متى 7: 22 (Matthew 7:22)

سياق الآية

لفهم متى 7: 22 بشكل صحيح، من الضروري النظر إليها في سياقها الأوسع. تقع هذه الآية بعد سلسلة من التحذيرات والتوجيهات التي قدمها يسوع. بدأ يسوع حديثه بتحذير الناس من الحكم على الآخرين (متى 7: 1-5)، ثم دعا إلى طلب ما هو جيد وتقديم العطايا الجيدة (متى 7: 7-11). بعد ذلك، شدد يسوع على أهمية الدخول من الباب الضيق، محذرًا من الطريق الواسع الذي يؤدي إلى الهلاك (متى 7: 13-14). في هذا الإطار، تأتي الآية 7: 22 كتحذير من أولئك الذين يدعون الإيمان دون أن تظهر أعمالهم ثمارًا صالحة.

نص الآية وتفسيرها

يقول نص الآية: “كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، أَلَمْ نَتَنَبَّأْ بِاسْمِكَ، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟” (متى 7: 22). يتضمن هذا النص عدة نقاط رئيسية:

“كثيرون”: يشير هذا إلى أن الذين يزعمون الإيمان ليسوا قلة، بل جماعة كبيرة. هذا التحذير يهدف إلى لفت الانتباه إلى أن مجرد الادعاء بالإيمان لا يكفي.
“يا رب، يا رب”: هذا النداء يعبر عن العلاقة الشخصية مع الله، ويبدو أنه تعبير عن التقوى والإيمان. ومع ذلك، يوضح يسوع أن مجرد نداء الله “يا رب” لا يضمن الخلاص.
“ألم نتنبأ باسمك”: هذا يشير إلى ممارسة النبوة، وهي من العطايا الروحية التي يمنحها الله لبعض المؤمنين. يطالب هؤلاء الناس بأنهم مارسوا النبوة باسم يسوع.
“وباسمك أخرجنا شياطين”: هذا يشير إلى ممارسة إخراج الشياطين، وهي قوة أخرى يمنحها يسوع لتلاميذه وخدام الله. يزعم هؤلاء أنهم استخدموا اسم يسوع لطرد الأرواح الشريرة.
“وباسمك صنعنا قوات كثيرة”: هذا يشير إلى ممارسة المعجزات، مثل شفاء المرضى وغيرها من الأعمال الخارقة. يزعم هؤلاء أنهم قاموا بمعجزات باسم يسوع.

الخلاصة، أن هؤلاء الناس قاموا بأعمال خارقة باسم يسوع، ولكنهم لم يدخلوا ملكوت السماوات. هذا يقودنا إلى فهم أهمية الأعمال الصالحة التي تنبع من الإيمان الحقيقي.

أهمية الأعمال الصالحة

متى 7: 22 يشير إلى أن الأعمال وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون هناك علاقة حقيقية مع الله. الآية التالية (متى 7: 23) توضح ذلك بشكل أكبر:

“فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!” (متى 7: 23). هذه الآية توضح أن الله سيرفض أولئك الذين لم يعرفهم، حتى لو قاموا بأعمال عظيمة باسمه. هذا يدل على أن هناك علاقة شخصية مهمة، وهي معرفة الله.

لتوضيح هذه النقطة، يمكننا النظر إلى عدة أمثلة:

المحبة: يسوع يركز على أهمية المحبة، ويجعلها العلامة الفارقة للمؤمنين (يوحنا 13: 35). فالأعمال الصالحة يجب أن تكون مدفوعة بالمحبة لله وللآخرين.
الثمار: في متى 7: 15-20، يتحدث يسوع عن “الثمار” التي تدل على حقيقة الشجرة. فالأعمال الصالحة هي الثمار التي تظهر في حياة المؤمنين الحقيقيين.
الطاعة: يسوع يؤكد على أهمية الطاعة لوصايا الله. فالإيمان يجب أن يتجلى في الطاعة والعيش وفقًا لإرادة الله.

التحذير من الخداع الذاتي

متى 7: 22 هو تحذير من الخداع الذاتي. يمكن للناس أن يعتقدوا أنهم مؤمنون لمجرد أنهم يقومون ببعض الأعمال الدينية أو لديهم معرفة بالكتاب المقدس. ومع ذلك، فإن هذه الأعمال يجب أن تكون نتيجة للإيمان الحقيقي والعلاقة الشخصية مع الله. هذا التحذير مهم بشكل خاص في العصر الحديث، حيث تنتشر العديد من الأفكار والممارسات الدينية التي قد تكون بعيدة عن جوهر الإيمان المسيحي.

فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن يخدع بها الناس أنفسهم:

المظاهر الخارجية: التركيز على المظاهر الخارجية للدين، مثل حضور الكنائس أو القيام ببعض الطقوس، دون وجود تغيير حقيقي في القلب.
المعرفة النظرية: معرفة الكتاب المقدس والمعتقدات المسيحية دون تطبيقها في الحياة اليومية.
الأعمال الجيدة بدون محبة: القيام بالأعمال الجيدة بدافع من الذات أو من أجل الحصول على الثناء، بدلاً من القيام بها بدافع المحبة لله وللآخرين.

تطبيق الآية في الحياة اليومية

لكي نطبق متى 7: 22 في حياتنا اليومية، يجب أن نسعى جاهدين إلى:

فحص الذات: مراجعة دوافعنا وأعمالنا للتأكد من أنها تنبع من إيمان حقيقي وعلاقة شخصية مع الله.
التركيز على المحبة: السعي إلى إظهار المحبة في كل ما نقوم به، سواء تجاه الله أو تجاه الآخرين.
الطاعة لوصايا الله: العيش وفقًا لوصايا الله، والسعي إلى الطاعة في كل جوانب الحياة.
النمو الروحي: السعي المستمر للنمو الروحي من خلال الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والشركة مع المؤمنين الآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نكون حذرين من:

الحكم على الآخرين: تجنب الحكم على الآخرين بناءً على مظاهرهم الخارجية أو أعمالهم.
الادعاءات الكاذبة: تجنب الادعاء بأننا نعرف الله دون أن نعيش وفقًا لإرادته.
الاعتماد على الذات: عدم الاعتماد على قدراتنا أو أعمالنا الشخصية للخلاص، بل الاعتماد على نعمة الله ورحمته.

أمثلة من الكتاب المقدس

يمكننا أن نجد أمثلة من الكتاب المقدس تدعم تفسير متى 7: 22. على سبيل المثال:

السامري الصالح (لوقا 10: 25-37): يوضح هذا المثال أن المحبة والرحمة تجاه الآخرين هي جوهر الإيمان.
يعقوب 2: 14-26: يؤكد يعقوب على أن الإيمان بدون أعمال ميت. فالإيمان يجب أن يتجلى في الأعمال الصالحة.
مثل الزارع (متى 13: 1-23): يوضح هذا المثل أنواع مختلفة من الناس الذين يسمعون كلمة الله، وكيف أن بعضهم لا ينتجون ثمارًا صالحة.

الفرق بين الأعمال الصالحة والأعمال من أجل الخلاص

من المهم التمييز بين الأعمال الصالحة وبين الأعمال التي نؤديها من أجل الحصول على الخلاص. فالأعمال الصالحة هي نتيجة طبيعية للإيمان الحقيقي، وليست وسيلة لكسب الخلاص. الخلاص هو هبة من الله، نحصل عليها بالإيمان بيسوع المسيح. بعد الحصول على الخلاص، نعيش حياة صالحة كعلامة على امتناننا لله، وكشهادة على إيماننا.

خاتمة

متى 7: 22 هو تحذير قوي من يسوع المسيح ضد الإيمان الزائف. إنه يذكرنا بأن مجرد القيام بأعمال دينية أو إعلان الإيمان لا يكفي للدخول إلى ملكوت السماوات. يجب أن يكون هناك إيمان حقيقي، وعلاقة شخصية مع الله، وأعمال صالحة ناتجة عن هذا الإيمان. يجب أن نفحص قلوبنا باستمرار، ونسعى جاهدين إلى العيش وفقًا لإرادة الله، وإظهار المحبة في كل ما نقوم به. هذا هو الطريق الحقيقي إلى الحياة الأبدية.

المراجع

“`