السياق العام لإنجيل متى
إنجيل متى هو أحد الأناجيل الإزائية الثلاثة (متى، مرقس، لوقا) التي تسرد حياة يسوع المسيح وتعاليمه. يركز إنجيل متى بشكل خاص على تقديم يسوع كالمسيح المنتظر الذي تنبأ به العهد القديم، وكملك لليهود. كتب متى إنجيله بشكل أساسي لليهود المتنصرين، ولهذا السبب، يكثر فيه الاستشهاد بالعهد القديم لإثبات أن يسوع هو تحقيق للنبوات.
في الإصحاح 12، يستمر متى في سرد سلسلة من الأحداث التي تبرز صراع يسوع مع قادة اليهود، وخاصة الفريسيين والصدوقيين. يتناول هذا الإصحاح العديد من المواضيع الهامة، بما في ذلك:
- اتهامات يسوع بانتهاك السبت: يدافع يسوع عن تلاميذه الذين التقطوا سنابل القمح في يوم السبت، ويؤكد أن ابن الإنسان هو رب السبت (متى 12:1-8).
- شفاء الرجل ذي اليد اليابسة: يشفي يسوع رجلاً في يوم السبت، مما يثير غضب الفريسيين الذين يعتبرون هذا العمل انتهاكًا للسبت (متى 12:9-14).
- إعلان يسوع عن نفسه: يقتبس متى من نبوءة إشعياء ليصف يسوع بأنه الخادم الذي اختاره الله (متى 12:15-21).
- اتهام يسوع بإخراج الشياطين بقوة بعلزبول: يتهم الفريسيون يسوع بأنه يستخدم قوة الشيطان لإخراج الشياطين، وهو ما يرفضه يسوع ويوضح أن هذا الادعاء غير منطقي (متى 12:22-37).
- علامة يونان: يرفض يسوع طلب الفريسيين بعلامة، ويشير إلى علامة يونان كنبوءة عن موته وقيامته (متى 12:38-41).
- حالة الإنسان عندما يخرج منه الروح الشرير: يشرح يسوع أن الإنسان الذي يترك نفسه فارغة من الله، يصبح عرضة للأرواح الشريرة (متى 12:43-45).
تحليل متى 12:46
الآية 46 من إنجيل متى 12 تقول: “وبينما هو يكلم الجموع، إذا أمه وإخوته واقفون خارجًا، طالبين أن يكلموه.” هذه الآية تأتي مباشرة بعد انتهاء يسوع من شرح مثل عن الحالة التي يكون عليها الإنسان عندما يخرج منه الروح الشرير ويعود إليه سبعة أرواح أشر منه. في هذه اللحظة، تصل عائلة يسوع وتطلب التحدث إليه.
هناك عدة نقاط مهمة في هذه الآية:
- توقيت الوصول: وصول أم يسوع وإخوته يأتي في لحظة مهمة، حيث كان يسوع يعلم الجموع. هذا يبرز أهمية ما كان يعلمه يسوع وأولوية رسالته.
- المكان: كانت أم يسوع وإخوته “واقفين خارجًا”، مما يشير إلى أنهم لم يتمكنوا من الوصول إليه بسهولة بسبب الحشود المحيطة به.
- الطلب: طلب أم يسوع وإخوته “أن يكلموه” يطرح سؤالاً حول طبيعة علاقتهم بيسوع في هذه المرحلة من خدمته.
السياق المباشر لمتى 12:46
لفهم متى 12:46 بشكل أفضل، من الضروري النظر في الآيات التي تسبقها وتليها.
الآيات السابقة (متى 12:43-45): يروي يسوع مثلًا عن رجل يخرج منه الروح الشرير، ثم يعود ليجد بيته فارغًا ونظيفًا. بعد ذلك، يأخذ معه سبعة أرواح أخرى أشر منه، ويدخلون ويسكنون فيه. يوضح يسوع أن هذا يمثل حالة الشخص الذي يرفض قبول الله، ويصبح عرضة للأرواح الشريرة. هذه الآيات توفر خلفية مهمة لفهم أهمية تعليم يسوع وأولوية الملكوت.
الآيات اللاحقة (متى 12:47-50): في هذه الآيات، يجيب يسوع على من أخبروه بأن أمه وإخوته واقفون بالخارج. يسأل: “من هي أمي ومن هم إخوتي؟” ثم يشير إلى تلاميذه ويقول: “ها أمي وإخوتي. لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي.” هذه الإجابة هي مفتاح لفهم متى 12:46. يوضح يسوع أن العلاقة الروحية مع الله، من خلال فعل مشيئته، هي أهم من العلاقات الجسدية.
تفسير متى 12:46
يمكن تفسير متى 12:46 بعدة طرق:
- أهمية الرسالة: يوضح وصول عائلة يسوع أنه حتى أقرب المقربين منه لم يفهموا بالضرورة أولوية رسالته. كان يسوع ملتزمًا بتعليمه للجموع، ورفض مقاطعة رسالته.
- الأولوية الروحية: إجابة يسوع في الآيات اللاحقة توضح أن العلاقة الروحية مع الله، من خلال فعل مشيئته، تتفوق على العلاقات الجسدية. يسوع يعيد تعريف معنى الأسرة، ويجعل الإيمان به وطاعة الله هما أساس هذه الأسرة الجديدة.
- دعوة للجميع: رسالة يسوع ليست مقتصرة على عائلته الجسدية. بل هي دعوة مفتوحة للجميع للانضمام إلى عائلته الروحية، من خلال الإيمان به وطاعة الله.
العلاقة مع الأناجيل الأخرى
تسجل الأناجيل الأخرى، مرقس ولوقا، هذه القصة أيضًا، مع بعض الاختلافات الطفيفة:
- إنجيل مرقس (مرقس 3:31-35): يروي مرقس القصة بشكل مشابه لمتى، مع التأكيد على أن يسوع يعيد تعريف معنى الأسرة.
- إنجيل لوقا (لوقا 8:19-21): يسرد لوقا القصة أيضًا، مع التركيز على أهمية سماع كلمة الله والعمل بها.
تتناسب هذه الروايات الثلاثة بشكل جيد، على الرغم من الاختلافات الطفيفة في التفاصيل. يشتركون جميعًا في التأكيد على أهمية علاقة يسوع مع تلاميذه والذين يفعلون إرادة الله، على حساب العلاقات الجسدية.
الأهمية اللاهوتية لمتى 12:46-50
هذه الآيات لها أهمية لاهوتية كبيرة، حيث أنها:
- تكشف عن طبيعة يسوع: تظهر التزام يسوع بتعليمه، وتضعه فوق العلاقات الشخصية.
- توضح طبيعة الملكوت: تشير إلى أن الملكوت مفتوح للجميع، بغض النظر عن الأصل أو العائلة.
- تؤكد على أهمية الطاعة: تشدد على أن فعل مشيئة الله هو المفتاح للانتماء إلى عائلة يسوع الروحية.
التطبيق العملي لمتى 12:46
يمكن تطبيق هذه الآية في حياتنا اليومية بعدة طرق:
- إعطاء الأولوية للروحيات: يجب أن نعطي الأولوية لعلاقتنا بالله، من خلال الدراسة والصلاة والخدمة، حتى على حساب العلاقات الأخرى.
- السعي وراء فعل مشيئة الله: يجب أن نسعى دائمًا لمعرفة مشيئة الله في حياتنا والعمل بها، حتى نصبح أعضاء في عائلة يسوع الروحية.
- التواصل مع الآخرين: يجب أن نشارك رسالة يسوع مع الآخرين وندعوهم للانضمام إلى عائلة الإيمان.
أسئلة للتأمل
لتعميق فهمنا لمتى 12:46، يمكننا طرح الأسئلة التالية:
- ماذا تعلمنا هذه الآية عن طبيعة يسوع؟
- كيف نطبق هذه الآية في حياتنا اليومية؟
- ما هي أهمية فعل مشيئة الله في حياتنا؟
- كيف نعطي الأولوية لعلاقتنا بالله؟
خاتمة
متى 12:46 هي آية هامة تقدم لنا نظرة ثاقبة على طبيعة يسوع ورسالته. تظهر هذه الآية التزام يسوع بتعليمه، وأهمية العلاقة الروحية مع الله على العلاقات الجسدية. من خلال فهم هذه الآية، يمكننا أن نتعلم كيف نعطي الأولوية للروحيات، ونسعى جاهدين لفعل مشيئة الله في حياتنا، والانضمام إلى عائلة يسوع الروحية. هذه الآية بمثابة دعوة لنا جميعًا لكي نضع الإيمان والطاعة في صميم حياتنا.
المراجع
- Bible Gateway: Matthew 12:46
- Got Questions: Arabic
- StudyLight.org: Matthew 12
- Encyclopedia Britannica: Gospel According to Matthew
“`