نشأته وبداياته
ولد فاسيل بودنارشوك في 12 أبريل 1927 في قرية بوتميفكا، مقاطعة كولوميا، أوكرانيا (التي كانت آنذاك جزءًا من بولندا). تلقى تعليمه المبكر في المدرسة المحلية، وأظهر اهتمامًا كبيرًا بالدين في سن مبكرة. في شبابه، تأثر بشدة بالروحانية الأرثوذكسية والتقاليد الأوكرانية، مما دفعه إلى اتخاذ قرار بدخول سلك الكهنوت.
بدأ بودنارشوك دراسته في اللاهوت في المعهد الأرثوذكسي في وارسو، ولكنه أُجبر على تعليق دراسته خلال الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب، استأنف دراسته في معهد أوديسا اللاهوتي، وتخرج منه عام 1950. في نفس العام، رُسم كاهنًا وبدأ خدمته في أبرشية تشيرنيفتسي.
نشاطه الديني والسياسي
شهدت فترة خدمة بودنارشوك الكهنوتية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين فترة من القمع الديني المتزايد في الاتحاد السوفيتي. تعرضت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية لضغوط شديدة من أجل الاندماج مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وقمعت السلطات أي محاولات للحفاظ على الاستقلال الديني والثقافي الأوكراني. في مواجهة هذه الظروف، أصبح بودنارشوك صوتًا بارزًا للمقاومة.
دافع بودنارشوك بقوة عن الحقوق الدينية للأوكرانيين، وندد بالاضطهاد الذي تعرضت له الكنيسة الأوكرانية. اتهم علنًا السلطات السوفيتية بمحاولة تدمير الهوية الوطنية الأوكرانية من خلال قمع الدين والثقافة. ألقى مواعظ حماسية باللغة الأوكرانية، مما ساهم في تعزيز الوعي الوطني وتعزيز المقاومة السرية.
بسبب نشاطه، تعرض بودنارشوك للمضايقات من قبل سلطات الأمن السوفيتية (KGB). تعرض للاعتقال والتحقيق والمراقبة المستمرة. في عام 1966، حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة “الدعاية المعادية للسوفيتية” و”انتهاك قوانين الدولة الخاصة بالعبادة”. أمضى بودنارشوك جزءًا من مدة عقوبته في معسكرات العمل في منطقة موردوفيا، حيث تعرض لمعاملة قاسية.
نضاله من أجل الكنيسة الأوكرانية المستقلة
بعد إطلاق سراحه من السجن، واصل بودنارشوك نشاطه الديني والسياسي. أصبح من أبرز المؤيدين لإحياء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة. رأى في هذا الأمر وسيلة حيوية للحفاظ على الهوية الوطنية الأوكرانية وتعزيز التحرر من السيطرة السوفيتية.
في عام 1989، مع تخفيف القيود المفروضة على النشاط الديني في ظل سياسة البيريسترويكا التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف، برز بودنارشوك كأحد القادة الرئيسيين لإحياء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. شارك بنشاط في إعادة تنظيم الكنيسة، ودعم إعلان استقلالها عن بطريركية موسكو. في عام 1990، تمت ترقيته إلى رتبة المتروبوليت، وتولى قيادة أبرشية تشيرنيفتسي.
بصفته متروبوليتًا، لعب بودنارشوك دورًا حاسمًا في إعادة تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية كقوة دينية وثقافية مهمة في أوكرانيا. عمل على إعادة بناء الكنائس والأديرة، وتدريب رجال الدين، وتعزيز الوعي الديني بين الأوكرانيين. كما شارك بنشاط في الحياة السياسية للبلاد، ودعم الحركة من أجل الاستقلال.
إرثه
توفي المتروبوليت يوحنا في 9 نوفمبر 1994. لقد ترك إرثًا دائمًا كواحد من أبرز الشخصيات في تاريخ الكنيسة الأوكرانية في القرن العشرين. كان معروفًا بشجاعته وتفانيه في الدفاع عن الحقوق الدينية والحريات الوطنية. ألهمت حياته وعمله أجيالًا من الأوكرانيين.
يُذكر بودنارشوك اليوم كرمز للمقاومة ضد القمع السوفيتي، وكمدافع عن الاستقلال الديني والوطني لأوكرانيا. لقد ساهم في تعزيز الوعي الوطني، وتعزيز التراث الثقافي الأوكراني، وتمهيد الطريق أمام بناء دولة أوكرانية مستقلة وديمقراطية.
أعماله
بالإضافة إلى نشاطه الديني والسياسي، كان بودنارشوك مؤلفًا غزير الإنتاج. كتب العديد من المقالات والمقالات والمواعظ التي تناولت قضايا الدين والثقافة والتاريخ الأوكراني. كانت كتاباته بمثابة مصدر إلهام للعديد من الأوكرانيين، وساهمت في تعزيز الوعي الوطني وتعزيز المقاومة الثقافية ضد النظام السوفيتي.
من بين أعماله البارزة:
- “أيديولوجية الإلحاد” (Ідеологія атеїзму)
- “الكنيسة الأوكرانية في القرن العشرين” (Українська Церква у ХХ столітті)
- “في سبيل الحق والحرية” (За правду і волю) – مجموعة مختارة من المواعظ والمقالات
التأثير على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية
كان لبودنارشوك تأثير عميق على تطوير الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. ساعد في إلهام وإعادة إحياء الكنيسة بعد سنوات من القمع السوفيتي، وساهم في جهودها من أجل الاستقلال. دعمه الثابت للكنيسة الأوكرانية المستقلة، وجهوده لتعزيز الوعي الديني، ساهمت في زيادة شعبيتها وتأثيرها.
علاوة على ذلك، ألهمت قيادته العديد من رجال الدين العلمانيين على تحدي القمع السوفيتي والدفاع عن حقوقهم الدينية. وبذلك، ساهم في نمو وتطور الكنيسة الأوكرانية ككيان مستقل وذات سيادة.
مكانته في أوكرانيا الحديثة
يُعتبر المتروبوليت يوحنا شخصية محترمة للغاية في أوكرانيا الحديثة. غالبًا ما يتم الاستشهاد به كنموذج يحتذى به للشجاعة والتفاني في خدمة بلاده وشعبها. تُكرّم ذكراه من خلال نصب التذكارات، وإحياء الذكرى السنوية لوفاته، وإقامة المؤتمرات المكرسة لإرثه.
أصبح بودنارشوك رمزًا هامًا للهوية الوطنية الأوكرانية. تعتبر مساهماته في الحركة من أجل الاستقلال، ودعمه للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة، حاسمة في بناء أوكرانيا الحديثة.
الاعتراف الدولي
بالإضافة إلى الاعتراف به في أوكرانيا، حظي بودنارشوك أيضًا بالتقدير على المستوى الدولي. تم الاعتراف بدوره في الدفاع عن الحقوق الدينية وحقوق الإنسان من قبل العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية. يمثل مثالاً على قيادة دينية شجاعة، أثرت على حياة العديد من الناس، وساهمت في تعزيز السلام والعدالة.
خاتمة
كان المتروبوليت يوحنا بودنارشوك شخصية بارزة في تاريخ أوكرانيا، حيث جمع بين الروحانية والنشاط الوطني. لقد دافع بشجاعة عن الحقوق الدينية والحريات الوطنية، وعارض بشدة القمع السوفيتي. ساهمت جهوده في إحياء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة، وتعزيز الهوية الوطنية، والتحضير لاستقلال أوكرانيا. إرثه لا يزال يلهم الأوكرانيين حتى اليوم.
المراجع
“`