سياق متى 28:18
لكي نفهم متى 28:18 بشكل كامل، من الضروري أن نضعه في سياقه الأوسع. يقع هذا العدد في نهاية إنجيل متى، بعد القيامة مباشرة. في الأصحاح 28، يظهر يسوع لتلاميذه بعد قيامته، ويأمرهم بالذهاب إلى جميع الأمم والتلمذة بها. هذه اللحظة هي تتويج لخدمة يسوع على الأرض، وتؤسس لرسالة الكنيسة في كل العصور. يسبق متى 28:18 مباشرة ظهور يسوع للتلاميذ على جبل في الجليل، حيث يعطيهم الأمر العظيم.
نص متى 28:18
ينص متى 28:18 على ما يلي: “فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ.»” (الترجمة العربية المشتركة). يركز هذا العدد على فكرتين رئيسيتين: أولاً، سلطان يسوع المطلق؛ وثانيًا، شمولية هذا السلطان. يوضح هذا العدد أن يسوع قد مُنح كل السلطة في السماء وعلى الأرض، مما يجعله محورًا للعبادة والطاعة.
تحليل لاهوتي
يمثل متى 28:18 إعلانًا واضحًا لسلطان يسوع. يشير مصطلح “دُفِعَ” إلى أن يسوع قد تلقى هذا السلطان من الله الآب. هذا التأكيد على السلطان الإلهي ليس مجرد تأكيد على سلطة يسوع، بل هو أيضًا تأكيد على ألوهيته. من خلال ادعاء السلطان على السماء والأرض، يؤكد يسوع سيادته على كل الخليقة. هذا الادعاء ضروري لفهم طبيعة يسوع كابن الله، الذي يمتلك السلطة المطلقة لتدبير الكون.
يشير مصطلح “كُلُّ سُلْطَانٍ” إلى أن سلطة يسوع شاملة. لا يوجد مجال في الوجود يخرج عن نطاق سلطانه. وهذا يشمل السلطة على قوى الطبيعة، والأرواح الشريرة، وكذلك على البشرية. يعطي هذا الإعلان للتلاميذ الثقة اللازمة للذهاب والتلمذة في جميع الأمم، لأنه يعلمهم أنهم يخدمون في ظل سلطان غير محدود.
الأهمية التاريخية
كان لمتى 28:18 تأثير عميق على تطور المسيحية. لقد وفر هذا العدد الأساس اللاهوتي لرسالة الكنيسة. من خلال فهم أن يسوع يمتلك كل السلطة، أدرك التلاميذ أن لديهم السلطة لتعليم جميع الأمم، وتعميدهم، وتعليمهم كل ما أمر به يسوع. هذا الأمر هو الذي أطلق العنان للانتشار السريع للمسيحية في جميع أنحاء العالم.
علاوة على ذلك، لعب متى 28:18 دورًا حاسمًا في تطوير فهم المسيحيين لطبيعة يسوع. أكد هذا العدد على ألوهية يسوع وسيادته، مما ساهم في تشكيل العقيدة المسيحية حول الثالوث. كان هذا الإعلان ضروريًا لتأكيد أن يسوع ليس مجرد نبي أو معلم، بل هو ابن الله المتجسد، الذي يمتلك كل السلطان.
تأثير متى 28:18 على الكنيسة
لا يزال متى 28:18 يؤثر على الكنيسة حتى اليوم. إنه يحفز المسيحيين على الالتزام بالرسالة العظيمة والتبشير بالإنجيل في جميع أنحاء العالم. يذكر هذا العدد المؤمنين بأن يسوع هو الرب على كل شيء، وأن لديهم السلطة والموارد اللازمة لتنفيذ رسالته. يلهم هذا العدد أيضًا المسيحيين للثقة في سلطان يسوع في مواجهة التحديات والصعوبات.
بالإضافة إلى ذلك، يوجه متى 28:18 الكنيسة في ممارسة السلطة. يوضح هذا العدد أن السلطة المسيحية هي سلطة الخدمة، وليست سلطة السيطرة. يسوع استخدم سلطته لخدمة الآخرين، وعلى هذا النحو، يجب على الكنيسة أن تسعى جاهدة لخدمة العالم بالحب والرحمة. وهذا يعني أن الكنيسة يجب أن تعمل على العدالة الاجتماعية، ورعاية المحتاجين، ونشر السلام.
تطبيقات عملية لمتى 28:18
يمكن تطبيق متى 28:18 عمليًا في عدة مجالات:
- التبشير والتبشير: يشجع هذا العدد المسيحيين على مشاركة الإنجيل مع الآخرين، مع العلم أن يسوع قد أعطاهم السلطة لتحقيق ذلك.
- التلمذة: يدعو هذا العدد المؤمنين إلى تعليم الآخرين تعاليم يسوع، وتدريبهم ليصبحوا تلاميذًا بدورهم.
- العبادة: يذكر هذا العدد المؤمنين بأهمية عبادة يسوع، الذي يمتلك كل السلطان.
- الخدمة: يحث هذا العدد المسيحيين على استخدام مواهبهم وقدراتهم لخدمة الآخرين في اسم يسوع.
- الثقة في الله: يساعد هذا العدد المؤمنين على الثقة في يسوع في كل جوانب حياتهم، مع العلم أنه يمتلك السلطان المطلق.
متى 28:18 في الفن والأدب
أثر متى 28:18 على الفن والأدب المسيحيين على مر العصور. ألهم هذا العدد العديد من الأعمال الفنية التي تصور يسوع وهو يأمر تلاميذه بالذهاب إلى جميع الأمم. كما تم استخدامه في العديد من الترانيم والتراتيل، والتي تعبر عن الإيمان بسلطان يسوع. في الأدب، ألهم متى 28:18 العديد من الأعمال التي تسعى إلى استكشاف طبيعة السلطة الإلهية ورسالة الكنيسة.
التحديات الحديثة وتطبيق متى 28:18
في العصر الحديث، تواجه الكنيسة تحديات جديدة تتطلب فهمًا جديدًا لمتى 28:18. وتشمل هذه التحديات:
- العلمانية: يواجه المسيحيون تحديًا في عالم يتزايد فيه الإلحاد والعلمانية. يجب على الكنيسة أن تجد طرقًا جديدة للتواصل مع الناس في هذا العالم، مع الحفاظ على التزامها بالرسالة العظيمة.
- التعددية الثقافية: يواجه المسيحيون تحديًا في عالم يتزايد فيه التنوع الثقافي. يجب على الكنيسة أن تتعلم كيف تتعامل مع الثقافات المختلفة، مع إظهار حب يسوع للجميع.
- الظلم الاجتماعي: يواجه المسيحيون تحديًا في عالم يعاني من الظلم الاجتماعي. يجب على الكنيسة أن تعمل من أجل العدالة الاجتماعية، وأن ترفع أصواتها ضد الظلم في جميع أنحاء العالم.
في مواجهة هذه التحديات، يجب على الكنيسة أن تعود إلى متى 28:18 كأصل لسلطتها. يجب أن نذكر أنفسنا بأن يسوع يمتلك كل السلطان، وأننا مدعوون للمشاركة في رسالته. من خلال الثقة في سلطان يسوع، يمكننا أن نواجه التحديات الحديثة بثقة وشجاعة.
العلاقة مع آيات أخرى
يرتبط متى 28:18 ارتباطًا وثيقًا بآيات أخرى في الكتاب المقدس، والتي تساعد على فهم معناه بشكل كامل. على سبيل المثال، يرتبط هذا العدد ارتباطًا وثيقًا بـ:
- يوحنا 3:16: “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” يوضح هذا العدد حب الله للعالم، وهو الدافع وراء إرسال يسوع.
- أعمال الرسل 1:8: “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ.” يوضح هذا العدد كيف أن الروح القدس يمنح المؤمنين القوة اللازمة للشهادة ليسوع.
- رومية 10:9: “لأَنَّكَ إِذَا اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ.” يوضح هذا العدد كيف أن الإيمان بيسوع هو الطريق إلى الخلاص.
من خلال دراسة هذه الآيات، يمكننا أن نرى كيف أن متى 28:18 يمثل جزءًا أساسيًا من الرسالة الإنجيلية بأكملها. إنه يؤسس لسلطان يسوع، ويدعو المؤمنين إلى الإيمان به، والشهادة له.
التحديات في ترجمة وفهم متى 28:18
توجد بعض التحديات في ترجمة وفهم متى 28:18. على سبيل المثال، قد يكون من الصعب ترجمة كلمة “سُلْطَان” إلى لغات أخرى، لأنها قد لا تحمل نفس المعنى الدقيق. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب فهم طبيعة سلطان يسوع في سياق ثقافي مختلف.
للتغلب على هذه التحديات، من الضروري دراسة الكتاب المقدس في سياقه الأصلي، والتشاور مع العلماء والخبراء في اللغة والثقافة. كما يجب على المؤمنين أن يصلوا من أجل الفهم، وأن يسمحوا للروح القدس بقيادتهم في فهم كلمة الله.
دور المؤمن في ضوء متى 28:18
في ضوء متى 28:18، يقع على عاتق المؤمن دور حيوي. يجب على المؤمن أن يدرك أن يسوع يمتلك كل السلطان، وأن يؤمن به كرب. يجب على المؤمن أن يشارك في رسالة الإنجيل، وأن يشهد ليسوع للعالم. يجب على المؤمن أن يخدم الآخرين في اسم يسوع، وأن يسعى جاهدًا للعيش حياة مقدسة. يجب على المؤمن أن يثق في سلطان يسوع في كل جوانب حياته، وأن يسمح له بقيادته.
أهمية متى 28:18 للمستقبل
للمستقبل، يظل متى 28:18 ذو أهمية حيوية. مع استمرار العالم في التغيير، سيحتاج المسيحيون إلى التمسك بسلطان يسوع. سيحتاجون إلى إيجاد طرق جديدة لإعلان الإنجيل للعالم. سيحتاجون إلى العمل من أجل العدالة الاجتماعية، ورعاية المحتاجين، ونشر السلام. من خلال الثقة في سلطان يسوع، يمكن للمسيحيين أن يواجهوا المستقبل بثقة وشجاعة. يجب أن يكون متى 28:18 هو الأساس الذي تبني عليه الكنيسة عملها ورسالتها.
خاتمة
متى 28:18 هو عدد قوي ومؤثر، يمثل إعلانًا لسلطان يسوع المطلق وشامل. إنه يمثل الأساس اللاهوتي لرسالة الكنيسة، ويدعو المؤمنين إلى المشاركة في رسالة الإنجيل. يؤكد هذا العدد على ألوهية يسوع، ويدعو المؤمنين إلى الثقة به في كل جوانب حياتهم. من خلال فهم هذا العدد وتطبيقه في حياتنا، يمكننا أن نخدم يسوع بثقة وشجاعة، ونشارك في نشر رسالة الحب والرجاء للعالم.