حياته المبكرة والتعليم
ولد بوريس هيسن في عائلة يهودية في إليزافيتغراد، الإمبراطورية الروسية (الآن كيروفوغراد، أوكرانيا). تلقى تعليمه في جامعة سانت بطرسبرغ، حيث درس الفيزياء والرياضيات. تأثر بشدة بالثورة الروسية وتوجه نحو الماركسية في شبابه. انضم إلى الحزب الشيوعي السوفيتي في عام 1920، مما أثر بشكل كبير على مسيرته المهنية وأبحاثه.
بعد تخرجه، عمل هيسن في معهد الفيزياء في لينينغراد (الآن سانت بطرسبرغ). خلال هذه الفترة، بدأ في دمج أفكاره السياسية والفلسفية مع اهتماماته العلمية. أدت هذه الفترة إلى تطوير منهجية جديدة في دراسة تاريخ العلوم، قائمة على التحليل المادي الجدلي.
مساهماته في تاريخ العلوم والفلسفة
يعتبر هيسن رائدًا في تطبيق الماركسية على دراسة تاريخ العلوم. في مقالته الأكثر شهرة، “الأسس الاجتماعية والاقتصادية للفيزياء نيوتن” (1931)، قام بتحليل الفيزياء النيوتونية من منظور ماركسي. جادل هيسن بأن عمل نيوتن لم يكن مجرد إنجاز علمي، بل كان أيضًا نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في عصره، وتحديدًا صعود الرأسمالية.
ركز هيسن على كيفية تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على تطور النظريات العلمية. أظهر كيف أن الأفكار العلمية تعكس المصالح الطبقية للمجتمع وكيف تؤثر على التوجهات الفكرية. أشار إلى أن الفيزياء النيوتونية، على سبيل المثال، قدمت تصورًا جديدًا للعالم يتناسب مع متطلبات المجتمع الرأسمالي في عصره.
كانت أطروحة هيسن الرئيسية هي أن العلم ليس محايدًا أو مستقلًا عن سياقه الاجتماعي. بدلاً من ذلك، يتأثر العلم بشكل عميق بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. كان لهذا النهج تأثير كبير على تطور تاريخ العلوم، حيث حفز العلماء والمؤرخين على النظر في العلاقة بين العلم والمجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، قدم هيسن مساهمات مهمة في فهم تطور الفيزياء. من خلال تحليله للمفاهيم الفيزيائية، مثل قوانين الحركة والجاذبية، أظهر كيف انعكست التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في هذه المفاهيم. أشار إلى أن العلوم تتغير باستمرار مع تغير المجتمع، وأن الأفكار العلمية تتشكل وتتأثر بالبيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها.
“الأسس الاجتماعية والاقتصادية للفيزياء نيوتن”
تعتبر مقالة هيسن “الأسس الاجتماعية والاقتصادية للفيزياء نيوتن” عملًا كلاسيكيًا في تاريخ العلوم. في هذه المقالة، يحلل هيسن عمل إسحاق نيوتن في سياق الثورة العلمية وصعود الرأسمالية في القرن السابع عشر. يجادل بأن فيزياء نيوتن لم تكن مجرد تقدم علمي، بل كانت تعبيرًا عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للعصر.
يوضح هيسن كيف أن عمل نيوتن، مثل قانون الجاذبية، يوفر إطارًا نظريًا للعالم يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الرأسمالي. يشير إلى أن مفهوم الكون الذي يحكمه قانون عالمي للجاذبية يعكس فكرة السوق الحرة التي تحكمها قوانين طبيعية. يربط هيسن بين أفكار نيوتن حول الجاذبية والميكانيكا، وظهور الدولة الحديثة، التي كانت بحاجة إلى نظام قانوني موحد.
بالإضافة إلى ذلك، يحلل هيسن كيف أن الفيزياء النيوتونية دعمت التكنولوجيا والصناعة الناشئة في ذلك الوقت. كانت القوانين الفيزيائية التي وضعها نيوتن ضرورية لتطوير الآلات والمحركات، مما أدى إلى تقدم كبير في الإنتاج الصناعي. يرى هيسن أن العلوم والتكنولوجيا كانت مترابطة بشكل وثيق، وأن الفيزياء النيوتونية ساعدت على تعزيز التطورات الاقتصادية والاجتماعية.
تأثيره وميراثه
ترك بوريس هيسن إرثًا دائمًا في مجال تاريخ العلوم. ألهم عمله جيلًا من العلماء والمؤرخين لتبني نهجًا ماديًا جدليًا في دراسة العلوم. ساهم في تأسيس مدرسة فكرية جديدة ركزت على العلاقة بين العلم والمجتمع.
كانت أفكاره مؤثرة بشكل خاص في الاتحاد السوفيتي، حيث ساعدت في تشكيل السياسة العلمية. على الرغم من تعرضه للنقد في وقت لاحق بسبب آرائه السياسية، إلا أن عمله لا يزال يدرس ويناقش في الأوساط الأكاديمية حتى اليوم.
أثرت كتابات هيسن على العديد من المفكرين، بما في ذلك العلماء والمؤرخين والفلاسفة. ألهمت أعماله الباحثين على دراسة كيفية تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على العلم. ساهمت أفكاره في تطوير مناهج جديدة في دراسة العلوم والتكنولوجيا والمجتمع.
على الرغم من وفاته المبكرة في عام 1936، استمر تأثير هيسن في النمو على مر السنين. يعتبر عمله جزءًا لا يتجزأ من تاريخ العلوم والفلسفة، وله دور كبير في فهم العلاقة المعقدة بين العلم والمجتمع.
إرثه ومساهماته في الفلسفة الماركسية للعلوم
بالإضافة إلى مساهماته في تاريخ العلوم، لعب هيسن دورًا مهمًا في تطوير الفلسفة الماركسية للعلوم. ساهم في تعزيز الفهم المادي الجدلي للعلم، الذي يرى أن العلم يتطور من خلال التفاعل بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أكد على أهمية دراسة العلم في سياقه التاريخي والاجتماعي.
أكد هيسن على أن العلم ليس محايدًا أو مستقلًا، بل يتأثر بشكل عميق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية. يعكس العلم في نظره مصالح الطبقات المهيمنة في المجتمع. من خلال تحليل العلوم من منظور ماركسي، سعى إلى فهم كيف تخدم العلوم مصالح معينة وكيف يمكن أن تتغير مع تغير المجتمع.
ساهم عمل هيسن في تطوير منهجية جديدة في دراسة العلوم، قائمة على التحليل المادي الجدلي. هذا النهج يتطلب من الباحثين أن يأخذوا في الاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي للعلم. يتضمن هذا التحليل دراسة العلاقات بين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والثقافة.
كانت أفكاره حول دور العلم في المجتمع مؤثرة للغاية في الاتحاد السوفيتي وخارجه. قدمت رؤية جديدة لكيفية فهم العلم وكيف يمكن استخدامه لتحقيق أهداف اجتماعية. على الرغم من الجدل الذي أحاط ببعض أفكاره، إلا أن عمله لا يزال يعتبر مساهمة مهمة في الفلسفة الماركسية للعلوم.
التعرض للانتقادات والجدل
واجهت أفكار بوريس هيسن انتقادات من عدة وجهات نظر. اتُهم بتطبيق الماركسية بشكل مفرط على العلوم، مما أدى إلى تبسيط التعقيد التاريخي للعلم. رأى بعض النقاد أن تحليلاته كانت أيديولوجية بشكل مفرط وأنه أهمل العوامل الأخرى التي تؤثر على تطور العلوم، مثل العبقرية الفردية والتقدم التكنولوجي.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض هيسن للانتقادات بسبب مشاركته في النظام السوفيتي، الذي كان قمعيًا في بعض الأحيان. اتُهم بالتحيز لصالح وجهات النظر السياسية للحزب الشيوعي السوفيتي، مما أثر على تحليلاته العلمية. ومع ذلك، يرى مؤيدو هيسن أن عمله كان محاولة لفهم العلاقة المعقدة بين العلم والمجتمع، وليس مجرد تطبيق أيديولوجي.
على الرغم من هذه الانتقادات، لا يزال عمل هيسن مهمًا ومؤثرًا. ساهم في تطوير الفهم المادي الجدلي للعلم وألهم جيلًا من العلماء والمؤرخين لاستكشاف العلاقة بين العلم والمجتمع. تظل أفكاره موضع نقاش حيوي في الأوساط الأكاديمية.
الظروف المحيطة بوفاته
توفي بوريس هيسن في موسكو في 20 ديسمبر 1936، في ظروف غامضة. لا يزال سبب وفاته غير واضح، وهناك تكهنات مختلفة حول هذا الموضوع. بعض المصادر تشير إلى أنه ربما كان ضحية للتطهير السياسي الذي حدث في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
خلال فترة الثلاثينيات، شهد الاتحاد السوفيتي فترة من القمع السياسي المكثف، حيث تم اعتقال وقتل العديد من المثقفين والعلماء. كان هيسن، كعضو في الحزب الشيوعي ومفكر، عرضة للخطر. على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على سبب وفاته، إلا أن الظروف المحيطة بوفاته تثير الشكوك حول إمكانية تورطه في حملة القمع السياسي.
بغض النظر عن سبب وفاته، فإن وفاته المبكرة كانت خسارة كبيرة لعالم العلوم والفلسفة. ترك عمله إرثًا دائمًا، وألهمت أفكاره العديد من العلماء والمؤرخين لمواصلة دراسة العلاقة بين العلم والمجتمع.
خاتمة
بوريس هيسن كان فيزيائيًا وفيلسوفًا وعالم اجتماع للعلوم، ترك بصمة كبيرة في مجال تاريخ العلوم والفلسفة من خلال تطبيقه للماركسية. تعتبر مقالته “الأسس الاجتماعية والاقتصادية للفيزياء نيوتن” عملًا كلاسيكيًا في هذا المجال. على الرغم من تعرضه للانتقادات، إلا أن أفكاره ساهمت في تطوير الفهم المادي الجدلي للعلم، وألهمت جيلًا من العلماء والمؤرخين. لا يزال إرثه حيًا، ويستمر في التأثير على دراسة العلاقة بين العلم والمجتمع.
المراجع
- Boris Hessen – Wikipedia
- Boris Mikhailovich Hessen – Encyclopedia Britannica
- The Social and Economic Roots of Newton’s ‘Principia’ by Boris Hessen
- The Social and Economic Roots of Newton’s Principia: A Marxist View
“`