سياق الآية
لفهم متى 7:21 بشكل كامل، من الضروري النظر إليها في سياقها العام. عظة يسوع على الجبل، التي وردت في الأصحاحات 5-7 من إنجيل متى، تقدم مجموعة من المبادئ الأساسية للعيش المسيحي. يبدأ يسوع بتقديم التطويبات، وهي سلسلة من البركات التي تصف السمات الروحية التي ينبغي أن يتحلى بها أتباعه. ثم ينتقل إلى مناقشة العلاقات الإنسانية، بما في ذلك الغضب والزنا والطلاق والانتقام. بعد ذلك، يعلم يسوع عن الصلاة والصوم والعطاء، ويدعو تلاميذه إلى أن يكونوا ملح الأرض ونور العالم.
في الفصل السابع، يختتم يسوع عظته بالتحذير من الدخول في الدينونة على الآخرين. ثم يقدم وصية “ادخلوا من الباب الضيق”، والتي تشير إلى صعوبة طريق الحياة الأبدية. بعد ذلك، يحذر من الأنبياء الكذبة، الذين يأتون بثياب الحملان ولكنهم في الواقع ذئاب خاطفة. ثم يأتي متى 7:21 كجزء من هذه السلسلة من التحذيرات والتعليمات.
نص الآية وتفسيرها
نص متى 7:21 يقول: “ليس كل من يقول لي يا رب، يا رب! يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات“. هذه الآية تحمل رسالة واضحة: مجرد النطق بكلمة “رب” أو الإعلان عن الإيمان بيسوع ليس كافيًا للدخول إلى ملكوت السموات. بدلاً من ذلك، يتطلب الأمر القيام بإرادة الله، أي اتباع تعاليم يسوع والعيش وفقًا لإرادة الله.
تعتبر كلمة “يا رب” (Kyrie Eleison) في هذه الآية تعبيرًا عن الاعتراف بيسوع كرب ومخلص. ومع ذلك، فإن يسوع يوضح أن هذا الاعتراف اللفظي وحده غير كافٍ. يجب أن يترافق الإيمان بالعمل. يشير يسوع إلى أن الإيمان الحقيقي يظهر من خلال الأفعال. الشخص الذي يؤمن بيسوع حقًا سيسعى إلى فعل ما يرضي الله. هذا يشمل طاعة وصايا يسوع، ومحبة القريب، وممارسة الرحمة والعدالة.
يشير تعبير “الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات” إلى أهمية الطاعة والعمل الصالح. إرادة الله هي أن يعيش الناس حياة مقدسة، وأن يحبوا بعضهم بعضًا، وأن يبشروا بالإنجيل. أولئك الذين يسعون إلى فعل إرادة الله هم الذين يدخلون ملكوت السموات. هذا لا يعني أن الأعمال الصالحة تكتسب الخلاص، بل هي دليل على الإيمان الحقيقي.
توضح هذه الآية أيضًا أهمية العلاقة الشخصية مع الله. لا يكفي مجرد ترديد العبارات الدينية أو ممارسة الطقوس. يجب أن تكون هناك علاقة حقيقية مع الله، مبنية على الثقة والطاعة والمحبة. يجب أن يكون لدى المؤمنين رغبة حقيقية في معرفة إرادة الله والعمل بها.
التحديات والأسئلة التي تثيرها الآية
تثير متى 7:21 العديد من التحديات والأسئلة الهامة. أحد هذه التحديات هو التوفيق بين الإيمان والأعمال الصالحة. كيف يمكن للمرء أن يعرف ما إذا كان يمارس الإيمان الحقيقي؟ هل هناك طريقة لقياس الأعمال الصالحة؟
الإجابة على هذه الأسئلة معقدة. يوضح الكتاب المقدس أن الخلاص هو هبة من الله، ولا يمكن اكتسابه من خلال الأعمال. ومع ذلك، فإن الإيمان الحقيقي يظهر من خلال الأعمال. الأعمال الصالحة ليست سببًا للخلاص، ولكنها نتيجة طبيعية للإيمان الحقيقي. إذا كان شخص ما يؤمن بيسوع حقًا، فسيظهر هذا الإيمان من خلال أفعاله.
تثير الآية أيضًا سؤالًا حول من هم “الذين يفعلون إرادة الله”. هل هم فقط الذين يطيعون جميع الوصايا بشكل مثالي؟ هل هناك مكان للخطأ والضعف؟
يعلم الكتاب المقدس أن الجميع يخطئون. لا أحد كامل. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يسعون إلى فعل إرادة الله هم الذين يندمون على خطاياهم، ويطلبون المغفرة، ويسعون إلى النمو في القداسة. إنهم ليسوا مثاليين، لكنهم يسعون دائمًا إلى أن يكونوا أفضل. إنهم يعترفون بأنهم بحاجة إلى نعمة الله.
تطرح الآية أيضًا سؤالًا حول كيفية الحكم على الآخرين. إذا كان مجرد الإعلان عن الإيمان لا يكفي، فكيف يمكن للمرء أن يعرف ما إذا كان شخص ما يدخل ملكوت السموات؟
يحذر الكتاب المقدس من إدانة الآخرين. يجب على المسيحيين أن يحكموا على أنفسهم أولاً، وأن يتركوا الحكم لله. ومع ذلك، فإنهم مدعوون إلى تمييز الأشخاص من خلال ثمارهم. الأشخاص الذين يمارسون الأعمال الصالحة هم الذين يظهرون علامات الإيمان الحقيقي.
أهمية الآية في اللاهوت المسيحي
متى 7:21 هي آية مركزية في اللاهوت المسيحي. إنها توفر إطارًا لفهم العلاقة بين الإيمان والأعمال الصالحة، وبين النعمة والجهد البشري. إنها تذكر المسيحيين بأن الإيمان الحقيقي يتجاوز مجرد الإعلان اللفظي، وأنه يجب أن يظهر من خلال الأعمال.
تؤكد هذه الآية على أهمية طاعة تعاليم يسوع. يسوع ليس فقط معلمًا، ولكنه أيضًا رب. إن اتباعه يعني طاعة كلماته. إن الذين يطيعون كلماته هم الذين يبنون حياتهم على أساس صلب (متى 7:24-27). أولئك الذين يسمعون كلماته ولا يعملون بها يشبهون رجلاً يبني بيته على الرمل.
تساعد متى 7:21 المسيحيين على تجنب الوقوع في الإيمان الزائف. هناك العديد من الأشخاص الذين يدعون الإيمان، ولكنهم لا يعيشون وفقًا لتعاليم يسوع. تحذر هذه الآية من هذا الإيمان الزائف، وتدعو المسيحيين إلى فحص حياتهم للتأكد من أن إيمانهم حقيقي.
تساعد هذه الآية أيضًا المسيحيين على فهم طبيعة ملكوت السموات. ملكوت السموات ليس مجرد مكان، ولكنه حالة من العلاقة مع الله. أولئك الذين يدخلون ملكوت السموات هم الذين لديهم علاقة حقيقية مع الله، مبنية على الإيمان والطاعة والمحبة.
تطبيقات عملية
تحمل متى 7:21 تطبيقات عملية مهمة للحياة اليومية. إليك بعض الطرق التي يمكن للمسيحيين من خلالها تطبيق هذه الآية في حياتهم:
- فحص الإيمان: يجب على المسيحيين أن يفحصوا بانتظام إيمانهم للتأكد من أنه حقيقي. يجب أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانوا يعيشون وفقًا لتعاليم يسوع. هل هم يظهرون ثمار الروح القدس (غلاطية 5:22-23)؟
- طاعة تعاليم يسوع: يجب على المسيحيين أن يطيعوا تعاليم يسوع في جميع جوانب حياتهم. يجب أن يسعوا إلى محبة الله ومحبة قريبهم (متى 22:37-40).
- العمل الصالح: يجب على المسيحيين أن يمارسوا الأعمال الصالحة كدليل على إيمانهم. يجب أن يساعدوا المحتاجين، وأن يغفروا للآخرين، وأن يعيشوا حياة نظيفة.
- العلاقة مع الله: يجب على المسيحيين أن يبنوا علاقة قوية مع الله من خلال الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والتأمل. يجب أن يسعوا إلى معرفة إرادة الله والعمل بها.
من خلال تطبيق هذه المبادئ، يمكن للمسيحيين أن يعيشوا حياة ترضي الله، وأن يستعدوا لدخول ملكوت السموات.
مقارنة بآيات أخرى
يمكن فهم متى 7:21 بشكل أفضل من خلال مقارنتها بآيات أخرى في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، قارنها مع رومية 10:9: “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت.” تبدو هذه الآية وكأنها تتعارض مع متى 7:21، لكنها في الواقع تكملها. يؤكد رومية 10:9 على أهمية الاعتراف بالإيمان بيسوع والإيمان به. ومع ذلك، تشير متى 7:21 إلى أن هذا الإيمان يجب أن يظهر من خلال الأعمال. الإيمان بدون أعمال ميت (يعقوب 2:26).
قارنها أيضًا مع أفسس 2:8-9: “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد.” توضح هذه الآية أن الخلاص هو هبة من الله، ولا يمكن اكتسابه من خلال الأعمال. ومع ذلك، يوضح أفسس 2:10 أن المؤمنين قد خُلقوا في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله وأعدها لكي نسلك فيها. مرة أخرى، الأعمال الصالحة ليست سببًا للخلاص، ولكنها نتيجة طبيعية للإيمان الحقيقي.
من خلال النظر في هذه الآيات الأخرى، يمكن للمرء أن يرى أن متى 7:21 لا تتعارض مع العقائد الكتابية الأخرى. إنها ببساطة تؤكد على أهمية الإيمان والأعمال الصالحة في حياة المؤمن.
الخلاصة
متى 7:21 هي آية مهمة تقدم رؤى قيمة حول طبيعة الإيمان والعمل الصالح والخلاص. إنها تذكر المسيحيين بأن مجرد الإعلان عن الإيمان لا يكفي؛ يجب أن يظهر الإيمان الحقيقي من خلال الأعمال. يجب على المسيحيين أن يسعوا إلى فعل إرادة الله، وأن يطيعوا تعاليم يسوع، وأن يعيشوا حياة ترضي الله. من خلال القيام بذلك، يمكنهم أن يثقوا في أنهم يسيرون في الطريق الصحيح نحو ملكوت السموات.