السياق العام
لفهم متى 12: 23 بشكل كامل، من الضروري وضعه في سياقه الأوسع. يروي الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى العديد من الأحداث التي وقعت في حياة يسوع، بما في ذلك:
- شفاء الرجل ذي اليد اليابسة في يوم السبت (متى 12: 9-14)
- خدمة يسوع (متى 12: 15-21)
- اتهام يسوع بأنه يخرج الشياطين بواسطة بعلزبول (متى 12: 22-24)
- موقف يسوع من التجديف على الروح القدس (متى 12: 31-32)
- علامة يونان (متى 12: 38-42)
- العودة إلى الروح الشريرة (متى 12: 43-45)
يقع متى 12: 23 مباشرة بعد أن أحضروا إلى يسوع رجلاً أعمى وأبكم مسكونًا بالشيطان. شفى يسوع هذا الرجل، مما أثار دهشة وحيرة الجماهير. هذا السياق هو المفتاح لفهم معنى الآية.
نص الآية وتحليلها
نص متى 12: 23 كما يلي: “فتحيّر كلّ الجموع وقالوا: ألعله هذا هو ابن داود؟”. دعنا نحلل هذه الآية كلمة بكلمة:
- “فتحيّر”: تعني هذه الكلمة أن الجماهير كانت في حالة من الدهشة أو الحيرة. لقد فوجئوا بقوة يسوع ومعجزاته. لقد رأوا للتو الرجل الأعمى والأبكم يتعافى، ولم يعرفوا كيف يفسرون هذا.
- “كلّ الجموع”: هذه العبارة تؤكد أن رد الفعل كان واسع الانتشار. لم يكن مجرد عدد قليل من الناس هم الذين تفاجأوا، بل كان الجميع حاضرين.
- “وقالوا”: تشير هذه الكلمة إلى أن الجماهير عبرت عن حيرتها بصوت عالٍ. لقد تحدثوا مع بعضهم البعض، وتساءلوا عما كان يحدث.
- “ألعله هذا هو ابن داود؟”: هذا هو السؤال المركزي في الآية. يشير “ابن داود” إلى المسيح المتوقع، الملك المسياوي الذي وعد به الله في العهد القديم. كان هذا السؤال يعكس إيمانهم المتزايد بأن يسوع قد يكون المسيح.
وبشكل عام، تظهر الآية أن الجماهير كانت في حالة من الذهول والدهشة بسبب معجزات يسوع. لقد بدأوا في التساؤل عما إذا كان يسوع هو المسيح الذي طال انتظاره. هذا السؤال مهم لأنه يمثل نقطة تحول في إنجيل متى. يظهر هذا التحول كيف أن رد فعل الجماهير كان مزدوجاً. البعض اعتقد أنه المسيح، بينما آخرون، وخاصة الفريسيين، كانوا أكثر تشككاً.
أهمية الآية
لم يتوقف الأمر عند مجرد إثارة الدهشة أو التساؤل لدى الجماهير، بل كان لهذا الحدث أهمية كبيرة:
- إعلان عن هوية يسوع: يظهر هذا السؤال أن الجماهير بدأت تدرك أن يسوع قد يكون هو المسيح. هذا هو الإعلان الأول عن هوية يسوع في إنجيل متى.
- تصوير ردود الفعل تجاه يسوع: يعكس رد فعل الجماهير ردود الفعل المتنوعة تجاه يسوع. يظهر هذا كيف أن بعض الناس آمنوا به، بينما كان آخرون متشككين أو حتى معارضين.
- تهيئ الأحداث القادمة: تمهد هذه الآية الطريق للأحداث التالية في إنجيل متى. تتزايد شعبية يسوع، لكن معارضة قادته الدينيين تزداد أيضًا.
- الدور الإيماني: يوضح هذا النص أن الإيمان بيسوع بدأ ينتشر بين الناس. إنهم يقررون ما إذا كانوا سيتبعونه أو يرفضونه.
بمعنى آخر، متى 12: 23 هي لحظة حاسمة في رواية متى. إنها تضع الأساس للأسئلة والإجابات التي ستحدد مسار بقية قصة يسوع.
التباين بين ردود الفعل
من المهم ملاحظة أن رد فعل الجماهير كان مختلفًا عن رد فعل الفريسيين. بينما تساءلت الجماهير عما إذا كان يسوع هو المسيح، اتهمه الفريسيون بأنه يخرج الشياطين بواسطة بعلزبول. يوضح هذا التباين التباين بين من يؤمنون بيسوع ومن يرفضونه. كان هذا التباين له تأثير كبير على خدمة يسوع في وقت لاحق.
كان الفريسيون قادة دينيين ذوي سلطة ونفوذ. رفضهم ليسوع كان له عواقب وخيمة. لقد سعوا إلى تشويه سمعته، وإحباط عمله، وفي النهاية قتله. على الرغم من أن الفريسيين كانوا أعداء ليسوع، فقد كان للإيمان القوي بين الجماهير تأثير كبير على خدمة يسوع.
العلاقة بالعهد القديم
يرتبط التساؤل عما إذا كان يسوع هو “ابن داود” ارتباطًا وثيقًا بالنبوات في العهد القديم. وعد الله داود بأنه سيقيم ملكًا من نسله ليحكم إلى الأبد (صموئيل الثاني 7: 12-16). اعتقد اليهود أن هذا الملك سيكون المسيح، الذي سيحررهم من قمعهم ويؤسس مملكة الله على الأرض.
تظهر هذه النبوءات في العديد من الأماكن في العهد القديم، بما في ذلك:
- المزامير: يصف المزمور 2، على سبيل المثال، المسيح بأنه ابن الله الذي سيحكم الأمم.
- إشعياء: يتنبأ إشعياء 9: 6-7 بميلاد ملك عظيم من نسل داود، والذي ستكون مملكته إلى الأبد.
- إرميا: يتنبأ إرميا 23: 5-6 بقيام فرع عادل من نسل داود، والذي سيحكم بالعدل والبر.
عندما تساءلت الجماهير عما إذا كان يسوع هو ابن داود، كانوا يربطون أفعاله ونشأته بالنبوءات في العهد القديم. لقد رأوا في يسوع علامات على أنه قد يكون المسيح الذي طال انتظاره. هذه هي النقطة التي يركز عليها متى في إنجيله. لقد أظهر أن يسوع هو المسيح الذي طال انتظاره، والذي تحققت فيه جميع النبوءات.
تطبيق الآية في حياتنا
حتى اليوم، تحمل متى 12: 23 رسالة ذات صلة. إنها تذكرنا بأهمية التفكير في هوية يسوع. هل هو حقاً ابن الله؟ هل هو المسيح الذي وعد به؟
عندما نفكر في هذه الأسئلة، يجب أن ننظر إلى:
- أعمال يسوع: هل أظهر يسوع قوة الله في معجزاته؟ هل أظهر الحب والرحمة والإحسان؟
- تعاليم يسوع: هل تعاليمه صحيحة وذات مغزى؟ هل تقدم إجابات لأسئلة الحياة؟
- قيامة يسوع: هل قيامة يسوع من بين الأموات دليل على ألوهيته؟
عندما نبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، يمكننا أن نصل إلى نفس استنتاج الجماهير في متى 12: 23: أن يسوع هو المسيح، ابن الله. هذا الإيمان يمكن أن يغير حياتنا، مما يمنحنا الأمل والهدف والمعنى.
بالإضافة إلى ذلك، تعلمنا متى 12: 23 أهمية ردود الفعل تجاه يسوع. يجب أن نكون على دراية بردود الفعل المختلفة تجاه يسوع. يجب أن ندرك أن هناك من يؤمنون به، وهناك من يرفضونه. يجب أن نختار أن نؤمن بيسوع وأن نتبعه. هذه الخطوة هي مفتاح الحياة الأبدية.
خاتمة
متى 12: 23 هي آية قوية تقدم نظرة ثاقبة على ردود الفعل تجاه يسوع خلال خدمته الأرضية. إنها تسلط الضوء على الدهشة والحيرة التي شعر بها الجماهير بعد رؤية معجزات يسوع، والتساؤل عما إذا كان هو المسيح المنتظر. هذا السؤال هو جوهر الإنجيل، ويمثل نقطة تحول في رواية متى. من خلال فهم سياق هذه الآية وأهميتها، يمكننا أن نتعمق في إيماننا بيسوع ونقدر بشكل أكبر الرسالة التي أراد يسوع إيصالها. يمكننا أن نفهم أن الإيمان بيسوع هو المفتاح للحياة الأبدية.
المراجع
- Bible Gateway: Matthew 12:23
- Encyclopaedia Britannica: Gospel According to Matthew
- Got Questions: What does Matthew 12:23 mean?
- StudyLight: Matthew 12 Commentary
“`