سياق الآية
لفهم متى 11:27 بشكل كامل، من الضروري النظر إليها في سياقها الأوسع ضمن إنجيل متى. يسبق هذه الآية حديث يسوع عن يوحنا المعمدان (متى 11:7-19)، ثم يأتي بعدها حديث عن دعوة يسوع للراحة (متى 11:28-30). في هذا السياق، يعلن يسوع عن علاقته الفريدة بالله الآب، ويؤكد على سلطته ومعرفته.
نص الآية
في الترجمة العربية القياسية، تقول الآية:
“كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ.”
تظهر هذه الآية في ترجمات مختلفة، ولكن المعنى الأساسي يظل ثابتًا. يمكن تحليل هذه الآية من خلال عدة نقاط رئيسية.
تحليل الآية
1. كل شيء قد دفع إليّ من أبي
تعلن هذه الجملة عن سلطان يسوع المطلق. يشير “كل شيء” إلى أن كل ما يخص الخلاص، والحكم، والسلطة قد أُعطي ليسوع من الله الآب. هذا يعزز فكرة لاهوت يسوع، ويبرز أنه ليس مجرد نبي أو معلم، بل هو صاحب سلطة إلهية.
2. وليس أحد يعرف الابن إلا الآب
هذه الجملة تؤكد على العلاقة الحميمة والفريدة بين الآب والابن. تشير “المعرفة” هنا إلى معرفة عميقة وحقيقية، تتجاوز مجرد المعلومات السطحية. لا يستطيع أحد أن يفهم بشكل كامل طبيعة يسوع إلا الله الآب، الذي أرسله. هذه المعرفة هي جوهر العلاقة الأزلية بين الآب والابن.
3. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن
تؤكد هذه الجملة على وحي الله من خلال يسوع. يسوع هو الوحيد القادر على إعلان طبيعة الآب للعالم. من خلال يسوع، يعرف الناس الله الآب، ويتعرفون على محبته ورحمته. يسوع هو الطريق والحق والحياة، وهو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الله.
4. ومن أراد الابن أن يعلن له
هذه الجملة تشير إلى اختيار الله لمن يكشف لهم عن نفسه. لا يتم الكشف عن الآب إلا لمن يختاره الابن. هذا يعني أن معرفة الله ليست متاحة للجميع، بل هي نعمة تعطى لمن يشاء الابن. هذه النقطة تؤكد على أهمية الإيمان والقبول ليسوع كطريق للوصول إلى الله.
الأهمية اللاهوتية
تحمل متى 11:27 أهمية لاهوتية كبيرة، فهي:
- تدعم لاهوت يسوع: تؤكد الآية على لاهوت يسوع، من خلال إعلانه أنه يمتلك كل السلطان المعطى له من الآب، وأنه يعرف الآب معرفة فريدة.
- تبرز العلاقة الفريدة بين الآب والابن: تصور الآية العلاقة الوثيقة والحميمية بين الآب والابن، والتي تتجاوز الفهم البشري.
- تسلط الضوء على أهمية الوحي: تؤكد الآية على أن معرفة الله تأتي من خلال الوحي، وأن يسوع هو الوسيلة التي يعلن بها الله عن ذاته.
- تُظهر نعمة الله: تشير الآية إلى أن معرفة الله هي نعمة تُمنح لمن يختاره يسوع.
التطبيقات العملية
يمكن تطبيق متى 11:27 في الحياة اليومية بعدة طرق:
- التأمل في طبيعة يسوع: يمكننا التأمل في سلطان يسوع ومعرفته، وتكريس حياتنا له.
- السعي لمعرفة الله: يمكننا السعي لمعرفة الله من خلال يسوع، وقراءة الكتاب المقدس، والصلاة.
- تقدير نعمة الوحي: يجب أن نقدر نعمة معرفة الله، ونشارك هذه المعرفة مع الآخرين.
- العيش في الإيمان: يجب أن نعيش في الإيمان، ونثق بأن الله يكشف عن ذاته لمن يختاره.
مقابلة الآية في الأناجيل الأخرى
تظهر أفكار مشابهة لمتى 11:27 في الأناجيل الأخرى، على الرغم من اختلاف الصياغة. على سبيل المثال:
- لوقا 10:22: “وَالْتَفَتَ إِلَى تَلامِيذِهِ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ.”
- يوحنا 1:18: “اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.”
تؤكد هذه المقاطع على نفس الأفكار الأساسية حول العلاقة الفريدة بين الآب والابن، وسلطة يسوع، وأهمية الوحي.
تأثير الآية عبر التاريخ
أثرت متى 11:27 بشكل كبير على الفكر اللاهوتي عبر التاريخ. استخدمت هذه الآية في:
- الدفاع عن لاهوت يسوع: استخدمها اللاهوتيون للدفاع عن لاهوت يسوع في مواجهة البدع والآراء الخاطئة.
- توضيح عقيدة الثالوث: ساهمت الآية في توضيح عقيدة الثالوث، من خلال إظهار العلاقة الفريدة بين الآب والابن والروح القدس.
- التأكيد على أهمية الإيمان: استخدمها القادة الدينيون لتشجيع الناس على الإيمان بيسوع كطريق إلى الله.
التحديات في تفسير الآية
على الرغم من وضوح النص، إلا أن هناك بعض التحديات في تفسير متى 11:27:
- فهم مصطلح “المعرفة”: يجب فهم معنى “المعرفة” هنا بشكل صحيح، فهي ليست مجرد معرفة معلومات، بل هي معرفة عميقة وحميمية.
- تفسير “كل شيء”: يجب فهم معنى “كل شيء” في سياق الآية، وهو يشير إلى السلطان والقدرة الإلهية التي أعطاها الآب للابن.
- العلاقة بين الآب والابن: يتطلب فهم العلاقة بين الآب والابن دراسة أعمق لعقيدة الثالوث.
الخلاصة
خاتمة
متى 11:27 هي آية مركزية في إنجيل متى، تعلن عن العلاقة الفريدة بين يسوع المسيح والله الآب. تؤكد الآية على سلطان يسوع، ومعرفته الفريدة، وأهمية الوحي، ونعمة اختيار الله. من خلال فهم هذه الآية، يمكننا أن نتعمق في إيماننا، ونكتشف طبيعة الله، ونتعلم كيف نعيش حياتنا في طاعة ليسوع المسيح.