حياتها المبكرة والتعليم
ولدت سوزان سترينج في بيفرلي، يوركشاير، إنجلترا، في عام 1923. تلقت تعليمها في مدرسة سانت ليوناردز، ثم التحقت بكلية نيونهام، كامبريدج، حيث درست الاقتصاد. بعد تخرجها، بدأت سترينج مسيرتها المهنية كصحفية اقتصادية، وعملت في صحف مثل “الإيكونوميست” و”الأوبزرفر”. زودتها هذه التجربة العملية بفهم عميق للاقتصاد العالمي الحقيقي، والذي أثر لاحقًا على عملها الأكاديمي.
المسيرة الأكاديمية
في الستينيات، انتقلت سترينج إلى الأوساط الأكاديمية، حيث شغلت مناصب في جامعة لندن ومعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. خلال هذه الفترة، بدأت في تطوير أفكارها المميزة حول الاقتصاد السياسي الدولي. كانت سترينج ناقدة صريحة للتخصصات الأكاديمية القائمة، بحجة أن العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي كانا منفصلين بشكل مصطنع. لقد سعت إلى دمج هذين المجالين لإنشاء فهم أكثر شمولية للشؤون العالمية.
مساهمات رئيسية في الاقتصاد السياسي الدولي
قدمت سوزان سترينج العديد من المساهمات الهامة في مجال الاقتصاد السياسي الدولي. تشمل بعض أعمالها الأكثر تأثيرًا ما يلي:
- السلطة والبنية: طورت سترينج إطارًا تحليليًا لفهم السلطة في الاقتصاد العالمي. لقد جادلت بأن السلطة لا تقتصر على الدول، بل تكمن أيضًا في هياكل السوق والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية. حددت أربعة أنواع رئيسية من السلطة الهيكلية: السلطة الأمنية، والسلطة الإنتاجية، والسلطة الائتمانية، والسلطة المعرفية.
- الدول والأسواق: استكشفت سترينج العلاقة المعقدة بين الدول والأسواق في الاقتصاد العالمي. لقد جادلت بأن الدول والأسواق ليسا قوتين منفصلتين، بل هما متشابكان ويؤثران على بعضهما البعض باستمرار. انتقدت فكرة أن الأسواق ذاتية التنظيم، مؤكدة على أهمية التدخل الحكومي في تنظيم الأسواق وتشكيلها.
- العلاقات النقدية الدولية: قدمت سترينج مساهمات كبيرة في دراسة العلاقات النقدية الدولية. لقد حللت تطور النظام النقدي الدولي، واستكشفت دور العملات الرئيسية مثل الدولار الأمريكي. كانت ناقدة صريحة للنظام النقدي الدولي القائم، بحجة أنه كان غير مستقر وعرضة للأزمات.
- نظرية المساومة: ساهمت سترينج في تطوير نظرية المساومة في الاقتصاد السياسي الدولي. طبقت مفهوم “المساومة” لشرح كيف تتفاوض الدول والجهات الفاعلة الأخرى على القضايا الاقتصادية وتتعاون بشأنها. أكدت على دور المعلومات والسلطة في عمليات المساومة.
أعمالها الهامة
ألفت سوزان سترينج عددًا من الكتب والمقالات المؤثرة التي شكلت مجال الاقتصاد السياسي الدولي. تشمل بعض أعمالها الأكثر شهرة:
- Sterling and British Policy: A Political Study of an International Currency in Decline (1971): يحلل هذا الكتاب تراجع الجنيه الإسترليني كعملة دولية ويستكشف الآثار السياسية لذلك.
- International Monetary Relations (1976): يقدم هذا الكتاب نظرة شاملة للعلاقات النقدية الدولية، ويغطي موضوعات مثل سعر الصرف والتكيف في ميزان المدفوعات.
- States and Markets (1988): ربما يكون هذا هو عمل سترينج الأكثر شهرة، ويستكشف العلاقة المعقدة بين الدول والأسواق في الاقتصاد العالمي.
- Rival States, Rival Firms: Competition for World Market Shares (1991): يحلل هذا الكتاب المنافسة بين الدول والشركات على حصص السوق العالمية، مع التركيز على دور السياسة الصناعية والتكنولوجيا.
- Casino Capitalism (1986): في هذا الكتاب، تجادل سترينج بأن النظام المالي العالمي أصبح أشبه بالكازينو، حيث تهيمن المضاربة والتقلبات.
- Mad Money: When Markets Outgrow Governments (1998): هذا الكتاب هو أحد آخر أعمالها، ويستكشف فكرة أن الأسواق أصبحت قوية جدًا لدرجة أنها تفوقت على قدرة الحكومات على تنظيمها.
تأثيرها وإرثها
كان لسوزان سترينج تأثير عميق على مجال الاقتصاد السياسي الدولي. لقد تحدت الحكمة التقليدية، وطورت أطرًا نظرية جديدة، وألهمت جيلًا من العلماء. غالبًا ما يُنظر إليها على أنها واحدة من مؤسسي الاقتصاد السياسي الدولي كتخصص متميز. يظل عملها ذا صلة اليوم، حيث يصارع العالم تحديات العولمة والأزمات المالية وتغير السلطة.
بالإضافة إلى مساهماتها الأكاديمية، كانت سترينج شخصية مؤثرة في تشكيل النقاش العام حول الاقتصاد العالمي. كانت معلقة متكررة في وسائل الإعلام، وقدمت رؤى ثاقبة حول القضايا الاقتصادية المعاصرة. كانت أيضًا معلمة مخصصة، أشرفت على العديد من طلاب الدكتوراه الذين أصبحوا باحثين بارزين في حد ذاتهم.
لقد تركت سوزان سترينج إرثًا دائمًا كباحثة رائدة ومفكرة مؤثرة في مجال الاقتصاد السياسي الدولي. سيستمر عملها في إلهام الباحثين وصانعي السياسات لسنوات قادمة.
نقد لعملها
على الرغم من تأثيرها الكبير، لم يكن عمل سوزان سترينج خاليًا من النقد. جادل بعض العلماء بأن إطارها التحليلي كان واسعًا جدًا ويفتقر إلى الدقة. انتقدها آخرون لتركيزها على دور الدولة وإهمالها أهمية الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل المنظمات غير الحكومية.
ومع ذلك، يعترف معظم العلماء بأهمية مساهمات سترينج في مجال الاقتصاد السياسي الدولي. لقد لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل هذا المجال، وسيستمر عملها في التأثير على المنح الدراسية والسياسة لسنوات قادمة.
جوائز وتكريمات
حصلت سوزان سترينج على العديد من الجوائز والتكريمات طوال حياتها المهنية، بما في ذلك:
- زميلة الأكاديمية البريطانية
- رئيسة جمعية الدراسات الدولية
- جائزة الإنجاز مدى الحياة من قسم الاقتصاد السياسي الدولي التابع لجمعية الدراسات الدولية
خاتمة
كانت سوزان سترينج شخصية بارزة في مجال الاقتصاد السياسي الدولي، حيث ساهمت بشكل كبير في فهمنا للعلاقة المعقدة بين السياسة والاقتصاد في الشؤون العالمية. من خلال عملها الرائد في السلطة الهيكلية، والدول والأسواق، والعلاقات النقدية الدولية، تحدت سترينج الحكمة التقليدية وألهمت جيلًا من العلماء. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل إرثها ذا صلة اليوم، حيث يصارع العالم تحديات العولمة والأزمات المالية وتغير السلطة. ستستمر رؤاها في تشكيل النقاش حول الاقتصاد السياسي الدولي لسنوات قادمة.