نشأته وبداية حياته
ولد إيفان دانيلوفيتش بروتسكي في 22 يناير 1926 في قرية بوريجوفكا (بالبيلاروسية: Барыжаўка)، بمنطقة مينسك في بيلاروسيا. نشأ في عائلة متدينة، وتأثر بالإيمان الأرثوذكسي منذ صغره. خلال فترة شبابه، شهد اضطهادًا دينيًا كبيرًا من قبل السلطات السوفيتية، مما أثر بعمق على حياته وقناعاته. درس في مدرسة دينية سرية في زمن الحرب. في تلك الفترة، تطورت لديه الرغبة في تكريس حياته للخدمة الدينية.
الحياة الرهبانية والكهنوت
في عام 1947، دخل إيفان الدير، وتلقى اسم إيزياسلاف. أصبح راهبًا وتلقى تدريبه الديني. في عام 1950، سُيّم كاهنًا. بدأ خدمته الكهنوتية في ظروف صعبة، حيث كانت الكنيسة الأرثوذكسية في بيلاروسيا تحت سيطرة صارمة من قبل السلطات السوفيتية. تعرض هو وزملاؤه للعديد من الصعوبات والقيود في ممارسة شعائرهم الدينية.
بصفته كاهنًا، عمل إيزياسلاف بجد لخدمة المؤمنين، وتقديم الدعم الروحي لهم. كان معروفًا بتقواه وإخلاصه، بالإضافة إلى قدرته على التحدث ببراعة وإقناع. سعى إلى الحفاظ على التقاليد الأرثوذكسية، وفي الوقت نفسه، التكيف مع تحديات العصر.
الخدمة الأسقفية
في عام 1989، في أعقاب انهيار الشيوعية وتخفيف القيود المفروضة على الدين، تم اختيار إيزياسلاف ليكون أسقفًا. كانت هذه خطوة مهمة في إحياء الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية. سُيّم أسقفًا في نفس العام، وبدأ في قيادة الكنيسة في فترة انتقالية صعبة. كان عليه أن يتعامل مع العديد من القضايا، بما في ذلك إعادة بناء الكنائس، وتدريب رجال الدين، واستعادة الوعي الديني في المجتمع.
في عام 1990، أُنتخب إيزياسلاف رئيسًا لأساقفة مينسك وتوروف، وهو المنصب الأعلى في الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية. تحت قيادته، شهدت الكنيسة نموًا كبيرًا. تم افتتاح العديد من الكنائس والأديرة، وزاد عدد المؤمنين. عمل إيزياسلاف على تعزيز التعاون بين الكنائس الأرثوذكسية المختلفة، وسعى إلى الحفاظ على الوحدة في الإيمان.
رئاسة الكنيسة البيلاروسية المستقلة
في عام 1991، أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية استقلالها عن بطريركية موسكو. أصبح إيزياسلاف رئيسًا لهذه الكنيسة المستقلة. كان هذا القرار مثيرًا للجدل، حيث عارضته بعض الفصائل داخل الكنيسة وخارجها. مع ذلك، ظل إيزياسلاف ملتزمًا بدعمه لاستقلال الكنيسة، معتبرًا أنه ضروري للحفاظ على الهوية الوطنية البيلاروسية. عمل على تعزيز العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، وسعى إلى الحصول على اعتراف دولي بالكنيسة البيلاروسية المستقلة.
خلال فترة رئاسته، واجه إيزياسلاف العديد من التحديات. تعرض لانتقادات من قبل السلطات الحكومية، التي كانت تشعر بالقلق إزاء استقلال الكنيسة. واجه أيضًا صراعات داخلية داخل الكنيسة، حيث كان هناك خلافات حول القضايا اللاهوتية والإدارية. ومع ذلك، ظل ثابتًا في إيمانه وفي التزامه برؤيته للكنيسة البيلاروسية المستقلة.
إنجازاته
خلال فترة قيادته، حقق إيزياسلاف العديد من الإنجازات الهامة. من بين هذه الإنجازات:
- إعادة بناء الكنائس والأديرة: قام بدور حاسم في إعادة بناء الكنائس والأديرة التي دمرت أو أغلقت خلال الحقبة السوفيتية.
- تدريب رجال الدين: عمل على تدريب جيل جديد من رجال الدين، مما ساعد على تجديد الحياة الروحية في الكنيسة.
- نشر الوعي الديني: ساهم في نشر الوعي الديني بين البيلاروسيين، من خلال إقامة الفعاليات الدينية والمحاضرات والندوات.
- تعزيز الهوية الوطنية: دعم الهوية الوطنية البيلاروسية من خلال الحفاظ على التقاليد الدينية والثقافية.
- العلاقات المسكونية: عمل على تعزيز العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، وسعى إلى الحوار مع الكنائس والطوائف المسيحية الأخرى.
مواقفه وآراؤه
كان إيزياسلاف معروفًا بمواقفه الصريحة حول القضايا الدينية والسياسية. كان مؤيدًا قويًا للديمقراطية وحقوق الإنسان. دافع عن حق الكنيسة في الاستقلال، وعارض تدخل الدولة في الشؤون الدينية. كان أيضًا منتقدًا للسلطات الحكومية في بيلاروسيا، التي اتهمها بقمع الحريات الدينية والسياسية. كان يؤمن بأهمية الحوار والتعاون بين مختلف التيارات الفكرية في المجتمع، وسعى إلى بناء جسور التفاهم بين الأديان المختلفة.
السنوات الأخيرة والوفاة
في السنوات الأخيرة من حياته، استمر إيزياسلاف في خدمة الكنيسة، على الرغم من تدهور صحته. في عام 2006، تقاعد بسبب المرض. توفي في 26 نوفمبر 2007، عن عمر يناهز 81 عامًا. تركت وفاته فراغًا كبيرًا في الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية، وأثارت حزنًا واسعًا في جميع أنحاء البلاد. أقيمت له جنازة رسمية، حضرها الآلاف من المؤمنين والمسؤولين الدينيين والسياسيين.
يُذكر إيزياسلاف كشخصية بارزة في تاريخ بيلاروسيا. كان مثالًا للشجاعة والإيمان الراسخ. لعب دورًا حاسمًا في إحياء الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية، وساهم في تعزيز الهوية الوطنية البيلاروسية. تركت مساهماته إرثًا دائمًا، ولا تزال روحه حية في قلوب المؤمنين.
إرثه
ترك إيزياسلاف إرثًا دائمًا في تاريخ بيلاروسيا والكنيسة الأرثوذكسية. يُنظر إليه كشخصية قيادية في إحياء الكنيسة بعد سنوات القمع السوفيتي. ألهمت شجاعته وإيمانه الكثيرين، وساهمت في تعزيز الوعي الديني في المجتمع. يُذكر إيزياسلاف كرمز للمقاومة والإصرار في وجه الشدائد. لا يزال إرثه يلهم الأجيال القادمة من البيلاروسيين والمؤمنين الأرثوذكس.
ساهم إيزياسلاف في تعزيز الحوار بين الكنائس، وسعى إلى بناء جسور التفاهم بين الطوائف المسيحية المختلفة. كما شجع على الحفاظ على التراث الثقافي البيلاروسي، ودافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية.
يعتبر إيزياسلاف شخصية محورية في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية الحديثة. لقد ترك بصمة لا تمحى على الحياة الدينية والثقافية في بيلاروسيا. تُذكر مساهماته في إحياء الكنيسة ونشر الوعي الديني، بالإضافة إلى دوره في تعزيز الهوية الوطنية البيلاروسية.
يُحتفل بإرث إيزياسلاف حتى يومنا هذا. تخلد ذكراه في الكنائس والأديرة، وتقام الاحتفالات الدينية تكريمًا له. يُنظر إليه كقديس في قلوب العديد من المؤمنين، ويتم الاحتفاء به كرمز للإيمان والشجاعة والإخلاص.
خاتمة
كان إيزياسلاف (بروتسكي) شخصية بارزة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية البيلاروسية. لقد لعب دورًا حاسمًا في إحياء الكنيسة بعد فترة طويلة من القمع السوفيتي، وعُرف بشجاعته وإيمانه الراسخ. من خلال قيادته، شهدت الكنيسة نموًا كبيرًا، وعاد الوعي الديني إلى المجتمع البيلاروسي. ترك إيزياسلاف إرثًا دائمًا، ولا تزال روحه حية في قلوب المؤمنين.