السياق العام لمتى 9
لفهم متى 9:37 بشكل كامل، من الضروري النظر في السياق العام للفصل التاسع من إنجيل متى. يبدأ هذا الفصل بوصف معجزات يسوع المتتالية، بما في ذلك شفاء المريضين، وغفران الخطايا، ودعوته لمتى (لاوي) ليتبعه. يظهر يسوع في هذا الفصل على أنه صاحب السلطان على المرض والخطية، ويُظهر رحمته للآخرين. يوضح الفصل أيضًا التحديات التي واجهها يسوع من الفريسيين والكتبة، الذين كانوا ينتقدونه بسبب اختلاطه بالخطاة. يظهر هذا الفصل تحولًا في خدمة يسوع، حيث يبدأ في التركيز على تدريب تلاميذه وإعدادهم للرسالة.
معنى متى 9:37
الآية 37 من متى 9 تقول: “حينئذ قال لتلاميذه: الحصاد كثير، ولكن العاملين قليلون.” هذه الكلمات هي جزء من حديث أوسع ليسوع مع تلاميذه. بعد أن رأى يسوع الجموع، “تحنن عليهم إذ كانوا كغنم لا راعي لها” (متى 9:36). هذه العبارة تصف حالة الشعب اليائسة روحياً. ثم وجه يسوع انتباه تلاميذه إلى الحصاد الكبير، في إشارة إلى انتشار رسالة الإنجيل والحاجة إلى المزيد من العمال لجمع هذا الحصاد.
تشير كلمة “الحصاد” هنا إلى الأشخاص الذين هم على استعداد لقبول رسالة الإنجيل. إنهم الأرواح التي تحتاج إلى الخلاص والرحمة. يمثل “العاملون” أولئك الذين يشاركون في نشر الإنجيل، سواء كانوا مبشرين أو قادة دينيين أو أي شخص آخر يكرس وقته وجهده لخدمة الآخرين والشهادة ليسوع المسيح.
الأهمية اللاهوتية
تحمل هذه الآية أهمية لاهوتية عميقة. أولاً، إنها تكشف عن رحمة يسوع وشفقته تجاه الناس. يرى يسوع احتياجاتهم الروحية ويتأثر بها. ثانيًا، تسلط الضوء على طبيعة رسالة الإنجيل. رسالة الإنجيل هي دعوة للجميع، والحصاد واسع. ثالثًا، تؤكد الآية على أهمية العمل في حقل الرب. يحتاج الإنجيل إلى من ينشره ويدافع عنه ويطبقه في حياة الناس.
- رحمة يسوع: يعكس هذا الجزء من الآية قلب يسوع الرحيم والمحب للجميع.
- اتساع الحصاد: يُظهر هذا أن رسالة الإنجيل مفتوحة للجميع بغض النظر عن خلفياتهم.
- الحاجة إلى العاملين: يؤكد على أهمية مشاركة المؤمنين في نشر رسالة الإنجيل.
تعتبر هذه الآية دعوة للمؤمنين للعمل بجد في مهمة نشر الإنجيل. فهي تذكرنا بأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى سماع رسالة الإنجيل وأننا مدعوون للمشاركة في هذا العمل.
التطبيق العملي
بالإضافة إلى أهميتها اللاهوتية، فإن متى 9:37 لها تطبيقات عملية مهمة في حياة المؤمنين. تشجع هذه الآية على:
- الصلاة: يحث يسوع تلاميذه على الصلاة لكي يرسل الرب “فعلة إلى حصاده” (متى 9:38). هذا يعني أننا مدعوون للصلاة من أجل زيادة عدد العاملين في حقل الرب.
- المشاركة في الخدمة: نشجع على أن نكون جزءًا من الحل. بدلاً من مجرد مشاهدة الاحتياجات الروحية للآخرين، يجب أن نشارك بنشاط في تلبية هذه الاحتياجات.
- التدريب والتمكين: يجب على المؤمنين أن يسعوا إلى التعلم والنمو الروحي ليكونوا أكثر فعالية في خدمة الرب.
- الوعظ والتعليم: إعلان رسالة الإنجيل للآخرين هو جوهر هذا الأمر.
- الدعم المالي: دعم المرسلين والمؤسسات الدينية الأخرى.
هذه الآية بمثابة تذكير بأن كل مؤمن مدعو للمشاركة في مهمة الرب. سواء من خلال الصلاة، أو الخدمة، أو الدعم المالي، أو الوعظ والتعليم، يمكننا جميعًا أن نساهم في جني الحصاد الروحي.
متى 9:37 في سياق الكتاب المقدس
لفهم متى 9:37 بشكل كامل، من الضروري النظر في كيفية تناسق هذه الآية مع تعاليم يسوع الأخرى. على سبيل المثال، تتناسب هذه الآية مع وصية يسوع بتلاميذه “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم” (متى 28:19). كما أنها تتوافق مع قصة مثل الزارع والبذور، حيث يمثل الحصاد الثمر الروحي لرسالة الإنجيل. يوضح الكتاب المقدس ككل أن الله يريد أن يخلص جميع الناس وأننا مدعوون للتعاون معه في تحقيق هذا الهدف.
بالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نرى في سفر أعمال الرسل كيف نفذ الرسل والتلاميذ الآخرون هذا الأمر. لقد سافروا إلى جميع أنحاء العالم، وبشروا بالإنجيل، وأسسوا الكنائس. هذا يعلمنا أننا يجب أن نكون مستعدين للانفتاح على الفرص التي يوفرها لنا الله لنشر رسالته.
الاستجابة لدعوة يسوع
كيف يجب أن نستجيب لدعوة يسوع؟ يجب أن ندرك أن الحصاد كبير حقًا وأن هناك حاجة ماسة إلى العمال. يجب أن نصلي من أجل المزيد من العمال وأن نسأل الله كيف يريد أن نخدم. يجب أن نكون على استعداد للخروج من مناطق راحتنا والوصول إلى الآخرين برسالة الإنجيل. يجب أن نتدرب ونمكّن الآخرين ليشاركوا في خدمة الرب. هذا يتضمن مشاركة إيماننا، وخدمة الآخرين، وتقديم الدعم المالي للمشاريع التبشيرية.
يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الدعوة لا تقتصر على القادة الدينيين أو المبشرين. بل هي دعوة لجميع المؤمنين. يمكننا أن نخدم الله في حياتنا اليومية من خلال أفعال اللطف والرحمة، ومن خلال مشاركة إيماننا مع الآخرين. مهما كان دورنا، فإننا مدعوون جميعًا للمشاركة في جني الحصاد.
أمثلة من التاريخ
على مر التاريخ، استجاب العديد من المؤمنين لدعوة يسوع. على سبيل المثال، عمل المبشرون مثل ويليام كاري، الذي سافر إلى الهند، على ترجمة الكتاب المقدس ونشر الإنجيل. هناك أمثلة لا حصر لها من الرجال والنساء الذين كرسوا حياتهم لخدمة الرب. كل منهم، ساهم في تحقيق الحصاد الروحي. كل منهم عمل بجد لجمع الحصاد، وكل منهم مثال على كيف يمكننا أن نستجيب لدعوة يسوع.
التحديات والفرص
تواجه مهمة الإنجيل تحديات في العصر الحديث. في كثير من المجتمعات، هناك مقاومة للرسالة المسيحية. قد يكون هناك اضطهاد للمؤمنين. ومع ذلك، هناك أيضًا فرص جديدة. مع التطورات في التكنولوجيا، يمكننا أن ننشر رسالة الإنجيل في جميع أنحاء العالم. يمكننا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت والوسائل الأخرى للوصول إلى الناس. هذا يوضح أن عمل الرب مستمر، ويوفر لنا فرصًا جديدة لنشر الإنجيل.
الروح القدس والعمل
يلعب الروح القدس دورًا حيويًا في عمل الإنجيل. يسوع وعد تلاميذه بأنه سيرسل الروح القدس ليكون معهم ويرشدهم. يعمل الروح القدس على تمكين المؤمنين للشهادة ليسوع المسيح. يعمل الروح القدس على إقناع الناس بالخطية والحاجة إلى الخلاص. إن التعاون مع الروح القدس هو جزء أساسي من الاستجابة لدعوة يسوع. يجب أن نطلب من الروح القدس أن يقودنا في عملنا وأن يمنحنا الحكمة والشجاعة.
التوازن في الخدمة
من المهم تحقيق التوازن في الخدمة. يجب أن نركز على الوعظ والتعليم، ولكن يجب علينا أيضًا إظهار محبة الله من خلال أفعال الخدمة. يجب أن نعتني بالفقراء والمحتاجين، ويجب أن نعمل من أجل العدالة الاجتماعية. يجب أن نتذكر أن الإنجيل يشمل الجسد والروح. يجب أن نسعى إلى أن نكون بمثابة نور للعالم، وأن نعكس محبة الله للجميع.
خاتمة
متى 9:37 هي دعوة لنا جميعًا للمشاركة في عمل الإنجيل. يرى يسوع الحصاد الكبير والحاجة إلى العمال. نحن مدعوون للصلاة من أجل المزيد من العمال، والمشاركة في الخدمة، والتدريب والتمكين، والوعظ والتعليم. يجب أن نستجيب لدعوة يسوع بالرحمة، والعمل الجاد، والإخلاص. عندما نفعل ذلك، سنساهم في جني الحصاد الروحي ونشهد قوة رسالة الإنجيل في حياتنا وحياة الآخرين.