مقدمة
الآشوريون في تركيا (بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ ܕܛܘܪܩܝܐ) أو الآشوريون الأتراك هم مجموعة عرقية ولغوية سامية الأصل، تعتبر من الأقليات الأصلية في تركيا. تاريخهم في المنطقة يعود إلى آلاف السنين، حيث كانت أرضهم جزءًا من الإمبراطوريات الآشورية القديمة. على مر العصور، مر الآشوريون بفترات من الازدهار والاضطهاد، مما أثر بشكل كبير على وجودهم وتوزيعهم الجغرافي في تركيا الحديثة.
التاريخ والجذور
تعود جذور الآشوريين في تركيا إلى العصور القديمة، حيث كانت المنطقة جزءًا من قلب الإمبراطورية الآشورية. كانت الإمبراطورية الآشورية، التي ازدهرت في الألفية الأولى قبل الميلاد، قوة عظمى في الشرق الأدنى القديم، وامتدت سيطرتها لتشمل أجزاء كبيرة من تركيا الحالية. بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية، استمر الآشوريون في الوجود في المنطقة، وحافظوا على لغتهم وثقافتهم وهويتهم المتميزة.
مع انتشار المسيحية في القرون الأولى الميلادية، اعتنق الآشوريون المسيحية، وأصبحوا جزءًا من الكنيسة الشرقية. لعب الآشوريون دورًا مهمًا في نشر المسيحية في آسيا الوسطى والشرق الأقصى. خلال العصور الوسطى، تعرض الآشوريون للاضطهاد الديني والعرقي، مما أدى إلى هجرات واسعة النطاق إلى مناطق أخرى.
في العصر الحديث، واجه الآشوريون تحديات كبيرة في تركيا، بما في ذلك الإبادة الجماعية الآشورية (سيفو) خلال الحرب العالمية الأولى. أدت هذه الأحداث إلى انخفاض كبير في عدد الآشوريين في تركيا، وإلى هجرة العديد منهم إلى بلدان أخرى.
التوزيع الجغرافي
يتركز وجود الآشوريين في تركيا بشكل أساسي في جنوب شرق البلاد، وخاصة في منطقة طور عبدين (بالسريانية: ܛܘܪ ܥܒܕܝܢ). تقع هذه المنطقة في محافظة ماردين، وتعتبر مركزًا تاريخيًا وثقافيًا للآشوريين. بالإضافة إلى طور عبدين، يتواجد الآشوريون أيضًا في مدن أخرى مثل ديار بكر وإسطنبول وأنقرة.
بسبب الهجرة والنزوح، انخفض عدد الآشوريين في تركيا بشكل كبير على مر السنين. تشير التقديرات الحالية إلى أن عدد الآشوريين في تركيا يتراوح بين 20,000 و 25,000 نسمة. ومع ذلك، فإن هناك عددًا كبيرًا من الآشوريين الأتراك الذين يعيشون في الشتات في بلدان مثل ألمانيا والسويد والولايات المتحدة.
- طور عبدين: المنطقة الرئيسية التي يتركز فيها الآشوريون في تركيا.
- ماردين: المحافظة التي تقع فيها منطقة طور عبدين.
- ديار بكر: مدينة أخرى في جنوب شرق تركيا يتواجد فيها الآشوريون.
- إسطنبول وأنقرة: مدن رئيسية في تركيا تضم تجمعات آشورية صغيرة.
اللغة والثقافة
يتحدث الآشوريون في تركيا اللغة السريانية، وهي لغة سامية تنتمي إلى عائلة اللغات الآرامية. تعتبر اللغة السريانية لغة مقدسة بالنسبة للآشوريين، حيث تستخدم في الطقوس الدينية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. بالإضافة إلى اللغة السريانية، يتحدث العديد من الآشوريين اللغة التركية.
تتميز الثقافة الآشورية في تركيا بتراث غني ومتنوع، يشمل الأدب والموسيقى والفنون والحرف اليدوية. يحتفظ الآشوريون بتقاليدهم وعاداتهم القديمة، ويحرصون على نقلها إلى الأجيال القادمة. تلعب الكنيسة دورًا مهمًا في الحفاظ على الثقافة والهوية الآشورية.
تشمل جوانب الثقافة الآشورية ما يلي:
- اللغة السريانية: لغة الآشوريين الأصلية والمقدسة.
- الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية: المؤسسات الدينية الرئيسية للآشوريين.
- الأدب والموسيقى والفنون: تعبيرات ثقافية مهمة للآشوريين.
- الحرف اليدوية: تشمل صناعة السجاد والمجوهرات والأعمال الخشبية.
التحديات والقضايا المعاصرة
يواجه الآشوريون في تركيا العديد من التحديات والقضايا المعاصرة، بما في ذلك:
- التمييز والتعصب: يتعرض الآشوريون للتمييز والتعصب بسبب هويتهم العرقية والدينية.
- الهجرة والنزوح: تستمر الهجرة والنزوح بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير المستقرة.
- الحفاظ على اللغة والثقافة: يواجه الآشوريون صعوبات في الحفاظ على لغتهم وثقافتهم في ظل التحديات الحديثة.
- قضايا الملكية والأراضي: توجد خلافات حول ملكية الأراضي والممتلكات بين الآشوريين والسلطات المحلية.
على الرغم من هذه التحديات، يعمل الآشوريون في تركيا على تعزيز حقوقهم وحماية ثقافتهم وهويتهم. هناك العديد من المنظمات والمؤسسات الآشورية التي تعمل على دعم المجتمع الآشوري والدفاع عن مصالحه.
تسعى الحكومة التركية إلى تحسين أوضاع الأقليات في البلاد، بما في ذلك الآشوريون. تم اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية في السنوات الأخيرة، مثل السماح بترميم الكنائس والأديرة، وتدريس اللغة السريانية في بعض المدارس.
المنظمات والمؤسسات الآشورية
تلعب المنظمات والمؤسسات الآشورية دورًا حيويًا في دعم المجتمع الآشوري في تركيا. تتنوع هذه المنظمات في أهدافها ونشاطاتها، ولكنها تشترك في هدف مشترك وهو تعزيز حقوق الآشوريين والحفاظ على ثقافتهم وهويتهم.
تشمل بعض المنظمات والمؤسسات الآشورية البارزة في تركيا:
- اتحاد الجمعيات الآشورية: منظمة شاملة تمثل العديد من الجمعيات الآشورية في تركيا.
- مؤسسة طور عبدين للثقافة والتراث: مؤسسة تعمل على الحفاظ على الثقافة والتراث الآشوري في منطقة طور عبدين.
- العديد من الكنائس والأديرة: تلعب الكنائس والأديرة دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والثقافية للآشوريين.
تعمل هذه المنظمات والمؤسسات على تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية، وتقديم الدعم المالي والقانوني للآشوريين المحتاجين، والدفاع عن حقوقهم أمام السلطات المحلية.
مستقبل الآشوريين في تركيا
يعتمد مستقبل الآشوريين في تركيا على عدة عوامل، بما في ذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وجهود المجتمع الآشوري للحفاظ على هويته وثقافته، وسياسات الحكومة التركية تجاه الأقليات.
على الرغم من التحديات التي يواجهونها، يظل الآشوريون متفائلين بشأن مستقبلهم في تركيا. إنهم مصممون على البقاء في أرضهم الأصلية، والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي ومزدهر.
يتطلب تحقيق هذا الهدف بذل المزيد من الجهود من قبل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة التركية والمجتمع الآشوري والمجتمع الدولي. يجب على الحكومة التركية اتخاذ خطوات ملموسة لضمان حقوق الأقليات، وتعزيز التسامح الديني والعرقي. يجب على المجتمع الآشوري مواصلة جهوده للحفاظ على هويته وثقافته، والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد. يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم للآشوريين في تركيا، ومساعدتهم على تحقيق تطلعاتهم.
خاتمة
الآشوريون في تركيا هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد. تاريخهم الغني وتراثهم الثقافي الفريد يمثلان إضافة قيمة إلى التنوع الثقافي في تركيا. على الرغم من التحديات التي واجهوها على مر العصور، يظل الآشوريون صامدين ومتمسكين بهويتهم. إن مستقبلهم في تركيا يعتمد على جهودهم المشتركة مع الحكومة التركية والمجتمع الدولي لتعزيز حقوقهم وحماية ثقافتهم وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.