوبات الحياة. عندما يرى بطرس الرياح، يبدأ في الشك، مما يمثل كيف يمكن للصعوبات أن تؤثر على إيماننا.
- رمزية بطرس: يمثل بطرس المؤمن الذي يواجه تحديات. يُظهر صراعه مع الشك أهمية الإيمان في التغلب على هذه التحديات.
من خلال دراسة هذه الرمزية، يمكننا أن نعمق فهمنا لمتى 14:31.
الأهمية المستمرة
تستمر أهمية متى 14:31 على مر العصور. إنها رسالة أمل وإلهام لجميع المؤمنين. إنها تذكرنا بأهمية الإيمان والثقة بيسوع في مواجهة الشدائد. إنها تشجعنا على التخلص من الشك والسير في الإيمان.
القصة، كما هو موضح في إنجيل متى، تعكس أيضًا جوانب من طبيعة يسوع: قوته، رحمته، وقدرته على مساعدة أولئك الذين يدعونه.
خاتمة
متى 14:31 هي آية ذات أهمية كبيرة في الكتاب المقدس. إنها جزء من قصة رائعة تصف يسوع يمشي على الماء وتلاميذه. من خلال هذه الآية، نتعلم عن أهمية الإيمان والثقة في يسوع، وعن عواقبه على الشك. إنها دعوة لنا جميعًا للتغلب على شكوكنا والتمسك بإيماننا بيسوع في كل جوانب حياتنا. إنها تذكرنا بأن يسوع دائمًا موجود لمساعدتنا وأننا لسنا وحدنا في مواجهة الشدائد. من خلال الدراسة المتأنية، يمكننا اكتشاف المزيد من المعاني والدروس القيمة التي يمكن تطبيقها في حياتنا اليومية.
المراجع
- Bible Gateway – Matthew 14:31
- Encyclopaedia Britannica – Gospel According to Matthew
- Christianity Today – Why Did Peter Sink?
- Ligonier Ministries – Walking on Water
“`