السياق التاريخي والإنجيلي
لكي نفهم متى 10:13 بشكل كامل، من الضروري أن نضعها في سياقها الأوسع. كُتب إنجيل متى، وهو أحد الأناجيل الإزائية الثلاثة (مع مرقس ولوقا)، على الأرجح في وقت ما بين عامي 70 و85 ميلادي. يُعتقد أن متى كتب إلى جمهور يهودي مسيحي، ويوضح ذلك استخدامه المتكرر للاقتباسات من العهد القديم لإثبات أن يسوع هو المسيا المنتظر. الإصحاح العاشر من إنجيل متى هو جزء من سرد أوسع حيث يرسل يسوع تلاميذه في مهمة تبشيرية. قبل ذلك، كان يسوع قد قام بتبشير وتعليم في منطقة الجليل. الآن، يوجه تلاميذه لكي ينطلقوا ويبشروا في المدن والقرى.
الآية (متى 10:13)
تنص الآية متى 10:13 على ما يلي: “وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقّاً فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ. وَإِلاَّ فَلْيَرْجِعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ.”
في هذا النص، يعطي يسوع تعليمات لتلاميذه حول كيفية التعامل مع الناس الذين سيقابلونهم. يشير إلى أنهم يجب أن يدخلوا إلى أي منزل ويقولوا “سلام لهذا البيت”. إذا كان أهل البيت يستحقون هذا السلام، فسيبقى عليهم. إذا لم يكونوا يستحقونه، فسيعود السلام إلى التلاميذ. كلمة “مستحق” هنا مهمة. فهي لا تعني بالضرورة أن الأشخاص مثاليون، بل تشير إلى أنهم مستعدون لقبول رسالة الإنجيل، وأن قلوبهم منفتحة على سماع كلمة الله.
تحليل المعنى اللاهوتي
تعتبر متى 10:13 غنية بالمعنى اللاهوتي. يعلمنا هذا النص عن:
- أهمية السلام: يمثل السلام، في التقليد اليهودي والمسيحي، أكثر من مجرد غياب للحرب أو الصراع. إنه يشير إلى الرفاهية الشاملة والانسجام والازدهار. عندما يطلب التلاميذ السلام على منزل ما، فإنهم يطلبون البركات الإلهية والنعمة.
- الحكم: تشير هذه الآية إلى أن هناك حكمًا في الاستقبال أو رفض رسالة الإنجيل. أولئك الذين يستحقون، والذين يستقبلون الرسالة، سيختبرون بركات الله. أولئك الذين يرفضونها سيفقدون هذه البركات.
- مسؤولية المرسل: على الرغم من أن التلاميذ مسؤولون عن تقديم رسالة الإنجيل، إلا أنهم ليسوا مسؤولين عن النتائج. إذا تم قبول الرسالة، فسوف يختبر الناس بركاتها. إذا تم رفضها، فسيعود السلام إلى التلاميذ. هذا يعلمنا عن أهمية الإخلاص في التبشير، بغض النظر عن الاستقبال.
تطبيقات عملية
لم يكن هذا النص ذا صلة فقط في زمن يسوع؛ بل له تطبيقات عملية للمؤمنين اليوم. يمكننا أن نتعلم من هذا النص:
- كيفية التعامل مع الآخرين: يجب أن نقترب من الآخرين بالسلام والنية الحسنة. يجب أن نكون على استعداد لمشاركة رسالة الإنجيل بأمانة وبحب.
- أهمية التمييز: يجب أن نكون حكماء في كيفية التعامل مع الآخرين. قد لا يكون الجميع مستعدين لسماع رسالة الإنجيل. يجب أن نكون مستعدين للتقدم والتحرك عندما لا يتم استقبال رسالتنا بشكل جيد.
- الاعتماد على الله: يجب أن نثق في الله للنتائج. مهمتنا هي أن نشارك رسالة الإنجيل بأمانة؛ أما النتائج ففي يد الله.
الت parallels and Cross-References
بالنظر إلى أهمية هذه الآية، يمكننا أن نجد مقاطع مماثلة في الأناجيل الأخرى التي تضيء هذه الرسالة بشكل أكبر:
- مرقس 6:10-11: يقدم هذا المقطع في إنجيل مرقس تعليمات مماثلة لتلاميذه. يذكر هذا المقطع التلاميذ بأنه إذا لم يتم استقبالهم في مدينة أو منزل، فيجب عليهم أن يهزوا الغبار عن أقدامهم كشهادة ضدهم.
- لوقا 10:5-7: يوفر هذا المقطع في إنجيل لوقا أوامر مماثلة، حيث يشير يسوع إلى أن التلاميذ يجب أن يقولوا “سلام لهذا البيت” عند دخولهم إليه. ويضيف لوقا أنه يجب على التلاميذ أن يأكلوا ويشربوا ما يقدمونه لهم.
الرمزية في متى 10:13
تحمل الآية متى 10:13 رمزية عميقة. يمثل السلام الذي يمنحه التلاميذ دعوة إلى العلاقة مع الله. يرمز هذا السلام إلى الخلاص والنعمة والبركة. عندما يطلب التلاميذ السلام على بيت ما، فإنهم يدعون إلى حضور الله وسلامه. يمثل رفض هذا السلام رفضًا لله نفسه. يرى يسوع نفسه على أنه الطريق والحق والحياة، وبالتالي فإن رفض رسالته هو رفض للخلاص والحياة الأبدية.
أهمية متى 10:13 في العصر الحديث
على الرغم من أنه تم كتابته منذ آلاف السنين، إلا أن متى 10:13 لا يزال ذا صلة كبيرة بالمؤمنين اليوم. في عالمنا الحديث، حيث توجد صراعات وتقسيمات في كل مكان، يمكن أن يكون لنا درس مهم. يجب علينا:
- السعي إلى السلام: في كل تفاعل مع الآخرين، يجب أن نسعى إلى السلام. يجب أن نكون أناساً يصنعون السلام، ونبحث عن طرق لربط الناس ببعضهم البعض بدلاً من تقسيمهم.
- أن نكون شهودًا أمناء: يجب أن نكون مستعدين لمشاركة رسالة الإنجيل. يجب أن نكون على استعداد للتحدث عن إيماننا، وأن نشارك رجاءنا مع الآخرين.
- أن نثق في سيادة الله: يجب أن نثق في أن الله يعمل في كل موقف. يجب ألا نقلق بشأن النتائج، بل يجب أن نركز على أن نكون مخلصين لرسالة الإنجيل.
تأثير متى 10:13 على التبشير
يمثل متى 10:13 مبدأً أساسيًا في التبشير المسيحي. يوضح المقطع أن التبشير لا يتعلق بإجبار الناس على الإيمان، بل يتعلق بتقديم رسالة الإنجيل بصدق وأمانة. يجب أن يكون المرسلين على استعداد للذهاب إلى أي مكان، والتواصل مع أي شخص، وتقديم رسالة الإنجيل. في الوقت نفسه، يجب أن يكونوا على استعداد لقبول رفض رسالتهم. يجب أن يدركوا أن الرسالة ليست دائمًا مقبولة، وأنه في بعض الأحيان سيعود السلام إليهم. هذا لا يعني الفشل، بل بالأحرى يمثل جزءًا طبيعيًا من عملية التبشير.
متى 10:13 والدعوة إلى الكرم
هناك جانب آخر مهم لمتى 10:13 وهو الدعوة إلى الكرم. عندما يدخل التلاميذ إلى منزل، يُتوقع منهم أن يقبلوا الضيافة المقدمة لهم. هذا يعلمنا عن أهمية أن نكون كرماء تجاه الآخرين. يجب أن نرحب بالآخرين في منازلنا وفي حياتنا. يجب أن نكون على استعداد لتقاسم ما لدينا مع الآخرين. هذا لا يقتصر على الأثرياء أو أصحاب النفوذ؛ بل هو دعوة للجميع.
تحديات في تطبيق متى 10:13
في حين أن متى 10:13 يوفر إرشادات قيمة، إلا أنه يأتي أيضًا مع بعض التحديات في التطبيق. أحد التحديات هو فهم معنى “الاستحقاق”. من الصعب في بعض الأحيان تحديد من يستحق السلام ومن لا يستحقه. هناك تحد آخر وهو التعامل مع الرفض. قد يكون من الصعب على المرسلين التعامل مع رفض رسالة الإنجيل. يتطلب ذلك القدرة على الحفاظ على الأمل والإخلاص على الرغم من عدم وجود نتائج إيجابية. ومع ذلك، من خلال الصلاة والتوجيه الروحي، يمكن للمؤمنين التغلب على هذه التحديات والمضي قدمًا في التبشير.
الأهمية المستمرة لمتى 10:13
على الرغم من مرور آلاف السنين على كتابتها، إلا أن متى 10:13 تظل ذات صلة وذات مغزى للمسيحيين في جميع أنحاء العالم. إنها بمثابة تذكير بأهمية السلام، والحكم، والمسؤولية. إنها تدعونا إلى الاقتراب من الآخرين بالحب والنية الحسنة، وأن نكون على استعداد لمشاركة رسالة الإنجيل، وأن نثق في الله في النتائج. في عالمنا الحديث، حيث توجد الكثير من الصراعات والتقسيمات، يمكن أن تكون هذه الرسالة مصدر إلهام وأمل.
الأسئلة الشائعة حول متى 10:13
هنا بعض الأسئلة الشائعة المتعلقة بمتى 10:13:
- ماذا يعني “مستحق” في هذه الآية؟ لا يعني “مستحق” الكمال، بل يشير إلى الانفتاح على رسالة الإنجيل.
- ماذا يجب أن نفعل إذا تم رفض رسالتنا؟ يجب أن نعود في سلام، ونعلم أن مهمتنا هي مشاركة الرسالة، وليست مسؤوليتنا عن نتائجها.
- هل هذا المقطع ذو صلة بالوقت الحاضر؟ نعم، إنه ذو صلة، ويدعونا إلى السلام والشهادة والإخلاص.
خاتمة
متى 10:13 هي آية مهمة في إنجيل متى، تقدم رؤى قيمة حول التبشير والتعامل مع الآخرين. تعلمنا هذه الآية عن أهمية السلام، والحكم، والمسؤولية. إنها تذكرنا بأن نذهب إلى العالم بالحب والنية الحسنة، وأن نشارك رسالة الإنجيل بأمانة، وأن نثق في الله في النتائج. من خلال فهم هذا النص وتطبيقه في حياتنا، يمكننا أن نكون شهودًا فعالين ليسوع المسيح.