سياق الآية
لفهم متى 28:16 بشكل كامل، من الضروري النظر في سياقها الأوسع في إنجيل متى. بعد صلب يسوع وقيامته، كانت هناك سلسلة من الظهورات لتلاميذه. في متى 28، تظهر هذه الظهورات في الجليل، وهو المكان الذي حدده يسوع للقاء تلاميذه. الآيات التي تسبق الآية 16 تصف اكتشاف القبر الفارغ من قبل النساء، وظهور ملاك لهن، وإعلان قيامة يسوع.
الآية 16 على وجه التحديد تبدأ بسرد: “وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذاً فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ.” هذا السرد يوضح أن التلاميذ الأحد عشر (بعد أن انتحر يهوذا الإسخريوطي) امتثلوا لأمر يسوع بالذهاب إلى الجليل، إلى الجبل الذي حدده لهم.
تحليل الآية
دعونا نقسم الآية إلى أجزائها الرئيسية ونحللها:
- “وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذاً”: يشير هذا إلى مجموعة التلاميذ الذين بقوا مع يسوع بعد خيانة يهوذا. يمثل هؤلاء التلاميذ الأساس الذي ستبنى عليه الكنيسة المسيحية.
- “فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ”: يوضح هذا الجزء من الآية طاعة التلاميذ لأمر يسوع. الجليل كان له أهمية خاصة في حياة يسوع، حيث قضى معظم وقته في الخدمة والتعليم.
- “إِلَى الْجَبَلِ”: يحدد هذا الجزء المكان الذي التقوا فيه بيسوع. الجبل غالبًا ما يمثل مكانًا للقاء بالله في الكتاب المقدس، ويمكن أن يرمز إلى القداسة والارتقاء الروحي.
- “حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ”: يوضح هذا الجزء سبب ذهاب التلاميذ إلى الجبل، وهو أن يسوع أمرهم بالذهاب إليه هناك. وهذا يدل على سلطة يسوع وقيادته لتلاميذه حتى بعد قيامته.
أهمية الآية
متى 28:16 هو نقطة انطلاق لـ “الإرسالية العظيمة” في الآيات التالية (متى 28:18-20). هذه الآية تحدد المشهد للقاء التلاميذ بيسوع، والذي سيتبعه توجيهاته النهائية لهم. أهمية هذه الآية تكمن في عدة جوانب:
- الطاعة: تظهر طاعة التلاميذ لأمر يسوع، مما يمثل نموذجًا للمؤمنين في طاعة أوامر يسوع وتعاليمه.
- الاجتماع: تؤكد الآية على أهمية الاجتماع مع يسوع. الجبل يمثل مكانًا للقاء والتواصل، مما يشير إلى أهمية العلاقة الشخصية مع المسيح.
- التحضير: الآية تهيئ القارئ للتوجيهات التي سيقدمها يسوع في الآيات التالية، والتي تتضمن الأمر بالتبشير والتعليم والتعميد.
العلاقة بالإرسالية العظيمة
متى 28:16 هي بمثابة مقدمة للإرسالية العظيمة. بعد هذا اللقاء، يظهر يسوع لتلاميذه ويتكلم إليهم، ويعطيهم السلطة لإعلان الإنجيل لجميع الأمم، وتعليمهم كل ما أوصى به. يمكن القول أن متى 28:16 تضع الأساس لهذا التكليف، حيث أن التلاميذ يجتمعون في المكان الذي أمرهم يسوع فيه، مما يمهد الطريق للرسالة التي سيعطونها للعالم.
الرمزية في متى 28:16
تحمل الآية رمزية عميقة تتجاوز معناها الحرفي. الجبل، كمكان للاجتماع، يرمز إلى مكان اللقاء مع الله. الجليل، كمكان للخدمة، يذكرنا بأهمية نشر كلمة الله في كل مكان. طاعة التلاميذ لأمر يسوع ترمز إلى طاعة المؤمنين لإرادة الله.
الآية تذكرنا أيضًا بأهمية أن نطيع أوامر يسوع وأن نذهب إلى المكان الذي يحدده لنا. قد لا يكون هذا المكان جبلًا بالمعنى الحرفي، بل قد يكون مكانًا رمزيًا، مثل المجتمع، أو مكان عملنا، أو أي مكان آخر ندعى فيه لنشر رسالة الإنجيل.
التفسيرات اللاهوتية
تعتبر الآية 16 من متى 28 حجر الزاوية في اللاهوت المسيحي. يرى المفسرون فيها:
- تأكيد لاهوت يسوع: من خلال سلطته في إعطاء الأوامر، يسوع يظهر كشخص إلهي له السلطان على كل شيء.
- أهمية الكنيسة: تجمع التلاميذ في الجليل، مما يشير إلى تأسيس الكنيسة واستمرار رسالة الإنجيل من خلالها.
- الدعوة إلى التبشير: الآية تضع الأساس لدعوة المسيحيين إلى مشاركة الإنجيل مع الآخرين.
تؤكد هذه الآية على أهمية الإيمان بيسوع كرب ومخلص، وعلى أهمية السعي لنشر رسالة الإنجيل في كل مكان.
المقارنة مع الأناجيل الأخرى
توجد روايات مماثلة لظهور يسوع بعد القيامة في الأناجيل الأخرى (مرقس ولوقا ويوحنا). ومع ذلك، يختلف كل إنجيل في التفاصيل والتركيز. في إنجيل مرقس (مرقس 16:7)، يوجه الملاك النساء لإخبار التلاميذ والرسول بطرس بالذهاب إلى الجليل، حيث سيرون يسوع. في إنجيل لوقا (لوقا 24:13-53)، تظهر قيامة يسوع للتلاميذ على الطريق إلى عمواس، ويأكل معهم، ثم يصعد إلى السماء. في إنجيل يوحنا (يوحنا 20:19-29)، يظهر يسوع للتلاميذ في غرفة مغلقة، ثم لتوما بعد ذلك.
على الرغم من الاختلافات في التفاصيل، تتفق جميع الأناجيل على حقيقة قيامة يسوع وظهوره لتلاميذه. يركز إنجيل متى على إعطاء يسوع السلطة لتلاميذه وإرسالهم للتبشير في كل مكان. هذا يبرز أهمية الإرسالية العظيمة في نشر رسالة الإنجيل.
التطبيق العملي
بالنسبة للمؤمنين، تحمل متى 28:16 أهمية عملية. إنها تذكرنا بما يلي:
- الطاعة لله: يجب علينا أن نطيع أوامر يسوع وأن نسعى لفعل إرادته في حياتنا.
- البحث عن يسوع: يجب أن نبحث عن يسوع في كل مكان، وأن نسعى للقاء به في الصلاة والتأمل في كلمته.
- مشاركة الإنجيل: يجب أن نكون على استعداد لمشاركة رسالة الإنجيل مع الآخرين، وأن نكون شهودًا ليسوع المسيح.
- الاجتماع مع الإخوة: يجب أن نشجع على الاجتماعات مع الإخوة المؤمنين لنتمكن من النمو الروحي معًا.
باتباع هذه المبادئ، يمكننا أن نعيش حياة ترضي الله وأن نساهم في نشر رسالة الإنجيل في جميع أنحاء العالم.
الخلاصة
متى 28:16 هي آية مركزية في العهد الجديد، حيث تحدد المشهد للإرسالية العظيمة. تظهر الآية طاعة التلاميذ لأمر يسوع بالذهاب إلى الجليل، حيث سيلتقون به. تحمل الآية رمزية عميقة وتذكرنا بأهمية الطاعة، والاجتماع مع يسوع، والتحضير للخدمة. إنها تدعونا إلى التفكير في دورنا في نشر رسالة الإنجيل.
المراجع
- Bible Gateway: Matthew 28:16
- Britannica: Gospel According to Matthew
- Crossway: What Is the Great Commission?
- Blue Letter Bible: Matthew 28 Commentary
“`