خلفية تاريخية
شهد القرن التاسع عشر نموًا كبيرًا في الحركات المسكونية، حيث سعى المسيحيون من مختلف الطوائف إلى إيجاد أرضية مشتركة وتجاوز الانقسامات التاريخية. كان هذا التوجه مدفوعًا بعدة عوامل، بما في ذلك: الرغبة في تقديم شهادة مسيحية موحدة في مواجهة التحديات العلمانية، والاعتراف بالحاجة إلى التعاون في مجالات مثل التبشير والأعمال الخيرية، والإدراك المتزايد لأهمية الوحدة المسيحية كما عبر عنها يسوع في صلاته. في هذا السياق، برزت الحاجة إلى تحديد بعض المبادئ الأساسية التي يمكن أن تشكل أساسًا للوحدة.
كان الأسقف تشارلز تشارلز، أسقف ولاية إلينوي في الكنيسة الأسقفية الأمريكية، من الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في صياغة المضلع الرباعي. في عام 1886، قدم مقترحات لتوحيد الكنائس إلى مؤتمر الكنائس الأنجليكانية في الولايات المتحدة. ثم توسعت هذه المقترحات وأُقرّت من قبل أساقفة الكنيسة الأنجليكانية في مؤتمر لامبث عام 1888، الذي عقد في قصر لامبث، مقر رئيس أساقفة كانتربري.
العناصر الأربعة للمضلع الرباعي
يتكون المضلع الرباعي من أربعة عناصر أساسية تمثل الحد الأدنى من المتطلبات للوحدة المسيحية. هذه العناصر هي:
- الكتاب المقدس: الكتاب المقدس، الذي يحتوي على العهدين القديم والجديد، ككلمة الله المكتوبة والأساس والقياس الأعلى للإيمان.
- العقيدة النيقية: قانون الإيمان النيقي، وهو تعبير عن الإيمان المسيحي الذي صيغ في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، والذي يمثل الإيمان المشترك في جميع أنحاء المسيحية التاريخية.
- التعميد والسر المقدس: إقرار بالتعميد كطريقة للدخول إلى المسيحية، والاعتراف بالسر المقدس، الذي يعتبر رمزًا لجسد المسيح ودمه.
- الأسقفية التاريخية: الأسقفية التاريخية، وهي استمرارية الخدمة الأسقفية منذ الرسل، والتي تعتبر ضرورية للحفاظ على الوحدة والاستمرارية مع الكنيسة المبكرة.
تم تصميم هذه العناصر لتكون شاملة بما يكفي لجذب طوائف مسيحية مختلفة، بينما تظل وفية للتقاليد الكتابية والعقائدية للكنيسة الأنجليكانية. لقد وفرت هذه العناصر إطارًا للحوار والمفاوضات المسكونية، مما مكن الكنائس من تحديد مجالات الاتفاق والاختلاف.
أهمية المضلع الرباعي
للمضلع الرباعي أهمية كبيرة في تاريخ الحركة المسكونية. لقد لعب دورًا حاسمًا في:
- توفير أساس مشترك للحوار: قدم المضلع الرباعي إطارًا واضحًا ومحددًا للحوار بين الكنائس الأنجليكانية والطوائف المسيحية الأخرى.
- تعزيز الوحدة المسيحية: من خلال تحديد العناصر الأساسية للإيمان، ساعد المضلع الرباعي في تعزيز الوحدة المسيحية والحد من الانقسامات.
- تشجيع المشاركة في الحركة المسكونية: ألهم المضلع الرباعي الكنائس الأنجليكانية للمشاركة بنشاط في الحركة المسكونية والعمل من أجل الوحدة.
- تأثير على الوثائق المسكونية الأخرى: أثرت مبادئ المضلع الرباعي على صياغة العديد من الوثائق المسكونية الأخرى، مثل وثائق الحوار بين الكنائس المختلفة.
على مر السنين، أظهر المضلع الرباعي قدرته على التكيف مع التغيرات في المشهد المسكوني. في حين أن بعض الكنائس قد عدلت تفسيراتها للعناصر الأربعة، فقد ظل المضلع الرباعي بمثابة نقطة مرجعية مهمة للحوار والوحدة.
تحديات ونقاشات
على الرغم من أهميته، واجه المضلع الرباعي بعض التحديات والجدل. ومن بين هذه التحديات:
- تفسير الأسقفية: يمثل مفهوم الأسقفية التاريخية أحد أكثر القضايا إثارة للجدل. بعض الكنائس، مثل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية، تعتبر الأسقفية ضرورية لصحة الكنيسة.
- التغيرات في العقيدة: مع تطور اللاهوت، قد تواجه الكنائس صعوبة في التوفيق بين المبادئ الأساسية للمضلع الرباعي مع التغيرات في الفهم العقائدي.
- العلاقات مع الكنائس غير التاريخية: قد يكون من الصعب على بعض الكنائس الأنجليكانية إيجاد أرضية مشتركة مع الكنائس التي لا تلتزم بالأسقفية التاريخية.
على الرغم من هذه التحديات، يستمر المضلع الرباعي في لعب دور مهم في الحوار المسكوني. تسعى الكنائس إلى فهم وتفسير العناصر الأربعة بطرق تتناسب مع السياقات المختلفة والتقاليد اللاهوتية.
التطورات الحديثة
شهدت الحركة المسكونية تطورات مهمة في العصر الحديث، مع استمرار الكنائس في العمل من أجل الوحدة. وقد ساهم المضلع الرباعي في هذه التطورات من خلال توفير إطار للتعاون والحوار. ومن بين التطورات الحديثة:
- حوارات ثنائية ومتعددة الأطراف: شاركت الكنائس الأنجليكانية في حوارات ثنائية ومتعددة الأطراف مع طوائف مسيحية أخرى، مستخدمة المضلع الرباعي كأساس للمناقشة.
- الاعتراف المتبادل بالخدمة: في بعض الحالات، توصلت الكنائس إلى اتفاقيات للاعتراف المتبادل بالخدمة، مما يعزز الوحدة والتعاون.
- التركيز على القضايا الاجتماعية: بالإضافة إلى الحوار العقائدي، تركز الكنائس بشكل متزايد على التعاون في القضايا الاجتماعية، مثل العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة، ومكافحة الفقر.
تشير هذه التطورات إلى أن المضلع الرباعي لا يزال أداة ذات صلة في السعي المستمر نحو الوحدة المسيحية.
الخاتمة
المضلع الرباعي في شيكاغو ولامبث هو بيان عقائدي مهم في تاريخ الكنيسة الأنجليكانية والحركة المسكونية. لقد قدم إطارًا للوحدة من خلال تحديد العناصر الأساسية للإيمان المسيحي. على الرغم من التحديات والجدل، فقد لعب المضلع الرباعي دورًا حاسمًا في تعزيز الحوار والتعاون بين الكنائس. من خلال فهم تاريخه وعناصره، يمكن للمرء أن يقدر أهميته المستمرة في السعي نحو الوحدة المسيحية.
المراجع
- The Lambeth Quadrilateral at the heart of ecumenical dialogue
- Lambeth Quadrilateral
- The Lambeth Quadrilateral in a world of unprecedented challenge
- The Quadrilateral
“`