خلفية الانتخابات
في عام 1933، كانت جنوب أفريقيا لا تزال تحت الحكم البريطاني كدولة ذات سيادة ضمن الإمبراطورية البريطانية. كان النظام السياسي يعتمد على نظام وستمنستر، حيث يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل الحزب الذي يحظى بأغلبية المقاعد في مجلس الجمعية.
شهدت السنوات التي سبقت انتخابات عام 1933 تحولات كبيرة في المشهد السياسي في جنوب أفريقيا. كان الحزب الوطني، بقيادة الجنرال جيمس باري مونيك هيرتسوغ، يمثل القوة السياسية المهيمنة. ومع ذلك، كانت هناك انقسامات داخل الحزب وخارجه، مما أدى إلى تشكيل تحالفات جديدة وتيارات سياسية مختلفة.
كان الكساد الكبير، الذي بدأ في عام 1929، قد أثر بشدة على اقتصاد جنوب أفريقيا. انخفضت أسعار السلع، وارتفعت معدلات البطالة، وتدهورت الأوضاع المعيشية للعديد من الجنوب أفريقيين. أدت هذه الظروف الاقتصادية الصعبة إلى زيادة الاستياء العام وتصاعد المطالب بتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
الأحزاب المتنافسة
تنافست عدة أحزاب سياسية في انتخابات عام 1933، وكان من أبرزها:
- الحزب الوطني (National Party): بقيادة الجنرال هيرتسوغ، كان يمثل مصالح الأفريقان البيض (من أصول هولندية) ويدعو إلى سياسات قومية واقتصادية حمائية.
- حزب جنوب أفريقيا (South African Party): بقيادة الجنرال جان سماتس، كان يمثل مصالح البيض الناطقين بالإنجليزية ويدعو إلى سياسات أكثر ليبرالية وتوحيدًا مع بريطانيا.
- حزب العمل (Labour Party): كان يمثل مصالح العمال البيض ويدعو إلى تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور.
- أحزاب صغيرة أخرى: بالإضافة إلى الأحزاب الرئيسية، كانت هناك عدة أحزاب صغيرة تمثل مصالح فئات معينة من السكان أو تدعو إلى أيديولوجيات مختلفة.
تحالف الحزب الوطني وحزب جنوب أفريقيا (United Party): قبل الانتخابات، قرر الحزب الوطني وحزب جنوب أفريقيا الاندماج لتشكيل حزب جديد يسمى الحزب المتحد (United Party). كان هذا التحالف يهدف إلى توحيد قوى البيض في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه البلاد. تمكن الحزب المتحد من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات.
نتائج الانتخابات
أسفرت انتخابات عام 1933 عن فوز ساحق للحزب المتحد، الذي حصل على أغلبية المقاعد في مجلس الجمعية. فيما يلي ملخص لنتائج الانتخابات:
- الحزب المتحد: فاز بأغلبية كبيرة من المقاعد، مما منحه السيطرة على الحكومة.
- الأحزاب الأخرى: لم تتمكن الأحزاب الأخرى من تحقيق نتائج كبيرة، وفقدت العديد من المقاعد التي كانت تشغلها في المجلس.
أظهرت نتائج الانتخابات أن الناخبين البيض في جنوب أفريقيا كانوا يدعمون بقوة التحالف بين الحزب الوطني وحزب جنوب أفريقيا. كان يُنظر إلى هذا التحالف على أنه يمثل الاستقرار والوحدة في فترة مضطربة.
تداعيات الانتخابات
كان لانتخابات عام 1933 تداعيات كبيرة على مستقبل جنوب أفريقيا. من بين أهم هذه التداعيات:
- تشكيل حكومة الحزب المتحد: بعد الانتخابات، تم تشكيل حكومة جديدة بقيادة الحزب المتحد. تولى الجنرال هيرتسوغ منصب رئيس الوزراء، بينما تولى الجنرال سماتس منصب نائب رئيس الوزراء.
- تعزيز الوحدة بين البيض: ساهمت الانتخابات في تعزيز الوحدة بين البيض من أصول أفريقانية وإنجليزية. عملت الحكومة الجديدة على تنفيذ سياسات تهدف إلى تحقيق التوافق بين المجموعتين.
- مواجهة التحديات الاقتصادية: ركزت الحكومة الجديدة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. تم اتخاذ إجراءات لتحفيز النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة.
- تجاهل حقوق السود: على الرغم من أن الانتخابات عززت الوحدة بين البيض، إلا أنها لم تفعل شيئًا لتحسين أوضاع السود. استمرت سياسات الفصل العنصري (الأبارتايد) في التوسع والتعمق.
سياسات الفصل العنصري (الأبارتايد): تجدر الإشارة إلى أن انتخابات عام 1933 لم تكن متاحة للسود، الذين كانوا يشكلون الأغلبية السكانية في جنوب أفريقيا. كان السود محرومين من الحق في التصويت والمشاركة في الحياة السياسية. استمرت سياسات الفصل العنصري في التوسع والتعمق في السنوات التي تلت الانتخابات، مما أدى إلى قمع واضطهاد السود وتكريس التمييز ضدهم.
الأثر على سياسات الفصل العنصري
على الرغم من أن انتخابات 1933 لم تكن تتعلق بشكل مباشر بتأسيس سياسات الفصل العنصري، إلا أنها ساهمت في تهيئة المناخ السياسي الذي سمح لهذه السياسات بالازدهار. من خلال توحيد البيض وتقوية قبضتهم على السلطة، أزالت الانتخابات أي مقاومة محتملة من داخل المجتمع الأبيض لسياسات التمييز العنصري. بالإضافة إلى ذلك، فإن تجاهل حقوق السود واستبعادهم من العملية السياسية عزز الاعتقاد بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ولا يستحقون المساواة.
ميراث انتخابات 1933
يمكن اعتبار انتخابات 1933 نقطة تحول في تاريخ جنوب أفريقيا. لقد عززت الوحدة بين البيض، وساهمت في مواجهة التحديات الاقتصادية، ولكنها أيضًا ساهمت في ترسيخ سياسات الفصل العنصري. لا تزال هذه الانتخابات تثير جدلاً ونقاشًا في جنوب أفريقيا حتى اليوم، حيث يتذكرها البعض باعتبارها خطوة نحو الوحدة والاستقرار، بينما يراها آخرون باعتبارها علامة فارقة في تاريخ الظلم والتمييز.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب أفريقيا العامة عام 1933 حدثًا مهمًا في تاريخ البلاد. أسفرت عن فوز ساحق للحزب المتحد، الذي شكل حكومة جديدة تهدف إلى تعزيز الوحدة بين البيض ومواجهة التحديات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الانتخابات لم تفعل شيئًا لتحسين أوضاع السود، بل ساهمت في ترسيخ سياسات الفصل العنصري. لا تزال هذه الانتخابات تثير جدلاً ونقاشًا في جنوب أفريقيا حتى اليوم، حيث يتذكرها البعض باعتبارها خطوة نحو الوحدة والاستقرار، بينما يراها آخرون باعتبارها علامة فارقة في تاريخ الظلم والتمييز.