السياق التاريخي والثقافي
لكي نفهم متى 12:40 بشكل كامل، يجب أن نأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والثقافي الذي كُتب فيه إنجيل متى. كتب الإنجيل في الأصل باللغة اليونانية، وكان موجهاً في الأساس إلى اليهود الذين اعتنقوا المسيحية. كان هؤلاء الأشخاص على دراية جيدة بالعهد القديم، وكانوا يتوقعون ظهور المسيا (المسيح) كما ورد في النبوات. يعتمد متى في كتاباته على العهد القديم بشكل كبير، ويقتبس منه بشكل مباشر للإشارة إلى أن يسوع هو المسيا المنتظر.
في ذلك الوقت، كانت فلسطين تحت الحكم الروماني. كان اليهود يعيشون تحت وطأة الاحتلال الروماني، وكانوا يتوقون إلى التحرر السياسي والروحي. كان لديهم تفسيرات مختلفة للعهد القديم، بما في ذلك توقعاتهم حول المسيا. كان بعضهم يتوقعون مسيا سياسياً سيقود ثورة ضد الرومان، بينما كان آخرون يتوقعون مسيا روحانياً سيخلصهم من خطاياهم.
علامة يونان
في متى 12:38-41، يطلب بعض الكتبة والفريسيين من يسوع أن يريهم علامة. يجيبهم يسوع بأنه لن يُعطى لهم سوى علامة يونان. يقول يسوع في متى 12:40: “لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، كَذَلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (ترجمة الكتاب المقدس). هذه الآية تربط بين ما حدث ليونان النبي في العهد القديم وبين ما سيحدث ليسوع.
يونان، بحسب القصة الواردة في سفر يونان، أُمر من قبل الله بالذهاب إلى نينوى ليدعو أهلها إلى التوبة. هرب يونان من هذه المهمة وركب سفينة متجهة إلى مكان آخر. خلال العاصفة، أُلقي يونان في البحر وابتلعه حوت كبير. بقي يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، ثم أمر الله الحوت أن يلفظه على الشاطئ. بعد ذلك ذهب يونان إلى نينوى ووعظ أهلها، فتابوا عن خطاياهم.
يشير يسوع إلى هذه القصة كنبوءة عن موته وقيامته. كما أن يونان بقي في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، كذلك سيبقى يسوع في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. القيامة هي العلامة التي تثبت أن يسوع هو ابن الله والمسيا المنتظر. علامة يونان هي علامة فريدة من نوعها، لأنها تشمل الموت والقيامة، والتي تمثل انتصار يسوع على الموت والخطيئة.
معنى “ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ”
من المهم أن نلاحظ أن التعبير “ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ” لا يعني بالضرورة 72 ساعة بالضبط. في الثقافة اليهودية، كان يُنظر إلى جزء من اليوم على أنه يوم كامل. على سبيل المثال، إذا مات شخص ما في وقت متأخر من بعد الظهر يوم الجمعة، ودُفن، وقام من بين الأموات في صباح يوم الأحد، فيمكن اعتباره قد قضى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في القبر. هذا التفسير يتوافق مع الروايات في الأناجيل الأخرى حول صلب يسوع ودفنه وقيامته.
تشير الروايات الإنجيلية إلى أن يسوع صلب في يوم الجمعة (الجمعة العظيمة)، ودُفن قبل غروب الشمس. ظل في القبر طوال يوم السبت. ثم قام من بين الأموات في صباح يوم الأحد (يوم القيامة). لذلك، يمكن اعتباره قد قضى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في القبر. هذا التفسير يتوافق مع الطريقة التي كان اليهود في ذلك الوقت يحسبون بها الوقت.
أهمية متى 12:40 في اللاهوت المسيحي
متى 12:40 له أهمية لاهوتية كبيرة. فهو يقدم دليلاً على أن يسوع توقع موته وقيامته. هذه النبوءة تؤكد لاهوت يسوع، أي أنه الله. القيامة هي أساس الإيمان المسيحي. بدون قيامة يسوع، ستبقى المسيحية مجرد مجموعة من الأفكار والمبادئ الأخلاقية. القيامة هي التي تثبت أن يسوع هو ابن الله، وأن موته على الصليب دفع ثمن خطايانا، وأننا يمكن أن نحصل على الحياة الأبدية من خلال الإيمان به.
بالإضافة إلى ذلك، فإن علامة يونان تشير إلى رسالة يسوع للعالم. يونان دعا أهل نينوى إلى التوبة، وتابوا عن خطاياهم. يسوع يدعو جميع الناس إلى التوبة والإيمان به، لكي يخلصوا. قيامة يسوع هي ضمانة بأن هذه الدعوة صحيحة، وأن الله يقبل التوبة ويغفر الخطايا.
العلاقة بين علامة يونان والقيامة
العلاقة بين علامة يونان والقيامة هي علاقة وثيقة. علامة يونان هي رمز للموت والقيامة. كما أن يونان نزل إلى جوف الحوت، كذلك نزل يسوع إلى القبر. وكما خرج يونان من جوف الحوت، كذلك قام يسوع من بين الأموات. القيامة هي انتصار يسوع على الموت، وهي دليل على قوته الإلهية.
القيامة هي أهم حدث في تاريخ البشرية. فهي تثبت أن يسوع هو ابن الله، وأن موته على الصليب كان كافياً لدفع ثمن خطايانا. من خلال الإيمان بيسوع وقيامته، يمكننا أن نحصل على الحياة الأبدية. القيامة هي أيضاً دليل على أن الله يهتم بنا، وأنه يريد لنا أن نكون معه إلى الأبد.
تحديات التفسير
على الرغم من الأهمية الكبيرة لمتى 12:40، إلا أنه يواجه بعض التحديات في التفسير. أحد هذه التحديات هو تفسير مصطلح “ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ”. كما ذكرنا سابقًا، لا يعني هذا بالضرورة 72 ساعة بالضبط. يجب أن نأخذ في الاعتبار الطريقة التي كان اليهود يحسبون بها الوقت في ذلك الوقت.
هناك تحد آخر هو العلاقة بين علامة يونان وعلامات أخرى قدمها يسوع. في الأناجيل الأخرى، نجد أن يسوع قام بالعديد من المعجزات، بما في ذلك شفاء المرضى، وإخراج الشياطين، والمشي على الماء، وإحياء الموتى. ومع ذلك، فإن يسوع يصف علامة يونان بأنها العلامة الوحيدة التي ستُعطى لهذا الجيل. هذا يشير إلى أن علامة يونان هي علامة فريدة من نوعها، وأنها تحمل أهمية خاصة.
العلاقة مع الأناجيل الأخرى
من المهم أن نقارن بين متى 12:40 والروايات الموازية في الأناجيل الأخرى. نجد هذه الروايات في مرقس 8:12 ولوقا 11:29-30. تقدم هذه الروايات تفسيرات مماثلة لعلامة يونان. ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات الطفيفة في التفاصيل. على سبيل المثال، يذكر مرقس أن يسوع “تنهد في روحه” عندما طلب منه الناس علامة. هذا يشير إلى أن يسوع كان يشعر بالإحباط من عدم إيمانهم.
تساعدنا مقارنة هذه الروايات على فهم المعنى الكامل لعلامة يونان. فهي تظهر أن يسوع توقع موته وقيامته، وأن هذه الأحداث كانت جزءًا من خطة الله للخلاص. كما أنها تظهر أن يسوع كان صبوراً مع أولئك الذين لم يؤمنوا به.
الخلاصة
متى 12:40 هو آية مهمة في الكتاب المقدس. فهي تقدم نبوءة من يسوع حول موته وقيامته. علامة يونان هي علامة فريدة من نوعها، لأنها تشمل الموت والقيامة. هذه الآية تؤكد لاهوت يسوع، وتثبت أنه هو ابن الله والمسيا المنتظر. فهم متى 12:40 يتطلب دراسة متأنية للسياق التاريخي والثقافي والديني الذي كتبت فيه، بالإضافة إلى فهم المعنى الرمزي للعلامة التي ذكرها يسوع. هذه الآية هي جزء أساسي من الإيمان المسيحي، وهي تقدم لنا رجاءً بالحياة الأبدية.
خاتمة
متى 12:40 هي آية مركزية في فهمنا للاهوت المسيحي. تقدم هذه الآية نبوءة واضحة عن موت وقيامة يسوع المسيح، ربطًا ذلك بما حدث للنبي يونان. فهمنا للسياق التاريخي والثقافي الذي كتبت فيه هذه الآية، بالإضافة إلى تحليل الرموز المستخدمة، يساعدنا على تقدير أهمية هذه النبوءة. إنها تذكرنا بأن يسوع هو المسيح، وأن قيامته هي الأساس الذي يقوم عليه إيماننا.
المراجع
- Bible Gateway – Matthew 12:40
- Encyclopedia Britannica – Gospel According to Matthew
- Got Questions – What is the sign of Jonah?
- Christianity Today – Does Matthew 12:40 Require 72 Hours?
“`