نشأته وتعليمه
ولد ريكاردو بيغليا في مدينة أدروغي بمقاطعة بوينس آيرس بالأرجنتين عام 1941. نشأ في عائلة ذات خلفية إيطالية، وكان والده يعمل محاميًا. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في بوينس آيرس، ثم التحق بجامعة لابلاتا حيث درس التاريخ. خلال فترة دراسته الجامعية، انخرط بيغليا في الأوساط الأدبية والفكرية، وبدأ في كتابة القصص والمقالات.
تأثر بيغليا في شبابه بالتيارات الأدبية والفكرية السائدة في تلك الفترة، مثل الوجودية والبنيوية والماركسية. كما تأثر بشكل خاص بكتابات خورخي لويس بورخيس، الذي اعتبره بيغليا أحد أهم المؤثرين في الأدب الأرجنتيني.
مسيرته الأدبية
بدأ ريكاردو بيغليا مسيرته الأدبية في الستينيات، حيث نشر العديد من القصص والمقالات في المجلات الأدبية. في عام 1967، نشر مجموعته القصصية الأولى “الغزو” (La Invasión)، التي لاقت استحسانًا كبيرًا من النقاد والقراء. تميزت هذه المجموعة بأسلوبها التجريبي واستكشافها لقضايا الهوية والاغتراب.
في عام 1975، نشر بيغليا روايته الأولى “الغياب الأبدي” (Nombre falso)، التي تعتبر من أبرز أعماله. تدور أحداث الرواية حول قصة خوسيه ماريا خاردينا، وهو كاتب يعيش في المنفى ويحاول إعادة بناء هويته المفقودة. تتميز الرواية بأسلوبها المعقد واستخدامها للتقنيات السردية المتنوعة.
خلال فترة الحكم العسكري في الأرجنتين (1976-1983)، عاش بيغليا في المنفى في الولايات المتحدة، حيث عمل أستاذًا للأدب في جامعة هارفارد وجامعة برينستون. بعد عودته إلى الأرجنتين في عام 1984، استأنف نشاطه الأدبي والأكاديمي، ونشر العديد من الروايات والمقالات النقدية.
من أبرز أعمال بيغليا الأخرى: “المدينة الغائبة” (Ciudad ausente) (1992)، و”المال المحروق” (Plata quemada) (1997)، و”هدف في الليل” (Blanco nocturno) (2010).
أعماله النقدية
بالإضافة إلى أعماله الأدبية، كان ريكاردو بيغليا ناقدًا أدبيًا بارزًا. كتب العديد من المقالات والكتب النقدية حول الأدب الأرجنتيني والأمريكي اللاتيني. تميزت كتاباته النقدية بالعمق الفكري والتحليل الدقيق، واستكشافها للعلاقة بين الأدب والتاريخ والسياسة.
من أبرز كتبه النقدية: “أشكال مختصرة” (Formas breves) (1999)، و”القارئ الأخير” (El último lector) (2005).
أسلوبه الأدبي
تميز أسلوب ريكاردو بيغليا الأدبي بالعديد من الخصائص، منها:
- التجريب: استخدم بيغليا في أعماله العديد من التقنيات السردية التجريبية، مثل تيار الوعي والمونولوج الداخلي وتعدد الأصوات.
- التناص: كان بيغليا مولعًا بالتناص، حيث كان يدمج في أعماله العديد من الاقتباسات والإشارات إلى أعمال أدبية أخرى.
- الغموض: تميزت أعمال بيغليا بالغموض والإبهام، حيث كان يترك للقارئ حرية تفسير الأحداث والشخصيات.
- الاهتمام بالتفاصيل: كان بيغليا يولي اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل الصغيرة، حيث كان يعتقد أنها تحمل دلالات مهمة.
- استكشاف الهوية: استكشفت أعمال بيغليا قضايا الهوية والاغتراب والذاكرة، وخاصة في سياق التاريخ الأرجنتيني.
جوائز وتكريمات
حصل ريكاردو بيغليا على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الأدبية، منها:
- جائزة بلانيتا (Premio Planeta) عام 1997 عن روايته “المال المحروق”.
- جائزة رومولو جايجوس (Premio Rómulo Gallegos) عام 2011 عن روايته “هدف في الليل”.
- جائزة فورمنتور للآداب (Prix Formentor de las Letras) عام 2015.
تأثيره
ترك ريكاردو بيغليا بصمة واضحة على الأدب الأرجنتيني والأمريكي اللاتيني. ألهمت أعماله العديد من الكتاب والفنانين، ولا تزال تحظى بتقدير كبير من النقاد والقراء. يُعتبر بيغليا أحد أهم الأصوات في الأدب المعاصر، وسيظل اسمه مرتبطًا بالإبداع والابتكار والتجريب.
حياته الشخصية
تزوج ريكاردو بيغليا مرتين. كانت زوجته الأولى الشاعرة الأرجنتينية سوزانا سيلفستري، وتزوج لاحقًا من الصحفية مارتا أوروزكو. عانى بيغليا في سنواته الأخيرة من مرض التصلب الجانبي الضموري، الذي أثر على قدرته على الحركة والكلام. توفي في بوينس آيرس في 6 يناير 2017 عن عمر يناهز 75 عامًا.
خاتمة
كان ريكاردو بيغليا روائيًا وناقدًا أرجنتينيًا بارزًا، تميزت أعماله بالعمق الفكري والأسلوب التجريبي. استكشف بيغليا في رواياته وقصصه ومقالاته قضايا الهوية والتاريخ والذاكرة والسياسة في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية. ترك بيغليا بصمة واضحة على الأدب الأرجنتيني المعاصر، وسيظل اسمه مرتبطًا بالإبداع والابتكار.