متى 7: 19
تبدأ الآية 19 بالتحذير: “كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار”. هذه العبارة تستخدم صورة استعارية، وهي الشجرة والثمر. هنا، ترمز الشجرة إلى الشخص أو الفرد، بينما يمثل الثمر الأعمال والأفعال التي يقوم بها. المقصود من الآية هو أن الشخص الذي لا ينتج أعمالًا صالحة أو “ثمارًا جيدة” سيواجه الدينونة. الدينونة هنا لا تعني بالضرورة العقاب الجسدي، بل تعني العزل أو الانفصال عن الله. هذا التحذير موجه بشكل خاص لأولئك الذين يدعون الإيمان ولكنهم لا يعيشون وفقًا لمبادئ وتعاليم يسوع.
لفهم هذه الآية بشكل أعمق، يجب النظر في سياقها الأوسع في عظة الجبل. يسوع كان يوضح كيف يجب أن يعيش أتباعه حياة تتميز بالبر والعدالة والإحسان. هو لم يأتِ لإلغاء الناموس، بل لإكماله. هذا يعني أن الأعمال الصالحة والعيش وفقًا لوصايا الله أمر ضروري، وليس مجرد اختيار. إن الأعمال هي دليل على الإيمان الحقيقي. بدون هذه الأعمال، يكون الإيمان ميتًا، كما يذكر يعقوب في رسالته (يعقوب 2: 26).
إن استخدام صورة الشجرة والثمر ليس جديدًا في الكتاب المقدس. في العهد القديم، استخدم الأنبياء هذه الصورة لوصف حالة إسرائيل وشعبها. كانت الشجرة تمثل إسرائيل، والثمر يمثل أعمال الشعب. عندما كان الشعب يطيع الله وينفذ وصاياه، كانون يحققون “ثمارًا جيدة”، مما يدل على برهم وإخلاصهم. عندما كانوا يعصون الله، كانوا ينتجون “ثمارًا رديئة”، مما يدل على فسادهم وشرهم. هذا التحذير له صدى خاص في ضوء رسالة يسوع التي تدعو إلى التوبة والتغيير في الحياة.
إن أهمية هذه الآية تكمن في دعوتها إلى المراجعة الذاتية. إنها دعوة لتقييم حياتنا وأعمالنا. هل نحن ننتج “ثمارًا جيدة”؟ هل أفعالنا تعكس إيماننا؟ هل نحن نعيش حياة تتوافق مع تعاليم يسوع؟ إذا لم نكن كذلك، فإن الآية تحذر من العواقب. هذا التحذير ليس للتخويف، بل هو دعوة إلى التغيير والنمو الروحي.
متى 7: 20
تتابع الآية 20 لتؤكد ما سبق: “فإذًا من ثمارهم تعرفونهم”. هذه الآية تقدم مبدأً أساسيًا في تحديد ما إذا كان شخص ما حقيقيًا أم لا. الفكرة الأساسية هي أن أفعال الشخص (الثمار) هي التي تكشف عن طبيعته الحقيقية (الشجرة). لا يمكن للمرء أن يدعي الإيمان أو يتظاهر بالصلاح، ولكن في النهاية، ستكشف أفعاله عن حقيقته.
هذه الآية تقدم معيارًا واضحًا للحكم. لا يعتمد الحكم على المظهر الخارجي أو الكلام، بل على الأعمال. يسوع لم يدعُ إلى الحكم على الآخرين بدافع التكبر أو الانتقاد. بدلاً من ذلك، كان يقدم معيارًا لتقييم الأشخاص بناءً على أفعالهم، خاصة في سياق تمييز المعلمين الكذبة. من خلال “ثمارهم” يمكن التعرف عليهم. هذا يعني أننا يجب أن نكون حذرين من أولئك الذين يدعون الإيمان ولكنهم لا يعيشون وفقًا له. يجب أن ننظر إلى حياتهم وأعمالهم، وليس فقط إلى كلماتهم.
من المهم أن نلاحظ أن هذا الحكم ليس موجهًا إلى إدانة الآخرين، بل إلى حماية أنفسنا من التأثيرات الضارة. المعلمون الكذبة قد يبدون في البداية جذابين، ولكن في النهاية، ستكشف أفعالهم عن طبيعتهم الحقيقية. قد يتحدثون عن الله، ولكن أعمالهم قد تكون مختلفة تمامًا. هذا التحذير مهم بشكل خاص في عالم اليوم، حيث يمكن أن ينتشر الباطل بسهولة.
الآية 20 لا تشجع على الحكم القاسي أو الانتقادي. إنها تشجع على التمييز الحكيم. يجب علينا أن نكون قادرين على تمييز الصواب من الخطأ، والحقيقة من الباطل. هذا التمييز يتطلب منا أن نكون على دراية بتعاليم الكتاب المقدس، وأن نكون منتبهين لأعمال الآخرين. يجب علينا أن نسأل أنفسنا: هل أفعالهم تتوافق مع كلماتهم؟ هل حياتهم تعكس محبة الله؟ هل هم ينتجون “ثمارًا جيدة”؟
مثال آخر على هذا المفهوم هو ما ورد في (لوقا 6: 43-44): “لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرًا رديئًا، ولا شجرة رديئة تثمر ثمرًا جيدًا. لأن كل شجرة تُعرف من ثمرها”. هذا التشديد على أهمية الثمار يعكس أهمية الأعمال في الإيمان المسيحي. إن الإيمان الحقيقي يتجلى في الأعمال. لا يكفي أن نؤمن بيسوع، بل يجب أن نعيش حياة تتوافق مع تعاليمه. هذا هو معنى “إنتاج ثمار جيدة”.
التطبيق العملي
للتطبيق العملي لهذه الآيات، يمكننا أن نفكر في عدة جوانب:
- فحص الذات: يجب علينا أن نسأل أنفسنا بانتظام: “هل أنا أنتج ثمارًا جيدة؟” هل أعمالي تعكس إيماني؟ هل أنا أعيش حياة بر وصدق؟
- تمييز المعلمين: يجب أن نكون حذرين من الاستماع إلى المعلمين الذين يدعون الإيمان ولكنهم لا يعيشون وفقًا له. يجب أن ننظر إلى حياتهم وأعمالهم، وليس فقط إلى كلماتهم.
- العلاقات: يجب أن نختار أصدقاء ومعارف يعيشون حياة تتوافق مع مبادئ الإيمان. يجب أن نبتعد عن أولئك الذين يؤثرون علينا سلبًا أو يدفعوننا إلى ارتكاب الشر.
- الشهادة: يجب أن نسعى لإنتاج “ثمار جيدة” حتى نكون شهودًا جيدين ليسوع. يجب أن تعكس حياتنا محبة الله ورحمته.
ببساطة، فإن هذه الآيات تحثنا على أن نكون عمليين في إيماننا. يجب أن نعيش حياة تتوافق مع تعاليم يسوع. يجب أن نكون قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، وأن نختار دائمًا ما هو جيد وصحيح. هذه الآيات ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة إلى التغيير والنمو الروحي.
الآيات في سياق عظة الجبل
عظة الجبل، التي تشمل متى 5-7، هي مجموعة من التعاليم التي قدمها يسوع لتلاميذه. في هذه العظة، قدم يسوع مبادئ أساسية للحياة المسيحية. وتشمل هذه المبادئ:
- التطويبات: هذه الآيات تصف الصفات التي يجب أن يتمتع بها تلاميذ يسوع.
- البر: يسوع يوضح أهمية البر في الحياة المسيحية.
- العلاقات: يسوع يقدم توجيهات حول كيفية التعامل مع الآخرين، بما في ذلك الأعداء.
- الصلاة والصيام: يسوع يعلم عن أهمية الصلاة والصيام في العلاقة مع الله.
- الكنوز: يسوع يحذر من جمع الكنوز الأرضية ويشجع على جمع الكنوز السماوية.
- الحكم: يسوع يحذر من الحكم على الآخرين ويحث على التمييز.
- الطريق الضيق: يسوع يوضح أن الطريق إلى الحياة الأبدية ضيق، وأن العديد من الناس يسلكون الطريق الواسع إلى الهلاك.
- ثمار الأعمال: الآيتان 19 و 20 هما جزء من هذه النقطة.
تُظهر عظة الجبل طبيعة يسوع وتعاليمه. إنها تدعو إلى حياة تتميز بالمحبة والرحمة والبر والعدالة. هذه التعاليم موجهة لتشجيع المؤمنين على العيش وفقًا لإرادة الله. متى 7: 19-20 هي جزء لا يتجزأ من هذه الرسالة، حيث إنها تشدد على أهمية الأعمال في إظهار الإيمان الحقيقي والتمييز بين الحقيقي والزائف.
أمثلة على “الثمار الجيدة”
ما هي بالضبط “الثمار الجيدة” التي يتحدث عنها يسوع؟ يمكن أن تشمل هذه الثمار:
- المحبة: محبة الله ومحبة القريب.
- الفرح: الفرح الروحي، حتى في أوقات الشدة.
- السلام: السلام مع الله ومع الآخرين.
- طول الأناة: الصبر والتحمل.
- اللطف: الإحسان والتعاطف مع الآخرين.
- الصلاح: فعل ما هو صحيح.
- الأمانة: الوفاء والإخلاص.
- الوداعة: التواضع والاتضاع.
- ضبط النفس: السيطرة على الذات.
- الخدمة: مساعدة الآخرين.
- البر: العيش في انسجام مع إرادة الله.
هذه الثمار ليست مجرد أعمال، بل هي نتائج لحياة مليئة بالروح القدس. عندما يسمح المؤمن للروح القدس بالعمل في حياته، فإنه ينتج هذه الثمار. إنها دليل على أن الإيمان حقيقي. إن إنتاج الثمار الجيدة هو عملية مستمرة. يجب علينا أن نسعى دائمًا إلى النمو في هذه الصفات، وأن نطلب من الله أن يساعدنا على أن نصبح أكثر شبهاً بيسوع.
التحذير من المعلمين الكذبة
في سياق الآيات 19 و 20، يحذر يسوع من المعلمين الكذبة. هؤلاء هم الأشخاص الذين يدعون الإيمان، ولكنهم لا يعيشون وفقًا له. قد يظهرون في البداية على أنهم صادقون، ولكن في النهاية، ستكشف أفعالهم عن طبيعتهم الحقيقية. يجب علينا أن نكون حذرين من هؤلاء الأشخاص، وأن نميز بين الحق والباطل. كيف يمكننا أن نميزهم؟
- من خلال أعمالهم: كما يقول يسوع، “من ثمارهم تعرفونهم”. انظر إلى حياتهم وأعمالهم. هل هي تتوافق مع تعاليم يسوع؟
- من خلال تعاليمهم: هل يعلمون الحق؟ هل تعاليمهم متوافقة مع الكتاب المقدس؟
- من خلال دوافعهم: لماذا يعلمون؟ هل يبحثون عن المجد لأنفسهم، أم أنهم يخدمون الله؟
يجب علينا أن نكون حذرين من المعلمين الذين يقودون الناس إلى الباطل. يجب علينا أن ندرس الكتاب المقدس بجد، وأن نطلب من الله الحكمة والتمييز. يجب علينا أن نبتعد عن أولئك الذين يضلون الناس، وأن نتبع الحق.
خاتمة
الآيتان 19 و 20 من متى 7 تقدمان تحذيرًا مهمًا وتوجيهًا قيّمًا للمؤمنين. إنها تذكّرنا بأهمية الأعمال في إظهار الإيمان الحقيقي. يجب علينا أن نسعى لإنتاج “ثمار جيدة”، وأن نعيش حياة تتوافق مع تعاليم يسوع. يجب علينا أن نكون حذرين من المعلمين الكذبة، وأن نميز بين الحق والباطل. هذه الآيات ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة إلى التغيير والنمو الروحي. يجب أن نراجع حياتنا بانتظام، وأن نسأل أنفسنا: هل نحن ننتج “ثمارًا جيدة”؟ هل أفعالنا تعكس إيماننا؟