السياق العام
لكي نفهم متى 28:17 بشكل صحيح، يجب أن نضعها في سياقها الأوسع. الفصل 28 من إنجيل متى يروي أحداثًا حاسمة في قصة حياة يسوع، بما في ذلك قيامته وظهوره لتلاميذه. بعد صلب يسوع ودفنه، تذهب النساء إلى القبر في صباح يوم الأحد، ليجدنه فارغًا. يظهر ملاك لهن ويخبرهن بأن يسوع قد قام من بين الأموات. ثم يوجههن الملاك لإخبار التلاميذ.
يذهب التلاميذ إلى الجليل، كما أمرهم يسوع. هناك، على جبل حدده يسوع، يلتقون به مرة أخرى. هذه هي اللحظة التي تظهر فيها الآية 17.
نص الآية وتفسيرها
نص متى 28:17 هو:
“وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا.”
هذه الآية تقدم وصفًا دقيقًا لرد فعل التلاميذ على رؤية يسوع القائم من الأموات. دعنا نقسم الآية إلى جزأين رئيسيين:
- “وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ”: هذا الجزء يصور استجابة أولية من الإيمان والعبادة. كلمة “سجدوا” تعني الانحناء أو السجود في إشارة إلى الاحترام والتبجيل. هذه الحركة الجسدية تعكس الاعتراف بألوهية يسوع وسلطانه. السجود كان ممارسة شائعة في العصور القديمة للتعبير عن الخضوع والإكرام للملوك أو الآلهة. في هذه الحالة، يظهر التلاميذ إدراكهم بأن يسوع ليس مجرد إنسان، بل هو أيضًا ربهم.
- “وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا”: هذا الجزء يكشف عن جانب من الإنسانية. على الرغم من أن بعض التلاميذ سجدوا، إلا أن البعض الآخر شك. هذا الشك لا ينفي إيمانهم بالكامل، ولكنه يشير إلى صراع داخلي. يمكن أن يكون الشك ناجمًا عن مجموعة متنوعة من العوامل، مثل الصدمة من الأحداث الأخيرة، وصعوبة تصديق ما يرونه، والخوف، أو حتى مجرد صعوبة استيعاب حقيقة أن يسوع قد قام من بين الأموات.
الآية لا تقدم إجابة بسيطة حول حالة التلاميذ. بدلاً من ذلك، تصور مزيجًا معقدًا من الإيمان والشك. هذا التوتر هو ما يجعل هذه الآية مهمة جدًا. إنها تظهر أن الإيمان الحقيقي غالبًا ما يتضمن صراعًا. لا يعني الشك بالضرورة غياب الإيمان؛ بل يمكن أن يكون جزءًا من عملية الإيمان. يمكن أن يدفعنا الشك إلى البحث عن إجابات، وإلى تعميق فهمنا، وإلى بناء علاقة أقوى مع الله.
أهمية الآية
متى 28:17 تحمل أهمية كبيرة لأسباب عديدة:
- إثبات قيامة يسوع: الآية جزء من السرد الذي يثبت أن يسوع قد قام من بين الأموات. رؤية يسوع بعد موته هي دليل على انتصاره على الموت، وهو أساس الإيمان المسيحي.
- طبيعة الإيمان: الآية تظهر أن الإيمان ليس دائمًا بسيطًا أو مباشرًا. إنه غالبًا ما يتضمن صراعًا داخليًا. هذا الاعتراف بالشك في الكتاب المقدس يجعله أكثر واقعية وأكثر صلة بحياة المؤمنين.
- دعوة للعبادة: سجود التلاميذ هو دعوة للمؤمنين لعبادة يسوع. يظهر هذا السجود الاعتراف بألوهيته وربوبيته.
- تأكيد السلطان: بعد قيامته، أعلن يسوع لتلاميذه أنه قد أُعطي كل السلطان في السماء وعلى الأرض (متى 28:18). هذه الآية تضع الأساس لهذا الإعلان، حيث يظهر التلاميذ إقرارهم بسلطانه.
تحليل أعمق
دعنا نتعمق أكثر في بعض جوانب الآية:
- طبيعة الشك: الشك في هذه الآية ليس بالضرورة شكًا كاملًا في حقيقة قيامة يسوع. قد يكون الأمر مرتبطًا بصعوبة استيعاب مثل هذا الحدث غير المسبوق. قد يكون التلاميذ قد شهدوا موت يسوع وعانوا من صدمة كبيرة. وبالتالي، فإن رؤيته حيًا مرة أخرى قد أثارت لديهم شكوكًا طبيعية.
- أهمية السياق: من المهم أن نتذكر أن الآية تأتي في نهاية إنجيل متى، بعد أن شهد التلاميذ صلب يسوع وقيامته. هذا السياق يضيف طبقة أخرى من الأهمية. إنها لحظة تتويج لقصة طويلة من التعليم والعمل والمعاناة والموت والقيامة.
- رسالة الرجاء: على الرغم من وجود الشك، فإن سجود التلاميذ هو الذي يبرز. هذا يدل على أن الإيمان يمكن أن ينتصر على الشك. الرسالة هي رسالة رجاء، حتى في مواجهة الصعوبات والشكوك، يمكن للإيمان أن يزدهر.
متى 28:16-20: الوصية العظمى
متى 28:17 يسبق مباشرةً الوصية العظمى (متى 28:18-20)، والتي فيها يأمر يسوع تلاميذه بالذهاب إلى جميع الأمم وتعليمهم وتعميدهم. هذه الوصية هي جوهر الرسالة المسيحية، وهي تستند إلى حقيقة قيامة يسوع. بدون القيامة، لن تكون هناك قوة لهذه الوصية. متى 28:17 يهيئ المسرح للوصية العظمى من خلال إظهار أن التلاميذ قد رأوا يسوع القائم من الأموات وتعاملوا معه.
إن وجود الشك في متى 28:17 يجعل الوصية العظمى أكثر أهمية. يسوع لا يلوم التلاميذ على شكوكهم؛ بل هو يستخدم هذه اللحظة لتأكيد سلطانه ويمنحهم المهمة العظيمة. هذا يدل على أن يسوع يفهم طبيعة الإنسان ويستخدم نقاط الضعف البشرية لبناء قوة إيمانية.
الآية في الفن والأدب
أثرت متى 28:17 في الفن والأدب عبر القرون. غالبًا ما تم تصوير مشهد ظهور يسوع لتلاميذه في الفن، مع التركيز على تعبيراتهم المختلفة. يمكن رؤية السجود والشك في العديد من اللوحات والنحت. في الأدب، تم استخدام الآية لاستكشاف موضوعات الإيمان والشك والرجاء. إنها توفر نقطة انطلاق قوية للقصص التي تدور حول البحث عن الحقيقة والتعامل مع التحديات الروحية.
تطبيق الآية في الحياة اليومية
يمكن تطبيق متى 28:17 على حياة المؤمنين اليومية بعدة طرق:
- الاعتراف بالشك: لا تخف من الاعتراف بالشكوك. الشك هو جزء طبيعي من رحلة الإيمان. يمكن أن يدفعنا إلى البحث عن إجابات وتعميق فهمنا.
- السجود والعبادة: بغض النظر عن الشكوك، استمر في العبادة. السجود لله هو طريقة للتعبير عن الإيمان والاعتماد عليه.
- البحث عن الحقيقة: اطلب الحقيقة من خلال دراسة الكتاب المقدس والصلاة. هذا سيساعدك على تقوية إيمانك.
- التعاطف مع الآخرين: تذكر أن الآخرين قد يواجهون شكوكًا. كن متعاطفًا ومستعدًا لدعمهم في رحلتهم الإيمانية.
الأهمية المستمرة
متى 28:17 لا تزال ذات صلة بالمؤمنين اليوم. إنها تذكرنا بأن الإيمان ليس دائمًا سهلاً، ولكنه دائمًا يستحق العناء. إنها تشجعنا على السعي إلى علاقة أعمق مع الله، حتى في مواجهة الشكوك. إنها دعوة للعبادة والسجود، حتى في اللحظات التي نشعر فيها بعدم اليقين. إنها جزء من القصة التي تستمر في إلهام الناس في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
متى 28:17 هي آية قوية تعرض رد فعل التلاميذ على رؤية يسوع القائم من الأموات. تصور الآية مزيجًا من السجود والشك، مما يعكس طبيعة الإيمان المعقدة. إنها جزء من سرد أوسع يثبت قيامة يسوع ويدعو المؤمنين إلى عبادته. هذه الآية هي رسالة رجاء، تذكرنا بأنه حتى في مواجهة الشك، يمكن للإيمان أن ينتصر. إنها تدعونا إلى البحث عن الحقيقة، والعبادة، والتعاطف مع الآخرين. الأهمية المستمرة لهذه الآية تكمن في قدرتها على التحدث إلى تجاربنا الإنسانية المشتركة، بما في ذلك صراعاتنا مع الإيمان والشك.