نشأة المجلة وتأسيسها
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم صراعًا أيديولوجيًا حادًا بين الشرق والغرب، وبين الشيوعية والرأسمالية. وفي هذا السياق، ظهرت الحاجة إلى منصة فكرية وثقافية قادرة على التصدي للأفكار الشيوعية ونشر قيم الحرية والديمقراطية. هنا، لعبت مجلة “إنكاونتر” دورًا بارزًا في هذا المجال.
تأسست المجلة بدعم من “مؤتمر الحرية الثقافية” (Congress for Cultural Freedom)، وهي منظمة ممولة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بهدف مكافحة النفوذ الشيوعي في أوروبا والعالم. كان الهدف من تأسيس المجلة هو توفير منبر للمفكرين والكتاب الغربيين للتعبير عن آرائهم بحرية ومناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية الهامة.
اختير ستيفن سبندر، وهو شاعر وناقد أدبي بريطاني، وإيرفينغ كريستول، وهو صحفي وكاتب أمريكي، ليكونان رئيسي تحرير المجلة. كان سبندر يتمتع بشهرة واسعة في الأوساط الأدبية البريطانية، بينما كان كريستول شخصية بارزة في الأوساط الفكرية الأمريكية.
المحتوى والمواضيع التي تناولتها المجلة
تميزت مجلة “إنكاونتر” بمحتواها الغني والمتنوع، الذي شمل مجموعة واسعة من المواضيع الأدبية والفكرية والسياسية. نشرت المجلة مقالات لكبار الكتاب والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك:
- مقالات في الأدب والنقد الأدبي.
- مقالات في الفلسفة والعلوم الاجتماعية.
- مقالات في السياسة والتاريخ.
- قصص قصيرة وقصائد شعرية.
- مراجعات للكتب والأفلام والمسرحيات.
من بين أبرز الكتاب والمفكرين الذين نشروا مقالاتهم في مجلة “إنكاونتر” نذكر:
- آرثر كوستلر.
- رايموند آرون.
- سيدني هوك.
- إدموند ويلسون.
- أيزايا برلين.
- ميلتون فريدمان.
تناولت المجلة مجموعة واسعة من القضايا السياسية والاجتماعية الهامة، بما في ذلك:
- الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب.
- الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية.
- الحرية الفردية وحقوق الإنسان.
- العدالة الاجتماعية والمساواة.
- دور المثقفين في المجتمع.
الجدل حول تمويل وكالة المخابرات المركزية
في منتصف الستينيات، كشفت بعض التقارير الصحفية عن تمويل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لـ “مؤتمر الحرية الثقافية” (Congress for Cultural Freedom)، وبالتالي لمجلة “إنكاونتر”. أثارت هذه التقارير جدلاً واسعًا في الأوساط الفكرية والثقافية، حيث اعتبر البعض أن هذا التمويل يشكل تدخلًا في حرية التعبير ويقوض استقلالية المجلة.
دافع البعض الآخر عن المجلة، مؤكدين أنها حافظت على استقلاليتها وحرية التعبير على الرغم من التمويل السري. وأشاروا إلى أن المجلة نشرت مقالات لكتاب ومفكرين من مختلف الاتجاهات السياسية، بمن فيهم من كانوا ينتقدون السياسة الأمريكية.
أدى الكشف عن التمويل السري إلى استقالة ستيفن سبندر من منصبه كرئيس تحرير المجلة. وخضعت المجلة لعملية إعادة هيكلة وتغيير في الإدارة.
تأثير المجلة وإرثها
على الرغم من الجدل الذي أثير حول تمويلها، تركت مجلة “إنكاونتر” إرثًا غنيًا في عالم الأدب والفكر والثقافة. لعبت المجلة دورًا هامًا في تشكيل النقاش الفكري والثقافي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وساهمت في نشر قيم الحرية والديمقراطية ومكافحة النفوذ الشيوعي.
كما ساهمت المجلة في إبراز أعمال العديد من الكتاب والمفكرين المرموقين، وتقديمهم إلى جمهور أوسع. ولا تزال مقالات المجلة تعتبر مصدرًا قيمًا للباحثين والمهتمين بالأدب والفكر السياسي والثقافة.
تعتبر “إنكاونتر” مثالًا على الدور الذي يمكن أن تلعبه المجلات الأدبية والفكرية في تشكيل الرأي العام والتأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية. كما أنها تثير تساؤلات هامة حول العلاقة بين الثقافة والسياسة، ودور المثقفين في المجتمع.
تغييرات في التحرير والتوجه
بعد فضيحة التمويل السري، شهدت المجلة سلسلة من التغييرات في التحرير والتوجه. حاول القائمون عليها استعادة مصداقيتها والحفاظ على مكانتها كمنصة فكرية مستقلة. تم تعيين رئيس تحرير جديد، وتم التركيز على نشر مقالات ذات جودة عالية تتناول قضايا متنوعة من منظور غير حزبي.
ومع ذلك، لم تستطع المجلة استعادة شعبيتها وتأثيرها السابقين. تراجعت مبيعاتها، وواجهت صعوبات مالية. وفي عام 1991، تم إغلاق المجلة نهائيًا.
أرشيف المجلة
يتوفر أرشيف مجلة “إنكاونتر” على الإنترنت، مما يتيح للباحثين والمهتمين الاطلاع على مقالاتها ومواضيعها. يعتبر هذا الأرشيف مصدرًا قيمًا لدراسة تاريخ الفكر والثقافة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
خاتمة
كانت مجلة “إنكاونتر” مجلة أدبية وفكرية بارزة لعبت دورًا هامًا في تشكيل النقاش الفكري والثقافي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. على الرغم من الجدل الذي أثير حول تمويلها السري، تركت المجلة إرثًا غنيًا في عالم الأدب والفكر، وساهمت في نشر قيم الحرية والديمقراطية. توقفت المجلة عن الصدور في عام 1991، لكن أرشيفها لا يزال متاحًا للباحثين والمهتمين.