السياق العام
يبدأ الإصحاح التاسع من إنجيل متى بوصف معجزة شفاء مريض مشلول. بعد أن رأى يسوع إيمانهم، قال للمريض المشلول: “ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ.” (متى 9:2). هذا الإعلان عن مغفرة الخطايا أثار جدلاً بين الكتبة والفريسيين الذين اتهموا يسوع بالتجديف، معتقدين أن الله وحده هو من يغفر الخطايا. هذه الخلفية مهمة لفهم معنى الآية 9:6.
نص الآية وترجمتها
نص الآية 9:6 في الترجمة العربية المشتركة هو: “وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا، حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمْ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ.”
في هذا النص، يوضح يسوع سلطته على الأرض ليغفر الخطايا. بعد أن أعلن مغفرة الخطايا للمريض المشلول، كان على استعداد لإثبات هذه السلطة. والآن، يُظهر يسوع سلطته ليس فقط في مغفرة الخطايا، بل أيضًا في شفاء الجسد. هذه الآية مهمة لأنها تؤكد لاهوت المسيح وتوضح سلطته على كل من الجسد والروح.
تحليل الآية
لفهم الآية 9:6 بشكل أعمق، من الضروري تحليل كلماتها الرئيسية:
- “وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا”: هذه العبارة تشير إلى غرض أو هدف. يسوع لم يشفي المريض المشلول لمجرد إظهار الشفقة أو القيام بمعجزة. بل، أراد أن يظهر للجمهور سلطته الإلهية.
- “أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ”: هذا اللقب، “ابن الإنسان”، يستخدمه يسوع للإشارة إلى نفسه. إنه لقب يشير إلى كل من طبيعته الإنسانية وطبيعته الإلهية. في العهد القديم، يُستخدم هذا اللقب للإشارة إلى شخصية مسيانية تأتي من السماء لتدين وتعيد تأسيس مملكة الله.
- “سُلْطَانًا”: تعني “سلطة” أو “حق”. يسوع يدعي أن لديه سلطة على الأرض. هذه السلطة تشمل القدرة على مغفرة الخطايا والشفاء.
- “عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا”: يؤكد يسوع على سلطته على مغفرة الخطايا “على الأرض”. هذا التوكيد يختلف بشكل كبير عن وجهة نظر الكتبة والفريسيين الذين اعتقدوا أن مغفرة الخطايا تقتصر على الله وحده.
- “حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمْ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ”: بعد أن أعلن يسوع سلطته، أثبتها من خلال شفاء المريض المشلول. هذا الإعلان عن الشفاء الجسدي هو دليل على سلطته الروحية.
الأهمية اللاهوتية
الآية 9:6 لها أهمية لاهوتية كبيرة:
- تأكيد لاهوت المسيح: من خلال إعلان السلطة على مغفرة الخطايا، يدعي يسوع أنه إلهي. إنه يمارس صلاحيات حصرية لله.
- إظهار سلطة المسيح الشاملة: يظهر يسوع سلطته على كل من الجسد والروح. إنه يشفي المرض الجسدي ويغفر الخطايا الروحية.
- تحدي المعتقدات الدينية السائدة: يتحدى يسوع آراء الكتبة والفريسيين حول من يملك السلطة ليغفر الخطايا.
- إعلان عن مجيء ملكوت الله: معجزات يسوع هي علامات على أن ملكوت الله قد بدأ بالفعل في الحضور.
السياق التاريخي والثقافي
لفهم أعمق للآية 9:6، من الضروري النظر في السياق التاريخي والثقافي:
- اليهودية في القرن الأول الميلادي: في ذلك الوقت، كان اليهود يعتقدون أن الخطايا تُغفر من خلال التوبة وتقديم الذبائح في الهيكل. إعلان يسوع عن مغفرة الخطايا مباشرة كان بمثابة تحدٍ للسلطات الدينية اليهودية.
- مفهوم السلطة: في المجتمع اليهودي القديم، كانت السلطة الدينية والسياسية مرتبطة بشكل وثيق. إعلان يسوع عن السلطة كان بمثابة تهديد لسلطة القادة الدينيين.
- أهمية الشفاء: كان الشفاء الجسدي يعتبر علامة على نعمة الله وقوته. معجزات يسوع كانت بمثابة دليل على أنه يعمل بقوة الله.
التطبيقات العملية
الآية 9:6 لها تطبيقات عملية لحياة المؤمن:
- الثقة في سلطة المسيح: يجب أن نثق في سلطة يسوع على حياتنا، سواء في مغفرة خطايانا أو في احتياجاتنا الجسدية والروحية.
- التوبة والمغفرة: يجب أن نطلب مغفرة خطايانا ونغفر للآخرين كما غفر لنا المسيح.
- عيش حياة الخدمة: يجب أن نخدم الآخرين ونشاركهم محبة المسيح.
- فهم أن ملكوت الله قد بدأ: يجب أن ندرك أن ملكوت الله حاضر في حياتنا من خلال قوة يسوع المسيح.
المعجزات في إنجيل متى
إنجيل متى مليء بالمعجزات التي قام بها يسوع. هذه المعجزات لم تكن مجرد أعمال خارقة للطبيعة، بل كانت علامات على أن يسوع هو المسيح المنتظر وأنه يمتلك سلطة إلهية. المعجزات في متى تخدم أغراضًا متعددة:
- إظهار قوة يسوع وسلطته: أظهرت المعجزات قوة يسوع وسلطته على المرض والشياطين والطبيعة والموت.
- تأكيد هوية يسوع المسيانية: أثبتت المعجزات أن يسوع هو المسيح الذي تنبأ به الأنبياء في العهد القديم.
- دعوة الناس إلى الإيمان: جذبت المعجزات الناس إلى يسوع ودعتهم إلى الإيمان به.
- إعلان عن مجيء ملكوت الله: كانت المعجزات علامات على أن ملكوت الله قد بدأ في الحضور.
تشمل المعجزات الأخرى المذكورة في إنجيل متى:
- شفاء المرضى.
- إخراج الشياطين.
- تهدئة العاصفة.
- إطعام الجموع.
- المشي على الماء.
- إقامة الموتى.
كل هذه المعجزات تهدف إلى إظهار قوة يسوع وسلطته وتأكيد هويته كابن الله.
العلاقة بين الإيمان والشفاء
في إنجيل متى، غالبًا ما يرتبط الشفاء بالإيمان. في قصة شفاء المريض المشلول (متى 9:2)، رأى يسوع إيمانهم وشفي المريض. هذا يوضح أهمية الإيمان في تلقي البركات الإلهية. الإيمان ليس مجرد تصديق عقلي، بل هو ثقة كاملة في يسوع وفي قدرته على العمل في حياتنا.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح إنجيل متى أن الشفاء يمكن أن يأتي من خلال الصلاة والإيمان. في متى 21:22، يقول يسوع: “وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ.” هذا يؤكد أن الصلاة بالإيمان هي وسيلة مهمة لتلقي الشفاء والبركات الأخرى من الله.
رسالة الأمل
الآية 9:6 تحمل رسالة أمل قوية. فهي تظهر أن يسوع يمتلك السلطة ليس فقط ليغفر الخطايا، بل أيضًا ليشفي الجسد. هذه الحقيقة توفر الرجاء لكل من يعاني من المرض أو الألم أو اليأس. تدعونا هذه الآية إلى أن نثق في يسوع ونسعى إليه من أجل الشفاء والغفران والسلام.
خاتمة
الآية متى 9:6 هي آية ذات أهمية لاهوتية كبيرة. فهي تؤكد لاهوت المسيح، وتوضح سلطته الشاملة، وتتحدى المعتقدات الدينية السائدة. من خلال تحليل الآية في سياقها التاريخي والثقافي، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل رسالتها عن الأمل والإيمان والرجاء. تذكرنا هذه الآية بأن يسوع هو الذي يملك السلطة على مغفرة الخطايا والشفاء، وأننا مدعوون إلى أن نثق به ونسعى إليه في جميع جوانب حياتنا.
المراجع
- Bible Gateway – Matthew 9:6
- Encyclopaedia Britannica – Gospel According to Matthew
- Crosswalk – Matthew 9:6 Meaning
- Got Questions – Matthew 9:6
“`