أنتي ستارشيفيتش (Ante Starčević)

نشأته وبداياته

ولد أنتي ستارشيفيتش في قرية زوسني، بالقرب من بلدة غوسبيتش في منطقة ليكا، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية النمساوية. تلقى تعليمه المبكر في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى زغرب لمواصلة دراسته. أظهر اهتمامًا كبيرًا بالأدب والتاريخ، وبدأ في تطوير أفكاره السياسية في وقت مبكر. درس اللاهوت في البداية، لكنه تحول لاحقًا إلى دراسة الحقوق في جامعة بيست (بودابست حاليًا).

النشاط السياسي وتأسيس حزب الحقوق

بعد عودته إلى كرواتيا، انخرط ستارشيفيتش في الحياة السياسية. تأثر بشدة بالأفكار القومية الرومانسية التي سادت أوروبا في ذلك الوقت، والتي دعت إلى حق الشعوب في تقرير المصير وإنشاء دول قومية. في عام 1861، أسس ستارشيفيتش، بالتعاون مع يوجين كفاتيرنيك، حزب الحقوق. كان هذا الحزب بمثابة منصة سياسية لترويج الأفكار القومية الكرواتية، والدفاع عن حقوق الكروات في الحكم الذاتي والاستقلال عن الإمبراطورية النمساوية المجرية.

ركز برنامج حزب الحقوق على عدة مبادئ أساسية:

  • الاستقلال: الدعوة إلى استقلال كرواتيا ووحدتها كدولة مستقلة.
  • الحقوق: التأكيد على حقوق الشعب الكرواتي، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية.
  • الوحدة: السعي إلى توحيد جميع الأراضي الكرواتية في دولة واحدة، بما في ذلك المناطق التي كانت تحت الحكم النمساوي والمجري.
  • اللغة والثقافة: تعزيز اللغة والثقافة الكرواتية كعناصر أساسية في الهوية الوطنية.

أفكاره السياسية والفكر القومي الكرواتي

كان ستارشيفيتش مفكرًا سياسيًا لامعًا، وطور أفكارًا قومية عميقة الأثر. كان يؤمن بأن الكروات أمة مستقلة ذات حق في تقرير المصير. دعا إلى إقامة دولة كرواتية مستقلة، معتبراً أن هذا هو السبيل الوحيد لضمان ازدهار الشعب الكرواتي وحماية حقوقه. رفض بشدة أي شكل من أشكال الهيمنة الأجنبية، سواء كانت نمساوية أو مجرية أو غيرها. رأى ستارشيفيتش في الثقافة واللغة الكرواتية أساس الهوية الوطنية، وأكد على أهمية الحفاظ عليها وتطويرها.

عارض ستارشيفيتش بشدة فكرة الدولة اليوغوسلافية، معتقدًا أنها ستؤدي إلى هيمنة الصرب على الكروات. كان يرى أن الكروات لديهم تاريخ وثقافة وهوية متميزة يجب الحفاظ عليها. هذه الأفكار أثارت جدلاً واسعًا في ذلك الوقت، لكنها أصبحت فيما بعد أساسًا للفكر القومي الكرواتي الحديث.

أعماله الأدبية

بالإضافة إلى نشاطه السياسي، كان ستارشيفيتش كاتبًا موهوبًا. كتب العديد من المقالات والمقالات السياسية التي نشرت في الصحف والمجلات الكرواتية. كما كتب الشعر والمسرحيات، والتي ساهمت في تعزيز الوعي الوطني والثقافي. تعتبر كتاباته من أهم مصادر الفكر القومي الكرواتي، ولا تزال تُقرأ وتُدرس حتى اليوم.

تأثيره وإرثه

ترك أنتي ستارشيفيتش إرثًا سياسيًا وثقافيًا ضخمًا في كرواتيا. يعتبره الكثيرون “أبو الأمة الكرواتية” و “أبا الحقوق”. كان لأفكاره تأثير كبير على تطور الفكر القومي الكرواتي، وعلى تشكيل الهوية الوطنية الكرواتية الحديثة. لعب دورًا حاسمًا في تمهيد الطريق لاستقلال كرواتيا في القرن العشرين.

على الرغم من الجدل الذي أحاط ببعض آرائه السياسية، إلا أن مساهماته في الثقافة والحياة السياسية الكرواتية لا يمكن إنكارها. يظل ستارشيفيتش شخصية محورية في تاريخ كرواتيا، ويُذكر كرمز للوطنية والالتزام بالاستقلال.

الانتقادات

على الرغم من احترامه وتقديره كأب للأمة الكرواتية، إلا أن فكر ستارشيفيتش السياسي لم يكن بمنأى عن الانتقادات. اتُهم أحيانًا بالتعصب القومي وبالاعتماد على خطاب سياسي متطرف. انتقد البعض أفكاره المتعلقة بالعرق واللغة، والتي اعتبروها تمهد الطريق للعنصرية والإقصاء. ومع ذلك، يجادل مؤيدوه بأن هذه الانتقادات غالبًا ما تكون ناتجة عن سوء فهم لسياق وأهداف ستارشيفيتش في ذلك الوقت، وأن تركيزه الأساسي كان دائمًا على الدفاع عن حقوق الشعب الكرواتي وتحقيق الاستقلال.

مساهمته في اللغة والثقافة

لم يقتصر تأثير ستارشيفيتش على السياسة فحسب، بل امتد أيضًا إلى مجالات اللغة والثقافة الكرواتية. كان مدافعًا قويًا عن اللغة الكرواتية، ورأى فيها رمزًا للهوية الوطنية. ساهم في جهود توحيد اللغة الكرواتية، ودافع عن استخدامها في جميع مجالات الحياة العامة. بالإضافة إلى ذلك، شجع على دراسة الأدب والتاريخ الكرواتي، وألهم عددًا من الكتاب والفنانين في عصره.

مسيرته المهنية

بدأ ستارشيفيتش حياته المهنية ككاتب ومحرر في العديد من الصحف والمجلات الكرواتية. ثم دخل السياسة وأصبح عضوًا في البرلمان الكرواتي. قاد حزب الحقوق، والذي أصبح قوة سياسية مؤثرة في كرواتيا. عانى ستارشيفيتش من الاعتقال والسجن بسبب نشاطه السياسي، لكنه استمر في النضال من أجل استقلال كرواتيا.

وفاته

توفي أنتي ستارشيفيتش في زغرب في 28 فبراير 1896. أقيمت له جنازة وطنية حضرها الآلاف من الكروات، الذين اعتبروه بطلًا قوميًا. تم دفنه في مقبرة ميروجوي في زغرب، حيث لا يزال قبره مزارًا مهمًا للكرواتيين الذين يحيون ذكراه.

خاتمة

كان أنتي ستارشيفيتش شخصية محورية في تاريخ كرواتيا، حيث ترك إرثًا سياسيًا وثقافيًا ضخمًا. أسس حزب الحقوق، الذي دافع عن استقلال كرواتيا ووحدتها. كان مفكرًا سياسيًا لامعًا، وطور أفكارًا قومية عميقة الأثر. بالإضافة إلى ذلك، كان كاتبًا موهوبًا، وساهمت كتاباته في تعزيز الوعي الوطني والثقافي. على الرغم من الجدل الذي أحاط ببعض آرائه، إلا أن مساهماته في كرواتيا لا يمكن إنكارها، ويظل يُذكر كرمز للوطنية والالتزام بالاستقلال.

المراجع

“`