مقدمة
لغة البرمجة بي سي بي إل (BCPL)، أو “لغة البرمجة الأساسية المجمعة” (Basic Combined Programming Language)، هي لغة برمجة إجرائية، حتمية، ومنظمة. تم تصميمها في الأصل كلغة لـ “تمهيد التشغيل” (bootstrap) لتسهيل تجميع أنظمة التشغيل. على الرغم من أنها لم تعد مستخدمة على نطاق واسع اليوم، إلا أن بي سي بي إل لعبت دورًا حاسمًا في تطوير لغات البرمجة اللاحقة، وخاصة لغة السي (C).
تاريخ وتطور بي سي بي إل
تم تطوير بي سي بي إل في عام 1966 بواسطة مارتن ريتشاردز في جامعة كامبريدج. كان الهدف الأولي هو توفير لغة بسيطة وقوية يمكن استخدامها لكتابة برامج النظام، مثل المترجمات وأنظمة التشغيل. تم تصميم بي سي بي إل لتكون قابلة للنقل بسهولة عبر معماريات الأجهزة المختلفة، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمطورين الذين يعملون على أنظمة متنوعة.
كانت بي سي بي إل مستوحاة من لغة البرمجة سي بي إل (CPL)، ولكنها كانت نسخة مبسطة تهدف إلى تسهيل التنفيذ والتعلم. سرعان ما اكتسبت شعبية في الأوساط الأكاديمية والبحثية، واستخدمت في مجموعة متنوعة من المشاريع، بما في ذلك تطوير نظام التشغيل تيموس (TymOS) وتطبيقات معالجة النصوص.
في سبعينيات القرن الماضي، بدأت بي سي بي إل في التأثير على تطوير لغات برمجة أخرى. كان كين تومبسون، أحد مطوري نظام التشغيل يونكس (Unix)، يستخدم بي سي بي إل في كتابة أدوات النظام. لاحقًا، قام دينيس ريتشي، بالتعاون مع تومبسون، بتطوير لغة السي (C) استنادًا إلى مفاهيم بي سي بي إل. أصبحت لغة السي فيما بعد واحدة من أكثر لغات البرمجة استخدامًا في العالم، ولا تزال مؤثرة حتى اليوم.
خصائص بي سي بي إل
تتميز بي سي بي إل بعدة خصائص تجعلها لغة فريدة من نوعها:
- البساطة: تم تصميم بي سي بي إل لتكون بسيطة وسهلة التعلم. تحتوي اللغة على مجموعة صغيرة من الكلمات المفتاحية والمفاهيم الأساسية، مما يجعلها في متناول المبرمجين المبتدئين.
- القدرة على النقل: تم تصميم بي سي بي إل لتكون قابلة للنقل بسهولة عبر معماريات الأجهزة المختلفة. تم تحقيق ذلك من خلال استخدام مترجم وسيط (intermediate compiler) يولد رمزًا وسيطًا، والذي يمكن بعد ذلك ترجمته إلى رمز الآلة الخاص بكل نظام.
- المرونة: توفر بي سي بي إل مرونة كبيرة للمبرمجين. يمكن استخدامها لكتابة مجموعة متنوعة من التطبيقات، من برامج النظام إلى تطبيقات المستخدم.
- التعامل مع الذاكرة: تعتبر بي سي بي إل لغة منخفضة المستوى نسبيًا، مما يعني أنها توفر للمبرمجين تحكمًا دقيقًا في إدارة الذاكرة. ومع ذلك، فإنها لا تحتوي على ميزات إدارة الذاكرة التلقائية مثل جمع البيانات المهملة (garbage collection)، مما يعني أن المبرمجين مسؤولون عن تخصيص الذاكرة وتحريرها بأنفسهم.
بنية لغة بي سي بي إل
تتشابه بنية بي سي بي إل مع بنية لغات البرمجة الإجرائية الأخرى. يتكون البرنامج من سلسلة من الإجراءات (procedures)، والتي هي عبارة عن مجموعات من التعليمات التي يتم تنفيذها بالتتابع. يمكن للإجراءات أن تستقبل معاملات (parameters) وتعيد قيمًا. تدعم بي سي بي إل هياكل التحكم الأساسية مثل العبارات الشرطية (if-then-else) والحلقات (while، for).
تستخدم بي سي بي إل نظام أنواع بيانات بسيطًا. تعتبر جميع المتغيرات مؤشرات (pointers) إلى مواقع الذاكرة. يمكن للمبرمجين تحديد أنواع البيانات التي تشير إليها هذه المؤشرات، ولكن اللغة لا تفرض هذه الأنواع بشكل صارم. هذا يسمح بمرونة كبيرة، ولكنه يتطلب أيضًا من المبرمجين أن يكونوا حذرين لتجنب الأخطاء.
مثال على برنامج بسيط في بي سي بي إل:
GET "LIBHDR"
MANIFEST {
MAX = 100
}
GLOBAL {
count:V
}
LET start() BE
{
FOR count = 1 TO MAX DO
{
writef("%N ", count)
}
newline()
}
يشير هذا البرنامج إلى ملف رأس المكتبة “LIBHDR”، ويعرف ثابتًا اسمه MAX بقيمة 100، ومتغيرًا عالميًا اسمه count. ثم يعرف الإجراء start() الذي يقوم بطباعة الأرقام من 1 إلى 100.
تأثير بي سي بي إل على لغة السي
كان لبي سي بي إل تأثير كبير على تطوير لغة السي. استعار دينيس ريتشي العديد من المفاهيم والميزات من بي سي بي إل عند تصميم لغة السي، بما في ذلك:
- المؤشرات: تعتبر المؤشرات مفهومًا أساسيًا في كلتا اللغتين. تسمح المؤشرات للمبرمجين بالوصول المباشر إلى مواقع الذاكرة ومعالجتها.
- بنية اللغة: تتشابه بنية لغة السي مع بنية بي سي بي إل. تستخدم كلتا اللغتين الإجراءات وهياكل التحكم الأساسية.
- التعامل مع الذاكرة: على غرار بي سي بي إل، توفر لغة السي تحكمًا دقيقًا في إدارة الذاكرة. ومع ذلك، فإنها لا تحتوي على ميزات إدارة الذاكرة التلقائية.
على الرغم من أوجه التشابه هذه، هناك أيضًا اختلافات كبيرة بين اللغتين. لغة السي هي لغة أكثر قوة وتعقيدًا من بي سي بي إل. تدعم لغة السي أنواع بيانات أكثر تعقيدًا، وتوفر ميزات مثل البرمجة الشيئية (object-oriented programming). كما أن لغة السي لديها مجموعة أكبر من المكتبات القياسية، مما يجعلها أكثر ملاءمة لتطوير مجموعة واسعة من التطبيقات.
استخدامات بي سي بي إل اليوم
على الرغم من أن بي سي بي إل لم تعد مستخدمة على نطاق واسع في تطوير البرامج الحديثة، إلا أنها لا تزال تستخدم في بعض المجالات المتخصصة. على سبيل المثال، تستخدم بي سي بي إل في تطوير بعض أنظمة التشغيل المضمنة (embedded operating systems). كما أنها تستخدم في بعض المشاريع البحثية والتطويرية.
بالإضافة إلى ذلك، تعد دراسة بي سي بي إل مفيدة لفهم تاريخ وتطور لغات البرمجة. من خلال فهم المفاهيم والمبادئ التي تقوم عليها بي سي بي إل، يمكن للمبرمجين الحصول على تقدير أعمق للغات البرمجة الحديثة.
ايجابيات وسلبيات بي سي بي إل
مثل أي لغة برمجة، تمتلك بي سي بي إل مجموعة من الايجابيات والسلبيات:
الايجابيات:
- بسيطة وسهلة التعلم: تجعلها مثالية للمبتدئين.
- قابلة للنقل: تعمل على مجموعة متنوعة من الأجهزة.
- مرنة: يمكن استخدامها في أنواع مختلفة من المشاريع.
- تأثير تاريخي: كانت مؤثرة في تطوير لغات أخرى مثل السي.
السلبيات:
- غير مستخدمة على نطاق واسع: توفر عدد قليل من الوظائف الحديثة.
- إدارة الذاكرة اليدوية: تتطلب إدارة دقيقة لتجنب الأخطاء.
- محدودة من حيث الميزات: لا توفر ميزات متقدمة مثل البرمجة الشيئية.
خاتمة
لغة البرمجة بي سي بي إل هي لغة برمجة إجرائية، حتمية، ومنظمة لعبت دورًا مهمًا في تاريخ وتطور لغات البرمجة. على الرغم من أنها لم تعد مستخدمة على نطاق واسع اليوم، إلا أنها لا تزال ذات قيمة لفهم تطور لغات البرمجة الحديثة. كانت بي سي بي إل مؤثرة بشكل خاص في تطوير لغة السي، وهي واحدة من أكثر لغات البرمجة استخدامًا في العالم.