<![CDATA[
مقدمة
أُجريت انتخابات جنوب أفريقيا العامة في 18 مايو 1938 لانتخاب 150 عضواً في مجلس الجمعية. فاز الحزب المتحد بزعامة رئيس الوزراء ج. ب. م. هيرتزوج بأغلبية ساحقة، مما عزز قبضته على السلطة. جاءت هذه الانتخابات في فترة شهدت فيها جنوب أفريقيا تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية هامة، مما جعلها لحظة حاسمة في تاريخ البلاد.
الخلفية السياسية
خلال ثلاثينيات القرن العشرين، شهدت جنوب أفريقيا تحالفات سياسية متغيرة. تأسس الحزب المتحد في عام 1934 باندماج الحزب الوطني الجنوب أفريقي وحزب جنوب أفريقيا، بهدف توحيد السكان البيض من ذوي الأصول البريطانية والأفريقانية. كان هذا التحالف مدفوعاً بالحاجة إلى الاستقرار السياسي والتعاون الاقتصادي خلال فترة الكساد الكبير.
واجه الحزب المتحد تحديات من عدة جهات، بما في ذلك الحزب الوطني المنقى بقيادة د. د. ف. مالان، الذي دعا إلى سياسات أكثر صرامة للفصل العنصري (الأبارتايد) وتعزيز ثقافة الأفريقان. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت أحزاب أخرى مثل حزب العمال والحزب الدومينيوني، مما أدى إلى تفتيت المشهد السياسي.
القضايا الرئيسية في الحملة الانتخابية
ركزت الحملة الانتخابية لعام 1938 على عدة قضايا رئيسية شكلت الرأي العام:
- الوحدة الوطنية: سعى الحزب المتحد إلى تعزيز الوحدة بين الأفريقان والناطقين بالإنجليزية، مؤكداً على أهمية التعاون من أجل مستقبل جنوب أفريقيا.
- السياسة الاقتصادية: في أعقاب الكساد الكبير، كانت السياسة الاقتصادية قضية حاسمة. دافع الحزب المتحد عن سياسات تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
- العلاقات العرقية: على الرغم من أن الفصل العنصري لم يكن السياسة الرسمية للدولة بعد، إلا أن العلاقات العرقية كانت قضية ملحة. دعا الحزب الوطني المنقى إلى تطبيق نظام أكثر صرامة للفصل العنصري، وهو ما حظي بدعم كبير بين الناخبين الأفريقان.
- السياسة الخارجية: مع تصاعد التوترات في أوروبا، أصبحت السياسة الخارجية قضية مهمة. كان الحزب المتحد يميل إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع بريطانيا، في حين دعا آخرون إلى اتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية.
الأطراف المتنافسة
تنافست عدة أحزاب في انتخابات عام 1938، أبرزها:
- الحزب المتحد: بقيادة ج. ب. م. هيرتزوج، سعى إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز النمو الاقتصادي.
- الحزب الوطني المنقى: بقيادة د. د. ف. مالان، دعا إلى سياسات أكثر صرامة للفصل العنصري وتعزيز ثقافة الأفريقان.
- حزب العمال: دافع عن حقوق العمال وتحسين ظروف العمل.
- الحزب الدومينيوني: دعا إلى علاقات أوثق مع بريطانيا.
نتائج الانتخابات
أسفرت انتخابات عام 1938 عن فوز ساحق للحزب المتحد، الذي حصل على 111 مقعداً من أصل 150 في مجلس الجمعية. عزز هذا الفوز مكانة ج. ب. م. هيرتزوج كرئيس للوزراء ومنح الحزب المتحد تفويضاً قوياً لمواصلة سياساته.
فيما يلي تفصيل لنتائج الانتخابات:
- الحزب المتحد: 111 مقعداً
- الحزب الوطني المنقى: 27 مقعداً
- الحزب الدومينيوني: 8 مقاعد
- حزب العمال: 3 مقاعد
- مستقلون: 1 مقعد
تداعيات الانتخابات
كان لانتخابات عام 1938 تداعيات بعيدة المدى على جنوب أفريقيا. فقد عززت سلطة الحزب المتحد وسمحت له بمواصلة سياساته في الوحدة الوطنية والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فقد كشفت أيضاً عن الانقسامات العميقة في المجتمع الجنوب أفريقي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العرقية.
في السنوات التي تلت الانتخابات، تصاعدت التوترات بين الحزب المتحد والحزب الوطني المنقى، مما أدى في النهاية إلى انهيار الحزب المتحد وصعود الحزب الوطني إلى السلطة في عام 1948. مهد هذا الطريق لتطبيق نظام الفصل العنصري، الذي كان له آثار مدمرة على جنوب أفريقيا.
تأثير الحرب العالمية الثانية
اندلعت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، وكان لها تأثير كبير على جنوب أفريقيا. انقسم الحزب المتحد حول مسألة دخول الحرب، حيث فضل هيرتزوج الحياد بينما دعا يان سماتس إلى دعم بريطانيا. أدت هذه الخلافات الداخلية إلى الإطاحة بهيرتزوج وتولي سماتس منصب رئيس الوزراء.
لعبت جنوب أفريقيا دوراً هاماً في الحرب العالمية الثانية، حيث قدمت القوات والإمدادات لقوات الحلفاء. كما شهدت البلاد نمواً اقتصادياً كبيراً خلال الحرب، مدفوعاً بالطلب على السلع والخدمات من بريطانيا ودول الحلفاء الأخرى.
صعود الأبارتايد
بعد الحرب العالمية الثانية، تصاعدت التوترات العرقية في جنوب أفريقيا. فاز الحزب الوطني، الذي دعا إلى سياسات الفصل العنصري، في انتخابات عام 1948 وبدأ في تطبيق نظام الفصل العنصري. أدى ذلك إلى عقود من القمع والتمييز ضد السكان غير البيض في جنوب أفريقيا.
كانت انتخابات عام 1938 نقطة تحول في تاريخ جنوب أفريقيا. في حين أنها عززت سلطة الحزب المتحد في المدى القصير، إلا أنها كشفت أيضاً عن الانقسامات العميقة في المجتمع الجنوب أفريقي ومهدت الطريق لصعود نظام الفصل العنصري.
دور ج. ب. م. هيرتزوج
كان ج. ب. م. هيرتزوج شخصية محورية في السياسة في جنوب أفريقيا خلال النصف الأول من القرن العشرين. كان رئيساً للوزراء من عام 1924 إلى عام 1939، ولعب دوراً هاماً في تشكيل سياسات البلاد. سعى هيرتزوج إلى تعزيز الوحدة بين الأفريقان والناطقين بالإنجليزية، لكنه كان أيضاً مدافعاً عن حقوق الأفريقان وثقافتهم.
واجهت قيادة هيرتزوج تحديات من عدة جهات، بما في ذلك الكساد الكبير وصعود الحزب الوطني المنقى. ومع ذلك، فقد تمكن من الحفاظ على الوحدة داخل الحزب المتحد وقيادة جنوب أفريقيا خلال فترة مضطربة.
دور يان سماتس
كان يان سماتس شخصية بارزة أخرى في السياسة في جنوب أفريقيا. شغل منصب رئيس الوزراء مرتين، من عام 1919 إلى عام 1924 ومن عام 1939 إلى عام 1948. كان سماتس شخصية تحظى باحترام دولي ولعب دوراً هاماً في تأسيس عصبة الأمم والأمم المتحدة.
كان سماتس مدافعاً عن التعاون الدولي والسياسة الخارجية المعتدلة. كما كان مؤيداً قوياً للتعليم والبحث العلمي. ومع ذلك، فقد تعرض لانتقادات بسبب سياساته المتعلقة بالعلاقات العرقية، والتي اعتبرها الكثيرون غير كافية.
الأهمية التاريخية للانتخابات
تكمن الأهمية التاريخية لانتخابات جنوب أفريقيا العامة لعام 1938 في عدة جوانب:
- تعزيز الوحدة: عززت فوز الحزب المتحد الجهود الرامية إلى تحقيق الوحدة بين الأفريقان والناطقين بالإنجليزية، وهو هدف رئيسي في تلك الفترة.
- النمو الاقتصادي: ساهمت السياسات التي تبناها الحزب المتحد في تعزيز النمو الاقتصادي في جنوب أفريقيا، خاصة في أعقاب الكساد الكبير.
- الكشف عن الانقسامات: كشفت الانتخابات عن الانقسامات العميقة في المجتمع الجنوب أفريقي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العرقية، مما مهد الطريق لتطبيق نظام الفصل العنصري لاحقاً.
- التأثير على الحرب العالمية الثانية: كان لنتائج الانتخابات تأثير غير مباشر على مشاركة جنوب أفريقيا في الحرب العالمية الثانية، حيث أدت الخلافات الداخلية في الحزب المتحد إلى تغيير في القيادة وتوجه البلاد نحو دعم الحلفاء.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب أفريقيا العامة لعام 1938 حدثاً محورياً في تاريخ البلاد. فاز الحزب المتحد بأغلبية ساحقة، لكن الانتخابات كشفت أيضاً عن انقسامات عميقة في المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العرقية. كان لنتائج هذه الانتخابات تداعيات بعيدة المدى، حيث مهدت الطريق لصعود نظام الفصل العنصري وتشكيل مستقبل جنوب أفريقيا.