<![CDATA[
مقدمة
أُجريت انتخابات عامة في جنوب أفريقيا في 20 أكتوبر 1915 لانتخاب 130 عضواً في مجلس الجمعية. كانت هذه الانتخابات الثانية منذ تأسيس اتحاد جنوب أفريقيا في عام 1910، وجاءت في خضم الحرب العالمية الأولى وتأثيراتها على السياسة والاقتصاد الجنوب أفريقي. كانت الانتخابات بمثابة اختبار حقيقي للقوة السياسية لكل من الحزب الحاكم، حزب جنوب أفريقيا (SAP) بزعامة رئيس الوزراء لويس بوثا، والمعارضة المتمثلة في الحزب الوطني (NP) بقيادة جيمس باري مونيك هرزوج.
الخلفية السياسية
في عام 1914، انقسم حزب جنوب أفريقيا الحاكم بشأن مسألة مشاركة جنوب أفريقيا في الحرب العالمية الأولى. أيد رئيس الوزراء لويس بوثا، وهو جنرال سابق في حرب البوير، مشاركة جنوب أفريقيا إلى جانب بريطانيا وحلفائها، بينما عارضها بشدة العديد من الأفريكانيين داخل حزبه، بقيادة وزير الدفاع السابق جيمس باري مونيك هرزوج. أدى هذا الانقسام إلى تشكيل الحزب الوطني الجديد، الذي تبنى موقفاً محايداً بشأن الحرب ودافع عن مصالح الأفريكانيين بشكل خاص.
عكست هذه الانقسامات السياسية قضايا أعمق في المجتمع الجنوب أفريقي، بما في ذلك التوترات العرقية واللغوية والثقافية بين الأفريكانيين والناطقين بالإنجليزية. كان الأفريكانيون، الذين يشكلون غالبية السكان البيض، يشعرون بالتهميش والإقصاء من قبل النخبة الناطقة بالإنجليزية التي تهيمن على السياسة والاقتصاد. استغل الحزب الوطني هذه المشاعر، وحاول بناء قاعدة دعم واسعة بين الأفريكانيين.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت الحرب العالمية الأولى بشدة على الاقتصاد الجنوب أفريقي. تسببت الحرب في تعطيل التجارة والاستثمار، وارتفعت البطالة والتضخم. أدت هذه الصعوبات الاقتصادية إلى تفاقم الاستياء العام من الحكومة، وقوضت شعبية حزب جنوب أفريقيا.
الأحزاب المتنافسة
تنافست عدة أحزاب سياسية في انتخابات عام 1915، أبرزها:
- حزب جنوب أفريقيا (SAP): بزعامة رئيس الوزراء لويس بوثا، دافع عن الوحدة داخل الاتحاد وتعزيز العلاقات مع بريطانيا. كان يمثل بشكل عام مصالح الناطقين بالإنجليزية ورجال الأعمال، بالإضافة إلى بعض الأفريكانيين المعتدلين.
- الحزب الوطني (NP): بقيادة جيمس باري مونيك هرزوج، دعا إلى مزيد من الاستقلالية لجنوب أفريقيا عن بريطانيا وحماية مصالح الأفريكانيين. اكتسب الحزب شعبية كبيرة بين المزارعين والعمال الأفريكانيين.
- حزب العمل (LP): مثل مصالح العمال البيض، ودعا إلى تحسين الأجور وظروف العمل. كان للحزب قاعدة دعم قوية في المناطق الصناعية، مثل ويتواترسراند.
- الحزب الاتحادي (UP): كان حزباً صغيراً يمثل مصالح الناطقين بالإنجليزية المتشددين، ودعا إلى اندماج أوثق مع بريطانيا.
القضايا الرئيسية في الحملة الانتخابية
هيمنت عدة قضايا رئيسية على الحملة الانتخابية لعام 1915، بما في ذلك:
- المشاركة في الحرب العالمية الأولى: كان هذا الموضوع الأكثر إثارة للجدل، حيث دافع حزب جنوب أفريقيا عن مشاركة جنوب أفريقيا إلى جانب بريطانيا، بينما عارضها الحزب الوطني.
- العلاقات مع بريطانيا: دعا الحزب الوطني إلى مزيد من الاستقلالية لجنوب أفريقيا، بينما فضل حزب جنوب أفريقيا الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع بريطانيا.
- المسألة العرقية: سعى الحزب الوطني إلى حماية مصالح الأفريكانيين، بينما حاول حزب جنوب أفريقيا التوفيق بين مصالح مختلف المجموعات العرقية.
- الاقتصاد: وعدت جميع الأحزاب بمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تسببت فيها الحرب، ولكنها اختلفت حول أفضل السبل للقيام بذلك.
سير الانتخابات ونتائجها
أجريت الانتخابات في 20 أكتوبر 1915 في ظل ظروف صعبة، بسبب الحرب العالمية الأولى. على الرغم من هذه التحديات، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات حوالي 70٪، مما يدل على الاهتمام الكبير بالسياسة بين السكان البيض في جنوب أفريقيا. (في ذلك الوقت، كان حق التصويت مقصوراً على الرجال البيض إلى حد كبير، مع بعض المؤهلات المحدودة لغير البيض في مقاطعة كيب).
جاءت نتائج الانتخابات مفاجئة للعديد من المراقبين. فاز حزب جنوب أفريقيا بزعامة لويس بوثا بأغلبية المقاعد (54 مقعداً)، لكنه فشل في الحصول على الأغلبية المطلقة في مجلس الجمعية. حقق الحزب الوطني بقيادة جيمس باري مونيك هرزوج مكاسب كبيرة، حيث حصل على 27 مقعداً، ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان. حصل حزب العمل على 4 مقاعد، بينما حصل الحزب الاتحادي على 40 مقعداً.
النتائج التفصيلية:
- حزب جنوب أفريقيا (SAP): 54 مقعدا
- الحزب الوطني (NP): 27 مقعدا
- الحزب الاتحادي (UP): 40 مقعدا
- حزب العمل (LP): 4 مقاعد
- مستقلون: 5 مقاعد
تشكيل الحكومة
نظراً لعدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة، كان على لويس بوثا التفاوض مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية. في النهاية، تمكن بوثا من تشكيل حكومة مع الحزب الاتحادي، الذي وافق على الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية لدعم المجهود الحربي. ومع ذلك، ظلت حكومة بوثا ضعيفة وغير مستقرة، حيث اعتمدت على دعم الحزب الاتحادي، الذي كان لديه آراء مختلفة حول العديد من القضايا الرئيسية.
أثار تشكيل الحكومة الائتلافية غضب الحزب الوطني، الذي اتهم بوثا بالخيانة والتخلي عن مصالح الأفريكانيين. شرع الحزب الوطني في لعب دور المعارضة القوي، وانتقد بشدة سياسات الحكومة، وخاصة مشاركة جنوب أفريقيا في الحرب العالمية الأولى.
تأثيرات الانتخابات
كانت لانتخابات عام 1915 آثار بعيدة المدى على السياسة الجنوب أفريقية. عززت الانتخابات مكانة الحزب الوطني كقوة سياسية رئيسية، ومهدت الطريق لصعوده إلى السلطة في عام 1924. كما كشفت الانتخابات عن الانقسامات العميقة في المجتمع الجنوب أفريقي، وخاصة بين الأفريكانيين والناطقين بالإنجليزية.
أدت مشاركة جنوب أفريقيا في الحرب العالمية الأولى إلى تفاقم هذه الانقسامات، وعززت القومية الأفريكانية. في السنوات التي أعقبت الحرب، ازداد نفوذ الحزب الوطني، واكتسب دعماً واسعاً بين الأفريكانيين الذين كانوا يشعرون بالتهميش والإقصاء.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الانتخابات في تشكيل السياسة العرقية في جنوب أفريقيا. مع صعود الحزب الوطني، أصبحت الفصل العنصري (الأبارتايد) تدريجياً سياسة رسمية للدولة، مما أدى إلى عقود من التمييز والاضطهاد ضد السكان غير البيض.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب أفريقيا العامة لعام 1915 حدثاً محورياً في تاريخ جنوب أفريقيا. كشفت الانتخابات عن الانقسامات العميقة في المجتمع الجنوب أفريقي، وعززت مكانة الحزب الوطني كقوة سياسية رئيسية، وساهمت في تشكيل السياسة العرقية في البلاد. على الرغم من فوز حزب جنوب أفريقيا بأغلبية المقاعد، إلا أنه فشل في الحصول على الأغلبية المطلقة، مما أدى إلى تشكيل حكومة ائتلافية ضعيفة وغير مستقرة. مهدت الانتخابات الطريق لصعود الحزب الوطني إلى السلطة في عام 1924، وبداية حقبة الفصل العنصري.