السياق العام
لفهم متى 10:36 بشكل صحيح، من الضروري وضعها في سياقها الأوسع. يركز الفصل العاشر من إنجيل متى على إرسال يسوع لـ الاثني عشر تلميذًا في مهمة لتبشير اليهود. يزودهم يسوع بتوجيهات حول كيفية القيام بذلك، بما في ذلك ما يجب عليهم فعله وما يجب عليهم تجنبه. كما يحذرهم من المعارضة التي سيواجهونها، ويشجعهم على عدم الخوف. تتناول الآيات الأخرى في هذا الفصل موضوعات مثل اضطهاد المؤمنين، وأهمية الاعتراف بيسوع أمام الآخرين، والحاجة إلى تحمل الصليب.
الآية نفسها
تنص الآية 36 من متى 10 على ما يلي: “وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ”. هذه العبارة موجزة وقوية، وتثير العديد من الأسئلة. يشير يسوع هنا إلى أن قبول الإنجيل قد يؤدي إلى انقسام داخل العائلات. يمكن أن يصبح أقرب الناس إلى الشخص – عائلته – أعداء له بسبب إيمانه الجديد.
تحليل الآية
لفهم معنى الآية بشكل كامل، من الضروري تحليلها بعناية. تشير كلمة “أعداء” إلى أولئك الذين يعارضون الشخص أو يعارضونه. في هذه الحالة، يشير يسوع إلى أن أفراد عائلة الشخص قد يعارضونه بسبب إيمانه. هذا لا يعني بالضرورة أن العائلة ستصبح عنيفة أو مؤذية جسديًا، على الرغم من أن هذا قد يكون هو الحال في بعض الحالات. بدلاً من ذلك، يشير إلى أن هناك صراعًا روحيًا في اللعب. قد يرفض أفراد العائلة قبول الإنجيل، أو يسخرون من إيمان الشخص، أو يحاولون إبعاده عن مسيحيته. هذا يمكن أن يؤدي إلى توتر وعلاقات متوترة.
العبارة “أهل بيته” تشير إلى عائلة الشخص، بمن فيهم الوالدين والأخوة والأخوات والأبناء. هذه هي العلاقات الأكثر حميمية والأكثر أهمية في حياة معظم الناس. إن فكرة أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يصبحوا أعداء للشخص بسبب إيمانه هي فكرة صعبة ومؤلمة. ومع ذلك، فإن يسوع لا يخفي هذه الحقيقة عن تلاميذه. إنه يعلمهم أن الإيمان بالإنجيل قد يأتي بثمن، وأنهم يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذا الثمن.
أسباب الانقسام العائلي
هناك عدة أسباب محتملة للانقسام العائلي بسبب الإيمان بالإنجيل:
- الرفض الثقافي: في بعض الثقافات، يعتبر الإيمان بالمسيحية غريبًا أو مرفوضًا. قد ترفض العائلة الشخص بسبب تحوله الديني، خاصة إذا كانت تعتنق ديانة أخرى.
- الخوف: قد تخاف العائلة على الشخص، وتعتقد أن الإيمان بالمسيحية سيؤدي إلى مشاكل أو خطر.
- الخلافات العقائدية: قد تختلف العائلة مع الشخص حول العقيدة المسيحية. قد لا يفهمون أو يوافقون على معتقداته الجديدة.
- الغيرة: قد تشعر العائلة بالغيرة من التغيير في حياة الشخص، أو من اهتمامه بالإيمان بدلاً من الأشياء الأخرى.
- عدم الفهم: قد لا تفهم العائلة التغييرات التي تحدث في حياة الشخص، أو لماذا هو متحمس جدًا لإيمانه الجديد.
التحديات التي يواجهها المؤمن
يواجه المؤمنون تحديات كبيرة عندما يواجهون معارضة من عائلاتهم. بعض هذه التحديات تشمل:
- الشعور بالوحدة: قد يشعر المؤمن بالعزلة والوحدة عندما يواجه الرفض من عائلته.
- الصراع الداخلي: قد يواجه المؤمن صراعًا داخليًا بين واجبه تجاه عائلته والتزامه بإيمانه.
- الحزن: قد يشعر المؤمن بالحزن على فقدان العلاقة مع عائلته.
- الضغط: قد يتعرض المؤمن للضغط لإنكار إيمانه أو العودة إلى معتقداته السابقة.
- العنف: في بعض الحالات، قد يتعرض المؤمن للعنف الجسدي أو اللفظي من قبل عائلته.
كيفية التعامل مع هذا الوضع
على الرغم من صعوبة هذا الوضع، هناك عدة طرق يمكن للمؤمنين من خلالها التعامل معه. بعض هذه الطرق تشمل:
- الصلاة: يجب على المؤمن أن يصلي بانتظام من أجل عائلته، ويسأل الله أن يفتح قلوبهم للإنجيل.
- المحبة: يجب على المؤمن أن يحب عائلته بغض النظر عن موقفهم من إيمانه. يجب أن يظهر المحبة والصبر والرحمة.
- الصبر: يجب على المؤمن أن يكون صبورًا، وأن يفهم أن تغيير قلب شخص ما يستغرق وقتًا.
- المثل: يجب على المؤمن أن يعيش حياة مسيحية نموذجية، وأن يمثل المسيح في سلوكه وأفعاله.
- التواصل: يجب على المؤمن أن يتواصل بصراحة مع عائلته، ويشرح لهم إيمانه وكيف غير حياته.
- طلب المساعدة: يجب على المؤمن أن يطلب المساعدة من القادة الروحيين أو المستشارين إذا لزم الأمر.
- تحديد الحدود: قد يحتاج المؤمن إلى تحديد حدود مع عائلته لحماية صحته العقلية والروحية. هذا قد يعني تقليل الوقت الذي يقضيه معهم، أو رفض المشاركة في الأنشطة التي تتعارض مع إيمانه.
أهمية الآية اليوم
متى 10:36 لا تزال ذات صلة كبيرة بالمؤمنين اليوم. في جميع أنحاء العالم، يواجه العديد من المسيحيين معارضة من عائلاتهم بسبب إيمانهم. قد يكون هذا الرفض حادًا أو خفيًا، ولكنه لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا. تشجع هذه الآية المؤمنين على الاستعداد للمعاناة، وعلى الثقة في الله في جميع الظروف. إنها تذكرنا بأن العلاقة مع المسيح يجب أن تكون أولوية قصوى، حتى على العلاقات مع العائلة. كما أنها تقدم عزاءً، حيث تظهر أن يسوع يدرك الصعوبات التي يواجهها المؤمنون، وأنه موجود ليدعمهم.
تفسير الآية في سياقات أخرى
هذه الفكرة عن الانقسام العائلي ليست فريدة من نوعها في متى 10:36. تظهر أيضًا في آيات أخرى في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، في لوقا 12:51-53، يقول يسوع: “أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لِأُعْطِيَ سَلَامًا فِي ٱلْأَرْضِ؟ كَلَّا، أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ انْقِسَامًا. لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ ٱلْآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلَاثَةٌ عَلَى ٱثْنَيْنِ، وَٱثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. يَنْقَسِمُ ٱلْأَبُ عَلَى ٱلِابْنِ، وَٱلِابْنُ عَلَى ٱلْأَبِ، وَٱلْأُمُّ عَلَى ٱلْبِنْتِ، وَٱلْبِنْتُ عَلَى ٱلْأُمِّ، وَٱلْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَٱلْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا.”
يوضح هذا المقطع أن الإنجيل قد يؤدي إلى صراع وانقسام داخل العائلات. يسوع لا يسعى إلى إحداث الانقسام، لكنه يدرك أنه قد يكون نتيجة لتبشير الإنجيل. غالبًا ما يكون هذا الانقسام مؤقتًا، ولكن في بعض الحالات، قد يستمر طويلاً.
بالإضافة إلى ذلك، هناك آيات أخرى في الكتاب المقدس تشجع المؤمنين على احترام عائلاتهم، حتى لو اختلفوا معهم. على سبيل المثال، في رومية 12:18، يقول بولس: “إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ، سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ.” هذا يعني أنه يجب على المؤمنين أن يبذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على السلام مع جميع الناس، بما في ذلك عائلاتهم، قدر الإمكان. ومع ذلك، فإن هذا السلام لا ينبغي أن يأتي على حساب الإيمان.
دور المحبة في التعامل مع المعارضة
المحبة هي مفتاح التعامل مع المعارضة من العائلة. عندما يواجه المؤمن معارضة، يجب عليه أن يظهر محبة غير مشروطة لعائلته. هذا يعني أن يحبهم بغض النظر عن طريقة معاملتهم له، أو عن معتقداتهم. يجب أن تكون المحبة واضحة في سلوك المؤمن وأقواله وأفعاله. يجب أن يغفر لهم، ويصلي من أجلهم، ويحاول أن يفهم وجهة نظرهم.
المحبة يمكن أن تفعل الكثير لتخفيف التوتر في العلاقات العائلية. يمكن أن تساعد في بناء الجسور، وفتح خطوط الاتصال، وكسر الحواجز. يمكن أن تجعل المحبة الآخرين أكثر استعدادًا للاستماع إلى وجهة نظر المؤمن، وحتى للتفكير في إيمانه. المحبة هي أقوى أداة لدينا في التعامل مع المعارضة، وهي تعكس طبيعة الله نفسه.
أهمية الثبات في الإيمان
الثبات في الإيمان هو أمر بالغ الأهمية عندما نواجه معارضة من العائلة. هذا يعني التمسك بإيماننا، وعدم التنازل عن معتقداتنا، حتى في مواجهة الصعوبات. يجب أن نكون على استعداد لتحمل الصليب، وأن نعترف بيسوع أمام الآخرين، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة الرفض. يجب أن نعتمد على الله للحصول على القوة والحكمة، وأن نثق في أنه سيعتني بنا. يجب أن نتذكر أن إيماننا هو أعظم كنز لدينا، وأنه يستحق أن نضحي من أجله بكل شيء.
عندما نثبت في إيماننا، فإننا نشهد على قوة الإنجيل. يمكن أن يروننا أفراد عائلتنا، ونرى ثباتنا، ونرى المحبة التي لدينا، ويبدأون في التساؤل عن إيمانهم. قد يؤدي هذا إلى تغيير في قلوبهم، وحتى إلى خلاصهم. الثبات في الإيمان هو أداة قوية للشهادة، ويمكن أن يكون له تأثير كبير على الآخرين.
تجنب ردود الفعل السلبية
من المهم تجنب ردود الفعل السلبية عند التعامل مع المعارضة من العائلة. يجب ألا ننتقم، أو نشارك في الجدال، أو نصبح مريرين أو غاضبين. يجب ألا نطلق الأحكام على عائلتنا، أو نستخدم إيماننا لإدانتهم. يجب أن نتذكر أننا مدعوون إلى محبة أعدائنا، وأن نصلي من أجل أولئك الذين يسيئون إلينا. يجب أن نتحلى بالصبر والرحمة، وأن نترك لله مهمة تغيير القلوب.
تشمل ردود الفعل السلبية الشائعة:
- الغضب: يمكن أن يؤدي الغضب إلى تفاقم الموقف، وإبعاد الآخرين.
- المرارة: يمكن أن تجعل المرارة الشخص يركز على السلبية، وتمنعه من رؤية الخير.
- الجدال: يمكن أن يؤدي الجدال إلى صراع مستمر، ويصعب إيجاد حل.
- التقليل: قد يحاول الشخص التقليل من أهمية معارضة عائلته، مما قد يجعلهم يشعرون بعدم التقدير.
بناء علاقات صحية
على الرغم من أن متى 10:36 تتحدث عن الانقسام، إلا أنها لا تعني أن علينا أن نكون في صراع دائم مع عائلاتنا. بدلاً من ذلك، يجب أن نسعى جاهدين لبناء علاقات صحية، حتى لو اختلفنا في المعتقدات. يتضمن بناء علاقات صحية ما يلي:
- التواصل الجيد: يجب أن نتواصل بصراحة وصدق مع عائلاتنا. يجب أن نعبر عن مشاعرنا وأفكارنا بطريقة محترمة.
- الاستماع النشط: يجب أن نستمع إلى عائلاتنا، ونحاول أن نفهم وجهة نظرهم، حتى لو كنا لا نتفق معهم.
- احترام الحدود: يجب أن نحترم حدود عائلاتنا، حتى لو لم نتفق معهم.
- التسامح: يجب أن نسامح عائلاتنا على أخطائهم، وأن نترك الماضي يمضي.
- البحث عن أرضية مشتركة: يجب أن نحاول إيجاد أرضية مشتركة مع عائلاتنا، والتركيز على الأشياء التي نتفق عليها.
خاتمة
متى 10:36 هي آية قوية وصادقة حول التحديات التي قد يواجهها المؤمنون في حياتهم. تعلمنا هذه الآية أن الإيمان بالإنجيل قد يؤدي إلى انقسام في العائلات، وأننا يجب أن نكون مستعدين لمواجهة هذا التحدي. تشجعنا الآية على الثقة في الله، وعلى محبة عائلاتنا، وعلى الثبات في إيماننا. من خلال القيام بذلك، يمكننا أن نشهد على قوة الإنجيل، وحتى نساعد عائلاتنا على إيجاد الخلاص.