سياق الآية
لكي نفهم متى 27: 60 بشكل كامل، من الضروري أن ننظر إلى السياق الأوسع للفصل الذي يظهر فيه. يروي الفصل السابع والعشرون من إنجيل متى قصة محاكمة يسوع وصلبه ودفنه. تبدأ القصة بتقديمه إلى بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني، وتنتهي بالصخرة التي دحرجت على باب القبر.
قبل الوصول إلى الآية 60، يصف متى:
- محاكمة يسوع أمام بيلاطس.
- صلب يسوع على جبل الجلجثة.
- سخرية الجنود والمارة من يسوع.
- موت يسوع.
- الظواهر الطبيعية التي صاحبت موت يسوع (مثل زلزال وانشقاق الحجاب في الهيكل).
بعد صلب يسوع مباشرة، يأخذ يوسف الرامي جسد يسوع ويضعه في قبر جديد. هذا الحدث هو ما يسبق مباشرة الآية 60.
نص الآية
تقرأ الآية 60 من متى 27 على النحو التالي: “ووضعه في قبر جديد له كان قد نحته في الصخرة. ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى.”
تتضمن هذه الآية عدة عناصر مهمة:
- يوسف الرامي: هو الشخصية الرئيسية في هذه الآية. كان يوسف عضوًا غنيًا من أرسيماتيا، وهو تلميذ سري ليسوع.
- القبر الجديد: يصف متى القبر بأنه “جديد” و “منحوت في الصخرة”. يوضح هذا أن القبر لم يُستخدم من قبل، مما يضمن عدم وجود أي جثث أخرى في القبر مع يسوع.
- حجر كبير: يشير إلى أن القبر قد أغلق بحجر كبير. كان هذا إجراءً أمنيًا لمنع أي شخص من الوصول إلى الجسد.
- النية: يفسر هذا النص رغبة يوسف في دفن يسوع، ويوضح لنا كيف تمت عملية الدفن.
أهمية الآية
تحمل الآية 60 من متى 27 أهمية كبيرة لعدة أسباب:
1. إثبات موت يسوع: يؤكد دفن يسوع موتَه الفعلي. يضمن وجود القبر أن يسوع لم ينج من الصليب أو يعود للحياة بشكل غامض. كانت عملية الدفن في حد ذاتها، بحضور العديد من الشهود، بمثابة دليل على موته.
2. تحقيق النبوة: يشير دفن يسوع في قبر جديد، لم يستخدم من قبل، إلى تحقيق نبوءة في العهد القديم. على سبيل المثال، في إشعياء 53، يصف النبي كيف يدفن المسيا مع الأغنياء في موته. كان يوسف الرامي رجلاً غنياً، وتكريمه لجسد يسوع يتوافق مع هذه النبوءة.
3. التأكيد على شخصية يوسف الرامي: تبرز هذه الآية شخصية يوسف الرامي. على الرغم من كونه تلميذاً سراً ليسوع بسبب الخوف من اليهود، فقد أظهر شجاعته في طلب جسد يسوع ودفنه بشكل لائق. يعكس عمله شجاعته وإيمانه بيسوع.
4. الاستعداد للقيامة: يوضح دفن يسوع في قبر جديد وتأمين القبر بالحجر الكبير أن كل شيء كان معداً للقيامة. تم إغلاق القبر بإحكام، مما يفتح الباب للادعاء بأنه قام من بين الأموات، مما يدعم إيمان المسيحيين.
5. مكانة القبر في التراث المسيحي: القبر الفارغ هو رمز أساسي في الديانة المسيحية. يمثل القبر الفارغ النصر على الموت والخطيئة، وإثبات قيامة يسوع، وهو أساس الإيمان المسيحي. يظهر هذا النص القبر الجديد الذي وضع فيه جسد يسوع، والذي سيصبح فيما بعد فارغاً.
تحليل الآية بالتفصيل
دعونا نتعمق أكثر في عناصر هذه الآية:
أ. يوسف الرامي:
كان يوسف الرامي شخصية بارزة في مجتمع اليهود. كان عضواً في السنهدريم، وهو المجلس الأعلى اليهودي، لكنه لم يوافق على قرارهم بإدانة يسوع. يظهر طلبه لجسد يسوع ودفنه شجاعته في مواجهة السلطات اليهودية والرومانية. قام يوسف بشراء كتان (نوع من القماش) لتغطية جسد يسوع.
ب. القبر الجديد:
يعد القبر الجديد ذا أهمية خاصة. من خلال اختيار قبر جديد، لم يسبق استخدامه، تأكد يوسف من أن المكان كان نظيفًا وخالياً من أي بقايا أخرى. يبرز هذا الأمر أيضًا نظافة الدفن، حيث كان من المعتاد أن يدفن اليهود موتاهم باحترام. ساعد هذا أيضًا على تمييز القبر عندما اكتشف لاحقًا أنه فارغ.
ج. الدفن في الصخرة:
إن نحت القبر في الصخرة كان يمثل طريقة دفن شائعة في ذلك الوقت. كانت هذه القبور في الغالب عبارة عن مغارات أو كهوف طبيعية، أو كانت منحوتة في الصخر. هذا يعكس أيضًا الوضع الاجتماعي والاقتصادي ليوسف، لأنه كان يمتلك قبراً خاصًا به.
د. الحجر الكبير:
كان وضع الحجر الكبير على مدخل القبر بمثابة إجراء أمني لعدة أسباب. أولاً، منع أي شخص من الوصول إلى القبر ونهب الجثة. ثانيًا، منع أي شخص من الدخول أو الخروج من القبر بشكل غير مصرح به، مما يضمن بقاء الجسد في القبر حتى القيامة. يضع الحجر الكبير أيضًا علامة على نهاية دفن جسد يسوع.
الآية في سياق رواية الآلام
متى 27: 60 يقع في سياق رواية الآلام، وهي القصة التي تصف الأحداث التي سبقت صلب يسوع وقيامته. تساهم هذه الآية في فهمنا للأحداث التي أدت إلى القيامة.
بعد صلب يسوع، كان من الضروري دفن جسده بسرعة قبل بداية يوم السبت. كان يوسف الرامي، الذي كان ينتظر ملكوت الله، مستعدًا لمثل هذا الإجراء. لقد أظهر أنه لم يكن خائفاً من إعلان نفسه تلميذاً ليسوع.
كان دفن يسوع حدثًا سريعًا. أخذ يوسف جسد يسوع من الصليب، ولفه في قطعة قماش نظيفة، ووضعه في قبر جديد. ثم دحرج حجراً كبيراً على مدخل القبر.
الآن، كان القبر مغلقاً. لا يمكن لأحد أن يدخل. هذا يضع الأساس لحدث القيامة، حيث يُعلن أن القبر فارغ.
تأثير الآية وتراثها
آية متى 27: 60 لها تأثير كبير على المسيحية:
1. الإيمان بالقيامة: يركز هذا النص على حقيقة موت يسوع ودفنه. وهذا يوضح أن قيامة يسوع حقيقية. القبر الفارغ هو رمز للإيمان المسيحي.
2. التعاطف مع الحزن: يعبر هذا النص عن الحزن الذي شعر به التلاميذ بعد موت يسوع. يظهر تعاطفًا مع حزن أولئك الذين فقدوا أحبائهم.
3. الرجاء في الحياة الأبدية: يوفر هذا النص رجاء في الحياة الأبدية. يوضح أن الموت ليس النهاية، بل هو بداية حياة جديدة.
4. الفن والأدب: ألهمت هذه الآية فنانين وكتابًا على مر العصور. تم تصوير دفن يسوع في العديد من اللوحات والمنحوتات. كما تم استخدامه في العديد من الأعمال الأدبية.
الفرق بين روايات الأناجيل
عند دراسة متى 27: 60، من المهم مقارنتها بالروايات المماثلة في الأناجيل الأخرى (مرقس ولوقا ويوحنا). في حين أن جميع الأناجيل الأربعة تسجل دفن يسوع، إلا أن هناك بعض الاختلافات في التفاصيل.
- مرقس (15: 46): يذكر مرقس أن يوسف الرامي اشترى قطعة قماش كتان ولف بها جسد يسوع ووضعه في قبر.
- لوقا (23: 53): يذكر لوقا أن يوسف الرامي وضع جسد يسوع في قبر منحوت في الصخرة، حيث لم يوضع أحد قط.
- يوحنا (19: 41-42): يذكر يوحنا أن القبر كان قريبًا، وأنهم وضعوا جسد يسوع هناك لأنه كان يوم إعداد عيد الفصح.
تشترك جميع هذه الروايات في النقاط الأساسية: يسوع مات، ودُفن جسده في قبر، وتم وضع حجر على مدخل القبر. تساعد هذه الاختلافات في تقديم صورة كاملة لحدث الدفن.
خاتمة
متى 27: 60 هو آية مركزية في رواية الآلام. يصف دفن يسوع، ويوفر تفاصيل مهمة حول هذا الحدث. إنه يؤكد موت يسوع، ويحقق النبوءات، ويبرز شخصية يوسف الرامي، ويهيئنا للقيامة. هذه الآية لها تأثير دائم على الإيمان المسيحي، وتعزز أهمية القيامة والأمل في الحياة الأبدية.