سفينة صاحب الجلالة كوريجوس (S50) – HMS Courageous (S50)

البدايات والتصميم

بدأ بناء سفينة كوريجوس في عام 1966 في حوض بناء السفن في بارو إن فورنيس، وتم إطلاقها في عام 1970. تم تصميمها كغواصة هجومية من فئة “شجاع”، وكانت واحدة من أربع غواصات من هذا النوع. تميز تصميمها بالعديد من الابتكارات التكنولوجية التي جعلتها متقدمة في وقتها. كان طول السفينة يبلغ حوالي 90 مترًا، وعرضها 10 أمتار، وإزاحتها حوالي 4900 طن وهي مغمورة. كانت مدعومة بمفاعل نووي من طراز رولز رويس، مما منحها القدرة على العمل لفترات طويلة تحت الماء وبسرعات عالية.

كانت الغواصة مجهزة بمجموعة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك الطوربيدات وصواريخ كروز، مما منحها القدرة على الاشتباك مع أهداف مختلفة، سواء كانت سفنًا سطحية أو غواصات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تم تصميمها لتنفيذ مهام استخباراتية وجمع المعلومات. كان الطاقم يتألف من حوالي 100 فرد، بما في ذلك الضباط والبحارة المتخصصين في مختلف المجالات، مثل الهندسة النووية، وأنظمة الأسلحة، والملاحة.

الخدمة في البحرية الملكية

دخلت سفينة كوريجوس الخدمة في البحرية الملكية في عام 1971. خلال فترة خدمتها، شاركت في العديد من التدريبات والمهام البحرية حول العالم. لعبت دورًا حيويًا في تعزيز الأمن القومي البريطاني خلال فترة الحرب الباردة. قامت بدوريات في المحيط الأطلسي وشمال المحيط المتجمد، حيث كانت تراقب السفن السوفيتية وتقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية.

كانت كوريجوس واحدة من الغواصات القليلة التي تمكنت من العمل في المناطق القطبية، وذلك بفضل تصميمها المتين وقدرتها على كسر الجليد. هذا سمح لها بالوصول إلى مناطق استراتيجية مهمة وجمع معلومات قيمة. بالإضافة إلى ذلك، شاركت في العديد من المناورات العسكرية مع حلفاء بريطانيا، مما ساهم في تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات.

شهدت الغواصة تحديثات وتعديلات على مدار خدمتها، مما ساهم في تحسين قدراتها وتكييفها مع التهديدات المتغيرة. تم تجهيزها بتقنيات استشعار ورادار متطورة، بالإضافة إلى تحسينات على أنظمة الأسلحة. على الرغم من السرية الشديدة التي أحاطت بعملياتها، إلا أن كوريجوس تركت بصمة كبيرة في تاريخ البحرية الملكية.

الحياة على متن السفينة

كانت الحياة على متن سفينة كوريجوس تمثل تحديًا كبيرًا للطاقم. بسبب طبيعة الغواصة المغلقة والعمليات السرية، كان على أفراد الطاقم التكيف مع ظروف معيشية صعبة. كان عليهم العمل في مساحات ضيقة لفترات طويلة، مع محدودية الوصول إلى ضوء الشمس والهواء النقي. كان النظام الغذائي يعتمد على الأطعمة المعلبة والمجمدة، مع وجود حصص محدودة من المنتجات الطازجة.

على الرغم من هذه التحديات، كان هناك شعور قوي بالصداقة الحميمة والترابط بين أفراد الطاقم. كان عليهم الاعتماد على بعضهم البعض للبقاء على قيد الحياة، وخصوصًا خلال المهام الطويلة والخطيرة. كانت هناك أنشطة ترفيهية على متن السفينة للمساعدة في تخفيف الملل والتوتر، مثل مشاهدة الأفلام، والقراءة، وممارسة الرياضة. كما كان هناك اهتمام كبير بالتدريب والتعليم، حيث كان على أفراد الطاقم تطوير مهاراتهم باستمرار.

كانت هناك بروتوكولات صارمة للحفاظ على الأمن والسرية. كان على أفراد الطاقم الالتزام بقواعد صارمة فيما يتعلق بالاتصالات، وتخزين المعلومات، والتعامل مع المعدات الحساسة. كانت هناك أيضًا إجراءات أمنية مكثفة لمنع تسرب المعلومات أو تعرض السفينة للخطر.

إخراجها من الخدمة والمصير الحالي

تم إخراج سفينة كوريجوس من الخدمة في عام 1991. بعد انتهاء خدمتها، قررت البحرية الملكية تحويلها إلى متحف. تم نقلها إلى ميناء بيمبروك دوك في ويلز، حيث تم تجهيزها لاستقبال الزوار. تم تنظيفها وإزالة جميع الأسلحة والمعدات السرية، مما سمح للجمهور باستكشاف داخل الغواصة.

اليوم، تعد سفينة كوريجوس متحفًا يتيح للزوار فرصة فريدة لتجربة الحياة على متن غواصة نووية. يمكن للزوار التجول في جميع أنحاء السفينة، بما في ذلك غرفة القيادة، وغرفة المحركات، وغرفة المعيشة، والمطابخ. يمكنهم أيضًا مشاهدة المعارض التي تعرض تاريخ الغواصة، وتكنولوجياها، والقصص الشخصية لأفراد الطاقم.

يعتبر متحف كوريجوس معلمًا جذبًا سياحيًا هامًا في ويلز، حيث يستقبل الآلاف من الزوار كل عام. يوفر المتحف فرصة قيمة لتعليم الجمهور حول تاريخ الحرب الباردة، وتكنولوجيا الغواصات، وأهمية الأمن القومي. كما يساهم في الحفاظ على ذكرى الغواصة وطاقمها، وإحياء التراث البحري البريطاني.

التحديات والقيود

تواجه سفينة كوريجوس كـمتحف العديد من التحديات. أحد هذه التحديات هو الصيانة المستمرة. نظرًا لطبيعة الغواصة المعقدة وتصميمها الخاص، فإن صيانتها تتطلب الكثير من الجهد والمال. يجب فحص جميع الأنظمة والمعدات بانتظام للتأكد من سلامتها ووظائفها. يتطلب ذلك توظيف متخصصين مهرة وإجراء عمليات إصلاح كبيرة.

هناك أيضًا قيود على الوصول. نظرًا لطبيعة الغواصة الضيقة والمغلقة، فإن الوصول إليها قد يكون صعبًا على الأشخاص ذوي الإعاقة أو الذين يعانون من مشاكل صحية معينة. يجب على المتحف توفير وسائل مساعدة لضمان إمكانية وصول الجميع. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الزوار الالتزام بقواعد السلامة الصارمة لتجنب الحوادث.

تواجه كوريجوس أيضًا تحديات تتعلق بالتوعية والتثقيف. يجب على المتحف جذب الزوار وتثقيفهم حول تاريخ الغواصة وأهميتها. يتطلب ذلك تطوير معارض جذابة وتوفير معلومات دقيقة وشاملة. يجب على المتحف أيضًا الترويج لنفسه على نطاق واسع من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

المستقبل

تسعى سفينة كوريجوس إلى مواصلة دورها كمتحف وتعليم الجمهور عن تاريخها وأهميتها. تخطط إدارة المتحف لتطوير معارض جديدة، وتحسين البنية التحتية، وتوسيع نطاق البرامج التعليمية. يهدف المتحف إلى جذب المزيد من الزوار، وتقديم تجارب أكثر تفاعلية وإثراء.

من المحتمل أن يستمر المتحف في الحفاظ على التراث البحري البريطاني، وتقديم منظور فريد حول الحرب الباردة. من خلال الحفاظ على السفينة وتثقيف الجمهور، تضمن كوريجوس أن تظل قصتها حية في الذاكرة.

خاتمة

سفينة صاحب الجلالة كوريجوس (S50) هي غواصة نووية تاريخية لعبت دورًا حاسمًا في الدفاع عن بريطانيا خلال الحرب الباردة. تمثل الغواصة مثالًا على التكنولوجيا المتقدمة والعمل الشاق والتفاني الذي كان يميز البحرية الملكية في ذلك الوقت. اليوم، تحولت كوريجوس إلى متحف، يتيح للزوار استكشاف تاريخها وتجربة الحياة على متن غواصة نووية. من خلال الحفاظ على السفينة وتثقيف الجمهور، تضمن كوريجوس أن تظل قصتها حية وملهمة للأجيال القادمة.

المراجع

“`