سياق الآية
لفهم متى 10:1 بشكل كامل، من الضروري النظر في السياق الأوسع للفصل العاشر من إنجيل متى. بعد أن أمضى يسوع وقتاً في التدريس والقيام بالمعجزات في الجليل، دعا تلاميذه الاثني عشر. اختارهم يسوع، وعينهم، وأعطاهم سلطاناً. في متى 9:35-38، يصف متى كيف كان يسوع يتجول في المدن والقرى يعلّم في المجامع، ويبشر ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وضعف. رأى الجموع وأشفق عليهم لأنهم كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. ثم طلب من تلاميذه أن يصلوا لكي يرسل الرب فعلة إلى حصاده. متى 10:1 هو الاستجابة المباشرة لهذه الصلاة.
يُعد اختيار التلاميذ وإرسالهم لحظة محورية في خدمة يسوع. إنه يمثل تحولاً من خدمته الفردية إلى عمل جماعي، حيث يتشاركون معه في إعلان ملكوت الله. في هذا الفصل، يجهز يسوع تلاميذه للخدمة التي ستكون لهم. يمنحهم السلطان، ويقدم لهم التعليمات، ويحذرهم من الصعوبات التي سيواجهونها.
السلطان المعطى
يصف متى 10:1 السلطان الذي أعطاه يسوع لتلاميذه: “فدعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف.” السلطان هنا يعني القدرة أو الإذن أو القوة. أعطى يسوع تلاميذه السلطان على مجالين رئيسيين:
- السلطان على الأرواح النجسة: كان هذا يشمل القدرة على إخراج الشياطين. كان هذا جزءًا مهمًا من خدمة يسوع، وكثيرًا ما طُلب منه أن يخرج الشياطين من الناس. يظهر هذا السلطان قوة يسوع على مملكة الظلام.
- السلطان على شفاء الأمراض: كان هذا يشمل القدرة على شفاء جميع أنواع الأمراض والضعف. كان هذا علامة على رحمة يسوع وقوته، وتأكيدًا على أن ملكوت الله قد أتى.
إن إعطاء هذا السلطان للتلاميذ لم يكن مجرد عمل عشوائي. كان ذلك جزءًا من خطة يسوع لإعلان ملكوت الله وتقديم الخلاص للعالم. من خلال تمكين تلاميذه من فعل هذه الأشياء، كان يسوع يثبت سلطانه كمسيا ويعلن أن ملكوت الله قد أتى.
تأثير السلطان
إن إعطاء السلطان للتلاميذ كان له تأثير كبير. فقد مكّنهم من:
- إظهار قوة الله: من خلال إخراج الأرواح النجسة وشفاء الأمراض، أظهر التلاميذ قوة الله للعالم.
- إعلان مجيء الملكوت: كانت المعجزات التي قاموا بها بمثابة علامات على أن ملكوت الله قد أتى.
- إعداد الطريق ليسوع: من خلال خدمتهم، أعد التلاميذ الطريق ليسوع، وأظهروا للناس من هو وكيف يعمل.
كان إعطاء السلطان للتلاميذ أيضًا بمثابة دعوة لهم للمشاركة في رسالة يسوع. فقد كانوا مدعوين ليكونوا شركاء له في الخدمة، وأن ينشروا بشارة الإنجيل في كل مكان. هذا الأمر يظهر أهمية التعاون في نشر رسالة الإنجيل.
قائمة التلاميذ الاثني عشر
بعد أن أعطى يسوع تلاميذه السلطان، يقدم متى قائمة بأسمائهم في متى 10:2-4. هذه القائمة مهمة لأنها تحدد الأشخاص الذين أعطوا السلطان وأرسلوا في مهمة. من بين هؤلاء التلاميذ:
- سمعان، الملقب ببطرس
- أندراوس أخوه
- يعقوب بن زبدي
- يوحنا أخوه
- فيلبس
- برثولماوس
- توما
- متى العشار
- يعقوب بن حلفى
- تداوس
- سمعان القانوي
- يهوذا الإسخريوطي، الذي أسلم يسوع.
من المهم ملاحظة أن هذه القائمة ليست مجرد قائمة أسماء. كل تلميذ كان له شخصيته الخاصة، ونقاط قوته، ونقاط ضعفه. ومع ذلك، فقد تم اختيارهم جميعًا لخدمة يسوع والاشتراك في رسالته. يظهر هذا التنوع في المجموعة أن رسالة الإنجيل موجهة إلى جميع الناس.
تعليمات يسوع للتلاميذ
بعد أن أعطى يسوع تلاميذه السلطان، قدم لهم تعليمات حول كيفية تنفيذ خدمتهم. في متى 10:5-42، يعطي يسوع توجيهات محددة حول كيفية السفر، وكيفية الوعظ، وماذا يتوقعون. وتشمل هذه التعليمات:
- التركيز على إسرائيل: أمرهم يسوع بعدم الذهاب إلى الأمم أو الدخول إلى أي مدينة للسامريين. بدلاً من ذلك، كان عليهم أن يذهبوا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل.
- الوعظ بالرسالة: كان عليهم أن يعظوا قائلين: “قد اقترب ملكوت السموات”.
- شفاء المرضى وإقامة الموتى وتطهير البرص وإخراج الشياطين: كان عليهم أن يفعلوا ما فعله يسوع، مجانًا كما أُخذوا مجانًا.
- الاعتماد على الله: أمرهم يسوع بعدم أخذ أي شيء معهم، سوى عصا واحدة. كان عليهم أن يعتمدوا على الله لتلبية احتياجاتهم.
- التحذير من الاضطهاد: حذرهم يسوع من أنهم سيتعرضون للاضطهاد بسبب اسم يسوع.
- الشهادة: علمهم يسوع أن الشهادة ليسوع ستكون اختبارًا.
توفر هذه التعليمات إطارًا واضحًا للتلاميذ لفهم دورهم ورسالتهم. تُظهر هذه التعليمات أيضًا أن الخدمة ليست دائمًا سهلة، وأن المؤمنين قد يواجهون صعوبات. ومع ذلك، فإن يسوع وعد بأن يكون معهم وأن يعطيهم القوة التي يحتاجونها.
أهمية متى 10:1 اليوم
لا تزال أهمية متى 10:1 مستمرة حتى اليوم. إنها تعلمنا عدة دروس مهمة:
- السلطان والخدمة: يعطينا هذا النص مثالاً على السلطان الذي يمنحه الله للمؤمنين للخدمة. يدعونا الله جميعًا لاستخدام مواهبنا وقدراتنا لخدمة الآخرين وإعلان ملكوت الله.
- التبشير والتعليم: يذكرنا هذا النص بأهمية التبشير بالإنجيل. نحن مدعوون جميعًا لمشاركة الإنجيل مع الآخرين، وتعليمهم عن يسوع المسيح.
- الثقة بالله: يعلمنا هذا النص أن نثق بالله في كل جانب من جوانب حياتنا. يجب أن نثق به لتلبية احتياجاتنا، وتوجيه خطواتنا، وحمايتنا.
- مواجهة التحديات: يحذرنا هذا النص من أن الخدمة لن تكون دائمًا سهلة. يجب أن نكون مستعدين لمواجهة التحديات والاضطهاد بسبب إيماننا.
- الأمل والرجاء: بالرغم من التحديات، يمنحنا هذا النص الأمل والرجاء. نحن نعلم أن يسوع معنا دائمًا، وأنه سيعطينا القوة التي نحتاجها للنجاح.
متى 10:1 هو دعوة لنا جميعًا لخدمة الله، ومشاركة الإنجيل، والثقة به في كل شيء. إنها تذكير بأننا لسنا بمفردنا في هذه المهمة، وأن يسوع معنا دائمًا.
الفرق بين السلطان والقدرة
من المهم أن نفهم الفرق بين السلطان والقدرة كما يظهر في النص. في متى 10:1، أعطى يسوع تلاميذه السلطان. السلطان هو الحق أو الإذن أو القوة المخولة للقيام بشيء ما. القدرة هي القدرة على فعل شيء ما. كان لدى يسوع القدرة على شفاء المرضى وإخراج الشياطين، ولكن أعطى تلاميذه السلطان للقيام بذلك أيضًا. هذا يظهر أهمية التفويض والعمل كفريق في خدمة الله. السلطان الذي منحه يسوع لتلاميذه لم يكن مجرد قدرة على فعل المعجزات. بل كان تفويضًا رسميًا للعمل باسمه. هذا التفويض يمنحهم الحق في تعليم كلمة الله والقيام بأعمال الرحمة.
دور المعجزات
إن المعجزات المذكورة في متى 10:1 ليست مجرد أعمال خارقة للطبيعة، بل هي علامات تؤكد حقيقة رسالة يسوع. كانت هذه المعجزات بمثابة إثبات لسلطان يسوع الإلهي. كما أنها جذبت انتباه الناس، وأتاحت الفرصة للتلاميذ لتعليمهم عن ملكوت الله. هذه المعجزات كانت بمثابة دعوة للناس للتوبة والإيمان بيسوع المسيح.
التحضير للخدمة
متى 10:1 هو بداية لعملية إعداد التلاميذ للخدمة. فقد أعطاهم يسوع السلطان وأرسلهم، ثم ألقى عليهم تعليماته، وطلب منهم أن يثقوا به ويوكلوا عليه كل شيء. هذه العملية تشبه إلى حد كبير تدريب القادة في أي مجال آخر. يتضمن الإعداد للخدمة عدة جوانب مهمة:
- التدريب الروحي: يحتاج القادة إلى تطوير علاقة قوية مع الله من خلال الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والعبادة.
- التدريب العملي: يجب أن يكتسب القادة الخبرة العملية من خلال المشاركة في الخدمة تحت إشراف قادة أكثر خبرة.
- المساءلة: يجب أن يكون القادة مسؤولين أمام الآخرين عن أفعالهم وتصرفاتهم.
- التشجيع والدعم: يحتاج القادة إلى التشجيع والدعم من الآخرين حتى يتمكنوا من الاستمرار في خدمتهم.
العلاقة بين متى 9:35-38 ومتى 10:1
ترتبط الآيات في متى 9:35-38 ارتباطًا وثيقًا بمتى 10:1. ففي متى 9:35-38، يرى يسوع الجموع ويعطف عليهم، ثم يطلب من تلاميذه أن يصلوا لكي يرسل الرب فعلة إلى حصاده. متى 10:1 هو استجابة مباشرة لهذه الصلاة. فقد جمع يسوع تلاميذه وأعطاهم السلطان، مما أشار إلى أنهم قد أصبحوا الفعلة الذين أرسلهم إلى الحصاد. هذا التسلسل يوضح أهمية الصلاة في سياق الخدمة. يجب أن نصلي دائمًا من أجل أن يرسل الله فعلة إلى حصاده، وأن نكون مستعدين لنكون نحن أنفسنا من هؤلاء الفعلة عندما يدعونا الله.
الاستمرارية في الخدمة
على الرغم من أن متى 10:1 يصف إرسال التلاميذ في مهمة محددة في ذلك الوقت، فإن مبادئ الخدمة التي وردت في هذه الآية لا تزال صالحة حتى اليوم. نحن مدعوون جميعًا للمشاركة في عمل الله في العالم. سواء كنا نقوم بالتبشير، أو شفاء المرضى، أو خدمة الآخرين، فإننا مدعوون إلى استخدام مواهبنا وقدراتنا لإعلان ملكوت الله. هذه الآية تذكرنا بأن الخدمة تتطلب السلطان من الله، والإيمان، والاعتماد عليه، والشجاعة، والتواضع.
خاتمة
متى 10:1 هي آية أساسية في الكتاب المقدس تقدم لنا رؤية عميقة حول طبيعة السلطان والخدمة. فهي تظهر أن يسوع أعطى تلاميذه السلطان على الأرواح النجسة والشفاء من الأمراض، كجزء من مهمتهم لإعلان ملكوت الله. هذه الآية لا تعطينا نظرة على قوة يسوع فحسب، بل إنها أيضًا بمثابة دعوة لنا جميعًا للمشاركة في رسالة يسوع. تعلمنا متى 10:1 أهمية الخدمة، والإيمان، والثقة بالله، ومواجهة التحديات بشجاعة، والعمل كفريق. إنها تذكير دائم بأننا لسنا وحدنا في مهمتنا، وأن يسوع معنا دائمًا.